كشفت مجلة “ناشيونال إنترست“، عن اجتماع سري عقد في شرم الشيخ بمصر، وشاركت فيه الإمارات، وقطر، والأردن، والسعودية، وإسرائيل، إلى جانب مصر، بهدف مناقشة إنشاء تحالف دفاعي وصفه الإسرائيليون بـ”التحالف الدفاعي الجوي للشرق الأوسط”.
وأشارت المجلة إلى أن خطة الاجتماع كانت تقوم على التشارك بالمعلومات حول الصواريخ الإيرانية والتهديدات الدفاعية الجوية للمنطقة، مثل الصواريخ الباليستية وكروز وكذا المسيرات وتقديم تغطية بصرية للكشف المبكر عن هذه التهديدات.
ورأت أن نظام الدمج الدفاعي الصاروخي هو مجرد إسعاف أولي لجرح واسع يمكن أن يصبح خطيرا وقد يأتي على الحوار بين إيران وأعدائها لمعالجة المنطقة المصابة بالعدوى.
واعتبرت أن وجود تحالف دفاعي صاروخي قد يدفع السعودية والإمارات نحو المواجهة مع إيران، مشيرة إلى أن المحادثات الثنائية التي تجريها الرياض وأبوظبي مع طهران لتخفيف التوتر، بدون مبادرة دبلوماسية مكملة لتشجيع هذه المحادثات.
ولفتت إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، كان قدر حذر إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في عام 2017 من أن إنشاء “تحالف مضاد للشيعة يتنكر بصورة التحالف الأمني في الشرق الأوسط سيؤدي إلى تغذية النيران الطائفية وينتج مزيدا من الإرهاب.. معتبرا أنه يجب على واشنطن أن تضغط على الرياض وطهران للتوقف عن تغذية المشروع بدلا من دعم أطراف النزاع.
وأضافت: أن “مسارا غائبا عن محاولات أمريكا القائمة على إحياء اتفاقية العمل المشتركة الشاملة، وتعرف باتفاقية النووي، وهو دفع البحرين ومصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات وإيران للتواصل دبلوماسيا وتحمل مسؤولية أكبر عن المنطقة”.
وتحدثت المجلة عن محاولات الولايات المتحدة قبل ثلاثة عقود إنشاء منظومة دفاعية جوية صاروخية بين دول مجلس التعاون الخليجي الست: البحرين، وقطر، وعمان، والسعودية، والكويت، والإمارات، ورأت أن الولايات المتحدة فشلت نظرا للتحدي القديم، وهو: غياب الثقة، فلم تكن أي دولة مستعدة للتعاون على حساب الضمانات الأمنية الثنائية من الولايات المتحدة، ولم تحاول الجهود السابقة خلق إطار تعاوني يشمل إسرائيل.
وكانت المحاولة متناسبة مع أشكال سياسة الأمن بالشرق الأوسط. صحيح أن هناك شيئا يمكن اكتسابه من تطوير التعاون في مجالات الأمن، إلا أن المنفعة الهامشية من تنسيق الدفاعات الجوية ستكون صغيرة إلا في حال ترافقت مع عملية دبلوماسية تعالج جذور العدوى.
وتحت مظلة إدارة بيل كلينتون جرى التسويق لمبادرة التعاون الدفاعي “حزام التعاون”، التي حاولت دمج معلومات الدفاع الجوي التي تجمعها دول مجلس التعاون الخليجي كخطوة نحو التشارك في بيانات الدفاع الصاروخي.
وبينت المجلة أن المبادرة فشلت لأن دول مجلس التعاون الخليجي لم تكن راغبة في المشاركة بالمعلومات حول مجالها الجوي مع الأخرى.
وحاولت إدارة بوش عبر الحوار الأمني الخليجي تشجيع التشغيل العسكري البيني ودفع دول مجلس التعاون الخليجي لشراء أنظمة الدفاع الصاروخية.
واقترحت إدارة باراك أوباما إنشاء منبر التعاون الاستراتيجي الأمريكي ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 2011، وبدأ في عام 2012 لمعالجة الموضوعات الأمنية والسياسية الخليجية والاقتصادية.
وفي حوار المنامة عام 2013 أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل عن إطار حكومي أمريكي مع مجلس التعاون الخليجي، كان سيضم إطارا دفاعيا صاروخيا لمجلس التعاون الخليجي ومبيعات أنظمة أسلحة لكتلة مجلس التعاون الخليجي.
وفي عهد ترامب، استمرت هذه الجهود حيث فكر الرئيس الأميركي السابق حينها بتوسيع ضمانات الأمن للناتو لتشمل الشرق الأوسط، وأنشأ بشكل منفصل التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط (ميسا) ليضم دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى الأردن ومصر. إلا أنه نظر إلى “ميسا” على انه من أجل خدمة المصالح الأمريكية-السعودية لمواجهة إيران.
وفي الوقت الذي رغبت فيه السعودية والبحرين والإمارات بمواجهة إيران فإن دولا مثل مصر والأردن والكويت وعمان وقطر ترددت في المشاركة في إطار معاد لإيران.
ورفضت مصر المضي وراء الرياض لأن المبادرة حملت مخاطر زيادة التوتر مع إيران، ما أدى إلى انهيار المعمار الأمني الإقليمي المقترح.
ولو نظر إلى التحالف على أنه تحالف معاد للشيعة، فإن هناك مخاطر لتغذية نزاع طائفي ولن يحظى بدعم واسع في المنطقة.
ولا أحد يشك في أن الهجمات الصاروخية الباليستية وكروز والمسيرات التي تشنها إيران أو جماعاتها الوكيلة تهدد السعودية والإمارات وسوق الطاقة العالمي.
وفي هذا السياق، قال المبعوث الأمريكي الخاص تيموتي ليندركينغ، إن المتمردين الحوثين أطلقوا خلال عام 2021، ما يصل إلى 375 صاروخا عبر الحدود اليمنية باتجاه السعودية. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، فإن هجوما على منشأة للنفط في الخليج سيترك أثره على كل زاوية في العالم. كما أن اعتماد روسيا في حربها ضد أوكرانيا على الهجمات الصاروخية يقدم مثالا مثيرا للخوف للدول التي تواجه أعداء يملكون برامج صاروخية خاصة بهم.
ومن الواضح أن التهديدات الصاروخية والمسيرات هي تحد خطير، لكن تحالف الدفاع الصاروخي هو في أحسن حالاته بديل مؤقت عن حل الأزمة دبلوماسيا، ويعاني من عيوب على مجالات عدة.
أولا، تتفوق إيران في ناحية الكلفة، ففي مجال الاعتراض، إذ أن سلاح الجو الملكي يقوم السعودي بإطلاق صاروخين من بطاريات باتريوت ضد الهدف بكلفة 3 ملايين دولار للواحد، أما الصاروخ القادم فكلفته لا تتعدى الـ20,000 دولار وربما الألف دولار.
ويواكب السعوديون الوضع من خلال خزينة ضخمة، غير متوفرة للدول الأخرى، ويدافعون عن أهداف معينة لو ضربت لكانت الخسائر بالملايين.
وهناك مشكلة أخرى في تجديد المخزون من الصواريخ المعترضة نظرا للنقاش في الكونغرس بشأن سجل السعودية الصارخ في حقوق الإنسان.
أما العيب الثاني، فهو القدرة على التشبع، فلربما كان من الجيد إدخال تحسينات على التغطية الجوية، ولكنها لن تغير من قواعد اللعبة لأن إيران تحتفظ بقدرة للتغلب على الدفاعات من خلال غمر مناطق الأهداف بالصواريخ القادمة.
وتقول المخابرات الأمريكية إن إيران تستطيع إطلاق حوالي 70 صاروخا مرة واحدة وإن تحريكها لمنصات إطلاق الصواريخ يعقد من عملية مراقبة الغارات المضادة.
ومن المتوقع أن تواصل إيران تطوير مخزونها وبناء أسلحة متقدمة قادرة على غمر الدفاعات المصطفة ضدها.
وربما كان الحلف المقترح قادرا على تفعيل الدفاعات الجوية وخلق نوع من الردع، لكنه لن يعمل الكثير لتغيير الحسابات. وفي أحسن الحالات قد تخلق الخطة مساحة للتفاوض والحوار حول الأمن الإقليمي.
وبالمزاوجة مع الأسئلة حول حيوية الدفاع الجوي الصاروخي وكونه بديلا عن الدبلوماسية، فإنه سيكون مناقضا لمصالح الدول العربية، لأنها ستجر إلى حرب الظل القائمة بين إيران وإسرائيل.
وعلى الرغم من أن الهجمات الإيرانية وهجمات جماعاتها الوكيلة ضد الدول العربية، وبخاصة السعودية والإمارات، تحمل علامات نزاع دول إلا أن حكومات الخليج ستكون حذرة من استفزاز إيران، كما أظهرت مرة بعد الأخرى.
ولم تعد حرب الظل بين إيران وإسرائيل تجري في الظل، فعمليات الاغتيال الإسرائيلية لمسؤولين إيرانيين مستمرة، وطلب من إسرائيليين البقاء في غرف الفنادق بتركيا خشية تعرضهم للاختطاف.
لكن مواجهة إيران بدون دعم أمريكي ليس مطروحا على الطاولة لدول الخليج، علماً أن الرياض وأبوظبي قامتا بمحاولات تقارب دبلوماسية، وحتى بعد الهجمات على السعودية التي أوقفت نسبة 5% من الإمدادات العالمية للنفط، فقد ترددت السعودية بلوم إيران وتحولت الكويت إلى محاور وسيط. وفضلت دول الخليج الحوار وخفض التوتر مع إيران لا المواجهة.
ولعبت عمان دور القناة الخلفية للمحادثات بين جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الحالي، عام 2011 وبين الإيرانيين، والتي قادت إلى المعاهدة النووية.
وبعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، سافر أمير قطر إلى طهران بطلب من الولايات المتحدة لنزع فتيل التوتر.
ومن الواضح أن دول الخليج لم تعرب عن دعمها للمواجهة ضد إيران بدون دعم أمريكي. ومن مصلحة الدول العربية تجنب الحرب مع إيران، وبناء التعاون الدفاعي وسيلة مفيدة لهذه الغاية، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة الموجودة بالجعبة ولو تم الاعتماد عليها بشكل حصري فستؤدي إلى نتائج عكسية.
ويجب على الولايات المتحدة ألا تعتمد فقط على الإجراءات العسكرية، مثل تحسين الدفاع الجوي، بل وتبني المحادثات بين إيران والإمارات والسعودية وإيران كوسيلة لبناء معمار أمني.
وقدم وقف إطلاق النار في اليمن للسعودية منافع أكثر من أي نظام دفاع صاروخي، وبهذه المثابة يجب أن تركز الولايات المتحدة في تعاملها مع الشرق الأوسط على الدبلوماسية أولا، وإن تحالف دفاع جوي إسرائيلي-عربي سيضر بالشرق الأوسط.