يقول مصدر مطّلع أن الأمر بدأ بمقترح خليجي أردني مصري، مُوافَق عليه إسرائيلياً، لتعويم نظام الأسد في مقابل خروج إيران من سوريا، على أن يكون الغطاء الدعائي هو “تعديل” سلوك النظام الذي يمر بتغييرات في طريقة تعامله الوحشية مع الشعب السوري، وانتهى بفيتو من المرشد الإيراني، ما فتح الباب لتطورات قد تتصاعد إلى حرب كاملة تشمل الشرق الأوسط برمته.
بدأ العمل على هذا السيناريو بتوجه العاهل الأردني الى واشنطن وعواصم أخرى، لعرض مقترحه، ولم تمانع واشنطن تجريب ذلك بعدما أبدت تل أبيب موافقتها. ثم جرى اتصال هاتفي أول بين العاهل الأردني وبشار الأسد، وبدا المخطط على أثره قابلاً للتنفيذ، فجاء وزير خارجية الإمارات إلى دمشق لتأكيد العرض العربي وتقديمه بشكل رسمي.
عند هذه النقطة، وفق المصدر، وضعت طهران الفيتو. فالمشروع سينتهي بتطبيع ربيبها الأسد مع إسرائيل بعيداً منها، وقد وضعت اشتراطات تعجيزية لقبول الصفقة.
طار رأس النظام السوري إلى الإمارات، وعرض مخاوف إيران وعجزه عن إجبارها على تخفيف شروطها، عارضاً ما يملك حرية التصرف فيه، وهو مصير السوريين الذين يقعون تحت سلطة أجهزته، فأعلن قانوناً يجرّم التعذيب، وأفرج عن حفنة من المعتقلين، وأجرى تعديلاً في وزارة الدفاع عيّن بموجبه ضابطاً سنّياً على رأسها كبرهان على “تغيير سلوكه” نحو السوريين، لكن هذا ما كان سوى غطاء وذريعة للمطلب الأساسي، الذي لم يتعهد بتحقيقه.
وفق المصدر أيضاً، توجه رأس النظام إلى خامنئي، الذي أظهر تشدداً أكبر في اللقاء المباشر، بل أنهي المسار فعلياً بالكامل، وكانت تلك لحظة بدء انعكاس العرض. فالأردن أعلن موقفاً جديداً من النظام الذي يغرق الأردن بالمخدرات، وعلى نحو لافت، بالسلاح. وشخّص وجود المليشيات الإيرانية على حدوده الشمالية بأنه خطر داهم.
دول الخليج ومصر تراجعت خطوة الى الوراء، والأموال والاستثمارات الإماراتية على وجه التحديد، لم يصل منها شيء.
واشنطن التي لم تأخذ الوعود الخليجية على محمل الجد، وإن كانت قد وافقت على اختبارها، لم تكن قد غيّرت سياستها وإجراءاتها أصلاً، أما تل أبيب فانتقلت إلى الخطة “باء”.
ودائماً وفق المصدر، فإن الخطة الجديدة، لكافة الأطراف، هي جعل الوجود الإيراني في سوريا أكثر كلفة، عبر زيادة الضربات الإسرائيلية من ناحية، ومحاصرة نفوذها من ناحية ثانية بتعظيم قوة الأطراف المناهضة لها في سوريا وجوارها. وأخيراً، محاربة طهران بأسلوبها ذاته، وهو توليد القوى العسكرية والمليشيات التي تستهدف قواتها على الأرض على نحو نقطي وليس كمواجهة عامة وشاملة.
من بين الأجزاء التي يمكن الحديث عنها اليوم، قوى عسكرية على امتداد الحدود الأردنية السورية، تتمدد بالتدريج لتشكل منطقة آمنة. ومما يُخطّط له مستقبلياً، لكن ليس بعيداً، إطلاق مسار للسيطرة على الحدود العراقية السورية وتقويض جسر إيران الذهبي إلى المتوسط، عند منتصفه، أي في البوكمال السورية.
مصداقية هذا السيناريو ليست مستمدة فقط من مصداقية المصدر الذي قدمه، إذ ثمة إشارات أخرى حملتها تحركات في محيط منطقة التنف على المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، كما عبّرت عنها بوضوح تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قال بعدما التقى رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن “أيام الحصانة للنظام الإيراني قد ولّت”، إضافة إلى تقديم كل من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، مشروع قرار إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لاتخاذ إجراءات عاجلة وفورية بخصوص اكتشاف نشاط إشعاعي في ثلاثة مواقع إيرانية غير مصرح عنها.
ما يقود التطورات إذن ليس الوجود الإيراني المتعاظم في سوريا والإقليم، والذي صار راسخاً. بل تقدُّم البرنامج النووي الإيراني الذي سينتهي لا محالة إلى صنع سلاح نووي، إذا لم يحدث تدخل عسكري خارجي. وإسرائيل، التي يقال إنها تقف وراء اغتيال عالم نووي مؤخراً، تراقب من كثب وتعرف على ما يبدو النقطة التي وصل إليها بدقة.
يقول خبراء الأسلحة النووية أن طهران تحتاج إلى 1050 كيلوغرامًا من اليورانيوم منخفض التخصيب لصنع قنبلة، ووفق الخبراء فإنها تملك نحو عشرة أطنان منه، لكنها تحتاج إلى 25 كيلوغراماً تصل درجة نقائها إلى 90 في المئة، لجعل هذه المادة سلاحاً قابلاً للاستخدام. ورئيس الوزراء الإسرائيلي قال أخيراً إن “طهران اجتازت معدل التخصيب بنسبة 60%”، وإن حكومته لا يمكن أن تسلّم بهذا الوضع.
ما يقود الأحداث إذن هو عدّاد نووي لا يتوقف عن التصاعد في طهران، ويزيد أجواء السخونة في الشرق الأوسط، ويصعّد المواقف يوماً بعد آخر. لكن رأس النظام السوري، الذي لا يهمه سوى استمرار سلطته، لن يربط مصيره بذلك العدّاد، وهو يتحرك في الاتجاهات كافة، وسيفصل نفسه عنه في الوقت المناسب، رغم كل ما يبديه من انصياع ورضوخ لقرارات المرشد في الوقت الحالي.
المصدر: صحيفة المدن