بحث
بحث
انترنت

سوريا وتركيا.. فرصة ما قبل الصفقة

الصفقة عُلّقت أو تعطّلت، بانتظار عوامل جديدة على الأرض قد تدفع أحد أطراف الصفقة إلى تقديم تنازلات اضطرارية مقابل ما يراه أفضل لمصالحه

يبدو أن صفقة التطبيع التركي مع النظام السوري قد عُلّقت أو تعطّلت، بانتظار عوامل جديدة على الأرض قد تدفع أحد أطراف الصفقة أو ربما جميعها إلى تقديم تنازلات اضطرارية مقابل ما يراه أفضل لمصالحه.

ظهرت بوادر هذا التطبيع أو ما يقترب منه بعد اجتماع الرئيس رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي في الخامس من آب، وقد كان متوقعاً أن يستغل الأخير حاجة تركيا إلى ضوء أخضر لبدء عمليتها العسكرية في شمال سوريا، ليقترح استعادة العلاقة بين أنقرة ودمشق، وتعاونهما ضد القوات الكردية المهددة لكليهما.

بطبيعة الحال، كان هدف روسيا الأساسي هو تخفيف العبء السوري عن كاهلها، من أجل التفرغ لحرب الاستنزاف المرهقة في أوكرانيا، ولم يكن لدى بوتين أفضل من هذه الفرصة ليقنع أردوغان بإنجاز صفقة يفترض أنها تمنح تركيا بعض الحرية في مواجهة (وحدات حماية الشعب) الكردية، مقابل ما تمنحه للنظام من سيطرة على اراضي تخضع لسيطرة المعارضة المحمية بالقوات التركية، وبذلك لن تعود روسيا مضطرة للاحتفاظ بقوات كبيرة لدعم النظام ومنعه من السقوط، كما كانت تفعل منذ عام 2015.

وربما كان يمكن للصفقة أن تمضي بشكل ما، بعدما أظهرت أنقرة العديد من الإشارات على استعدادها لـ”ممارسة الدبلوماسية” مع نظام الأسد، ودعوتها المعارضة إلى الاتفاق معه، في تطور تسبب بكثير من الاستياء والقلق بين السوريين في مناطق الشمال غير الخاضعة للنظام، فضلا عن تساؤلات عن مصير الثورة السورية، بعد ما بدا من (تخلي) حليفها التركي.

لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة التي بدا عليها، فبعد أقل من اسبوعين من قمة “سوتشي”، قام الرئيس التركي بزيارة مدينة لفيف شرقي أوكرانيا، ومن هناك صرّح أن بلاده “تقف إلى جانب أوكرانيا”، مجدداً طرح نفسه كوسيط لإيجاد حل للحرب هناك. 

كان أردوغان يريد تكريس دور بلاده كعنصر دولي فاعل في أخطر أزمة تواجه أوروبا منذ سبعة عقود، وحصل بالفعل على إشادة الأمين العام للأمم المتحدة الذي شاركه الزيارة، على دور تركيا في انجاز اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.

ويبدو أن موسكو لم ترضها المواقف التركية، فاستدعت وزير خارجية النظام السوري ليعلن من موسكو في 23 آب، “شروطاً” على تركيا أن تنفذها قبل أي تقارب بين البلدين. وقد بدا من لهجة الوزير الذي كان برفقة نظيره الروسي، أن نظام دمشق ليس في عجلة من أمره، وأن أنقرة ملزمة بتنفيذ تلك الشروط التي بدت كفيلة بوضع تركيا في وضع صعب أخلاقياً واستراتيجياً، مقابل مكاسب غير واضحة، وكوارث إنسانية متوقعة ستتحمل تركيا في حال وقعت جزءاً أساسياً من أسبابها، وربما من تداعياتها.

اللافت هنا، أن الرئيس أردوغان قام في ذلك اليوم بتوجيه رسالة بالفيديو إلى قمة منصة القرم الافتراضية، أكد فيها موقف تركيا الداعم لوحدة أراضي أوكرانيا، ورفضها “الضم غير القانوني لشبه جزيرة القرم من جانب روسيا”، ويمكن بالطبع افتراض أن هذه كانت بتلك، وأن الرئيس التركي، رد فوراً على الضغط الروسي الموجه بلسان فيصل المقداد، ليذكر موسكو بأنها ما زالت بحاجة إليه في أوكرانيا، لا سيما بعد أن كرس نفسه كوسيط دولي ذي مصداقية في تلك الأزمة.

لكن الرد التركي الأوضح جرى في اليوم التالي 24 آب حينما التقى وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو في أنقرة بوفد من قيادات المعارضة السورية، وقال بعد اللقاء في تغريدة على تويتر: “أننا نقدر وندعم مساهمة المعارضة في العملية السياسية في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.

الحاصل، أن موسكو تلعب مع أنقرة لعبة الضغط التفاوضي، فيغيّر كل منهما موقفه بين عشيّة وضحاها، حسب ما يتطلبه الوضع للحصول على أكبر قدر من المكاسب، لكن حاجة كل منهما تبقى ملحة لإنجاز صفقة التسوية مع النظام السوري، وهو ما يدفع للقول إن كل هذه التحركات والتصريحات، لن تغير من جوهر التطور المتمثل بفرص تطبيع العلاقات بين أنقرة ونظام الأسد.

ولكن، قد يكون في هذا التدافع السياسي النفسي بين موسكو وأنقرة، ما يمنح المعارضة والثوار فرصة لطرح مطالب وضمانات تتعلق بمصير الثورة والثوار وسلاح الفصائل ومصير النازحين واللاجئين، تتضمن إبقاء مناطق الشمال السوري تحت حماية دولية، ومنع دخول قوات النظام، وضمان حماية المعارضين، وتوفير رؤية واضحة ومعلنة حول مصير ملايين اللاجئين في تركيا على وجه الخصوص، وذلك بغض النظر عن ترتيبات التفاوض حول تنفيذ قرار مجلس الأمن، التي قد لا تحصل على الإطلاق، لكن لا يمكن أن تكون مثل هذه الفرصة طويلة أو ممتدة، فضغط الأوضاع الأمنية والسياسية بالنسبة لتركيا، والعسكرية بالنسبة لروسيا، قد يدفعهما لاستعادة التقارب من جديد، خلال مدة قصيرة، وحينها قد يجري تنفيذ الصفقة بسرعة.

لا نعرف إن كان وفد المعارضة الذي اجتمع مع تشاووش أوغلو قد حصل على ضمانات سياسية وأمنية وإنسانية، فإن لم يفعل، فلا بدّ من حشد الجهود نحو هذا الهدف، بدلاً من الانشغال بالرفض والنقد والغضب، الذي لن يؤثر على قرارات الدول وسعيها لحفظ مصالحها الخاصة.

المصدر: صحيفة المدن