فتحت كارثة الزلزال الذي ضرب سورية وتركيا الباب أمام النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، لإعادة التواصل مع المحيط العربي والعالم، وهو ما يشكّل فرصة أمام الأسد لن يتوانى عن استغلالها لتحقيق مكاسب سياسية، بحسب صحيفة العربي الجديد.
ومن هذا المنطلق ازدادت مخاوف المعارضة السورية من توسيع الأسد دائرة علاقاته مع المحيط الإقليمي، باستغلال كارثة الزلزال، لا سيما أن عمليات التطبيع معه، التي بدأت في عام 2018، سارت بخط متصاعد بعض الشيء، فاسحة المجال أمام الأسد لإعادة التواصل مع دول عربية.
وبرز اتصال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالأسد، إضافة إلى تلقي الأخير اتصالات من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وغيره من زعماء عرب وغير عرب، منهم من كانوا قد قطعوا علاقات بلدانهم مع النظام على خلفية تعامل الأسد بوحشية مع الحراك المناهض له ربيع 2011.
غير أن رفع التمثيل الدبلوماسي من قبل الرئيس التونسي قيس سعيّد مع دمشق، جاء ليسجل خرقاً جديداً في ملف التطبيع، يضاف إليه الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إلى دمشق ولقائه بالأسد. وتلك أول زيارة لمسؤول أردني بهذا المستوى إلى دمشق منذ اندلاع الثورة، على الرغم من العلاقات القائمة بين عمّان ودمشق، بعد اتصالات جرت بين الملك عبد الله الثاني والأسد خلال العالم الماضي.
دبلوماسية الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية
وتذهب التوقعات إلى أن الأسد سيحاول استعمال دبلوماسية الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية، بعد أن وجدت بعض الدول فرصة للخروج من حرج التواصل مع النظام عندما أتاحت لها كارثة الزلزال هذه الفرصة، وبالتالي فإن المساعدات التي تلقاها النظام بعد الزلزال، قد تتطور في حجمها ونوعها لتشمل ما يمكنها ترميم بنية النظام نوعاً ما، لا سيما أن العقوبات الغربية والأميركية، في مقدمتها “قانون قيصر”، يستثني في مفاعيله المساعدات الإنسانية.
وعلى الرغم من ذلك قام مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة بإصدار الرخصة العامة 23 الخاصة بسورية، التي تسمح بـ180 يوماً من كافة العمليات ذات الصلة بالإغاثة من الزلزال، والتي كانت محظورة بموجب أنظمة العقوبات المفروضة على سورية، وذلك بحسب بيان المكتب التابع للوزارة.
وأشار نائب وزير الخزانة “والي أدييمو” إلى أن عقوبات بلاده على النظام، تضم استثناءات قوية خاصة بالجهود الإنسانية، ولكن وزارة الخزانة أصدرت ترخيصاً عاماً شاملاً لتفويض جهود الإغاثة من الزلزال، حتى يتمكن من يقدّمون المساعدة من التركيز، على ما هو مطلوب أكثر، أي إنقاذ الأرواح وإعادة البناء.
وأشار البيان الذي صدر بالتزامن مع الترخيص في 9 شباط الحالي، إلى أن برامج العقوبات الأميركية لا تستهدف المساعدة الإنسانية المشروعة، بما في ذلك جهود الإغاثة في حالات الكوارث، وقد أصدرت الحكومة الأميركية منذ وقت طويل تراخيص عامة عدة معمول بها قانوناً، ما يسمح بمعظم الأنشطة الداعمة للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ومن قِبَل الأمم المتحدة أو الحكومة الأميركية، أو المنظمات غير الحكومية التي تشارك في معاملات تدعم بعض الأنشطة غير الهادفة للربح.
ويمتد هذا التفويض الجديد ليشمل التراخيص الإنسانية الواسعة النطاق والسارية أصلاً بموجب القانون الخاص بالمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية والحكومة الأميركية، ويعكس هذا الطلب التزام الولايات المتحدة بدعم الشعب السوري في أزمة الزلزال الحالية.
وأضاف: قد لا يستطيع رفع العقوبات وحده أن يعكس التحديات الهيكلية طويلة الأمد والتكتيكات الوحشية لنظام الأسد، لكنه يضمن ألا تمنع العقوبات المساعدات المنقذة للحياة اللازمة بعد هذه الكارثة.
خشية من استغلال النظام للمساعدات
وعلى اعتبار أن تصريح نائب وزير الخزانة الأميركي، ورد فيه عبارة “إعادة البناء”، فقد تكون الخشية كبيرة من أن يستغل النظام المساعدات المقدمة إليه، لا سيما المالية، للبدء بعملية “إعادة الإعمار”، التي يسعى للبدء بها منذ سنوات، بالترويج لانتهاء الحرب وأن هذه العملية المرحلة الأولى التي تعقب الحرب.
غير أن ذلك يبقى رهن ما ستتخذه الإدارة الأميركية من خطوات مقبلة، حيال التعامل مع الملف السوري بمرحلة ما بعد الزلزال، أو في أعقاب انتهاء الرخصة التي منحتها وزارة الخزانة لإدخال المساعدات. وترى المعارضة السورية أن النظام يحاول منذ بداية الثورة خلق أزمات واستغلالها لتحويلها لمكاسب سياسية، وهذا ما ينسحب على استغلال كارثة الزلزال.
النظام يسعى لرفع مستوى التواصل
ورأى عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري المعارض، وعضو مكتب العلاقات الخارجية في الائتلاف !عبد المجيد بركات” أن “النظام يسعى الآن لرفع مستوى التواصل مع بعض الدول، أي أن النظام يسعى لرفع التواصل مع بعض الدول التي لديها خطوط أمنية ليصل إلى مستوى دبلوماسي وسياسي”.
وأشار بركات إلى استغراب المعارضة للتسهيلات التي قُدّمت من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لخلق ساحات جديدة للنظام لاستغلالها سياسياً. وتابع: “النظام حالياً يبحث عن روافع إقليمية من أجل تعويمه، لعدم قدرته على تعويم نفسه في ظل المعوقات القانونية المتعلقة بالعقوبات الدولية، فهناك الكثير من الخطوط الحمراء الدولية، ولا يزال الملف السياسي هو الذي يحكم القضية السورية”.
وأعرب عن اعتقاده بأنه “لا يمكن تعويم النظام من الباب الإنساني، فالقضية لا تزال سياسية، وهذه الروافع الإقليمية قد لا توصله لتعويم نفسه بشكل كامل في المجتمع الدولي، على الرغم من أن قطار التطبيع يسير بشكل سريع”، لكنه استدرك أن “ذلك لا يعني بالضرورة اتجاه الدول لتطبيع علاقاتها مع النظام، بقدر ما يحسم ذلك حسابات إقليمية، منها الخلافات أو التقارب بين بعض القوى الفاعلة في الملف السوري”.
وترى المعارضة أن مواقف بعض الدول العربية الفاعلة في الملف السوري، بالإضافة للموقف الغربي والأميركي باللاءات المعروفة ومعها العقوبات، لا تزال ثابتة، ولا يمكن تجاوزها ليحدث النظام أي خرق سياسي حقيقي في اتجاه إعادة تعويمه.
الزيارات تضامنية أكثر منها سياسية
واعتبر الباحث السياسي رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، أن الزيارات والاتصالات التي تلقاها الأسد، تضامنية أكثر منها سياسية، لكن ذلك لا يعني أنه ليس لها بُعد سياسي، غير أنه محدود.
وأضاف زيادة “أعتقد أن الدول العربية اكتشفت أن حجم الكارثة الحقيقية في الشمال السوري في المناطق التي لا تخضع لسيطرة النظام أصلاً، ولذلك ربما توقعات النظام من الاستفادة سياسياً من الكارثة لم تتحقق. فالموقف الأميركي والأوروبي لم يتغيرا، بل أصرا على أن المساعدات الإنسانية لا تخضع للعقوبات أصلاً”، وتابع: “مسؤولو الدول الذين زاروا الأسد بالأصل سلطاتهم تشجع التطبيع معه”.