نشرت مجلة “فوربس” قبل يومين، تقريراً حاولت فيه الإجابة على سؤالي “ماذا تعني الدوريات بالنسبة للقوات الجوية التي تنفذ عملياتها بشكل اعتيادي في المجال الجوي السوري؟”، و “ما الذي تحاول روسيا أن تستعرضه من وراء الدوريات؟”.
وجاء في تقرير فوربس: “في أواخر شهر كانون الثاني، أعلن وزير الدفاع الروسي عن قيام طائرات حربية روسية وسورية بدوريات مشتركة على حدود مرتفعات الجولان ونهر الفرات، حيث ورد في ذلك البيان: “شمل مسار المهمة مرتفعات الجولان على الحدود الجنوبية لسوريا، ونهر الفرات وشمالي سوريا… وقد أقلع الطيارون الروس من قاعدة حميميم الجوية، في حين أقلع السوريون من قاعدتي الصيقال والضمير بالقرب من دمشق”.
وكشف هذا البيان أيضاً عن قيام طائرات سوخوي 34 الدفاعية، وطائرات سوخوي 35 الحامية لجناح الدورية ، وطائرات أ-50 المخصصة للإنذار والتحكم المبكر بمرافقة طائرات ميغ-23 السورية من طراز فلوغار، وطائرات ميغ-29 المقاتلة من نوع فولكروم، حيث ذكر البيان ما يأتي: “خلال مهمة الدورية، سيطر الطيارون السوريون على المجال الجوي وقدموا غطاء جوياً، في حين تدرب الطيارون الروس على الهجوم على أهداف برية”، وفقاً لما ترجمه موقع “تلفزيون سوريا”.
ولقد قام الطيارون من كلتا الدولتين بتطوير مهارات التعاون في ظروف عديدة، بحسب ما ذكر البيان الذي أضاف: “وأصبح هذا النوع من المهام المشتركة يحدث بصورة دورية الآن”.
ولكن ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للقوات الجوية التي تنفذ عملياتها بشكل اعتيادي في المجال الجوي السوري؟ وما الذي تحاول روسيا أن تستعرضه أو أن تحققه من وراء ذلك؟
إن هذه المهمة التي نفذتها روسيا على خلفية زيادة تعداد جنودها بشكل هائل على الحدود الأوكرانية، يمكن أن تكون طريقة أخرى لاستعراض قدرة جيشها على الوصول إلى أماكن بعيدة. إذ لدى روسيا طائرات لتحفظ وجودها العسكري في سوريا على مدار عقود قادمة، بما أنها حصلت على عقد استأجرت من خلاله قواعد جوية وبحرية من قبل دمشق لما لا يقل عن نصف قرن من الزمان.
وفي غضون فترة لم تتجاوز أسبوعين، وقبل الدورية المشتركة مع سلاح الجو السوري، كرر أحد القادة العسكريين الروس بأن قاذفات الصواريخ Tu-22M3 Backfire الروسية الموجودة في قاعدة حميميم الجوية الروسية الواقعة غربي سوريا بوسعها أن تضرب أي هدف في البحر المتوسط. فقد وصلت تلك الطائرات إلى تلك القاعدة الروسية الموجودة في سوريا للمرة الأولى في 25 أيار وبعد ذلك قامت روسيا بتوسيع المدرج حتى يستوعب هذا العدد من الطائرات.
ترى موسكو أن تعزيزها لوجودها العسكري في سوريا يمكن أن يتحول إلى “شوكة في الخاصرة الجنوبية لحلف شمال الأطلسي”.
وبالرغم من ذلك، ما تزال القوات الجوية الأجنبية تواصل عملياتها في الأجواء السورية لأسباب عديدة، ولا يوجد ما يكفي من سلاح الجو السوري حتى يقوم بمفرده بمنع تلك القوات عن القيام بتلك العمليات، وذلك لأن سلاح الجو السوري مكون من طائرات عفا عليها الزمن ذات هياكل بليت بسبب الاستعمال، إذ يظهر مقطع فيديو انتشر في عام 2020 طائرات ميغ29 التابعة لسلاح الجو السوري، والتي تعدّ أحدث الطائرات لديه، مدى البلى والاستهلاك الواضح على تلك الطائرات بعد استخدامها طوال الحرب التي امتدت لعقد من الزمان.
وبعيداً عن روسيا، هنالك ثلاث قوى جوية كبرى تقوم بعمليات بشكل دوري في الأجواء السورية، وهي إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة، وقد سبق لتلك الدول الثلاثة أن أسقطت طائرات حربية تابعة لسلاح الجو السوري في الماضي، بل إن تركيا أسقطت طائرة سوخوي روسية من نوع فينسر 24 في 24 تشرين الثاني عام 2015، ما أدى إلى نشوب أزمة امتدت لأشهر بين أنقرة وموسكو.
بيد أن مشاركة سلاح الجو السوري في الدوريات المشتركة قد يكون وسيلة اعتمدتها موسكو لتوجيه رسالة مفادها بأنها تسعى لمساعدة دمشق على استعادة السيطرة على كامل سيادتها ضمن مجالها الجوي.
وإليكم ما يمكن أن يعنيه ذلك أو لا يعنيه بالنسبة للقوات الجوية الأجنبية الكبرى التي تنفذ عمليات في الأجواء السورية اليوم:
إسرائيل:
عقب الدورية المشتركة التي جرت في 24 كانون الثاني، أجرت إسرائيل محادثات متكررة مع ضباط في الجيش الروسي، إذ من الواضح أن لديها مخاوفها وقلقها على حدودها بالنسبة لمرتفعات الجولان بما أن تلك المنطقة أصبحت ممراً لتلك الدورية، لا سيما منذ أن أعلنت وزارة الدفاع الروسية بأن تلك الدوريات ستتكرر، إذ بحسب ما ذكره موقع ينيت الإخباري الإسرائيلي، فإن إسرائيل قلقة من احتمال أن تحد تلك الدورية التي تترأسها روسيا من قدرة إسرائيل على تنفيذ غارات جوية في سوريا.
وتوقع ذلك التقرير بأن أحد الأسباب التي دفعت لقيام تلك الدورية هي أن الروس يقدرون بأن “أي انقطاع بسبب الظروف الجوية خلال فترة الشتاء قد تشجع إسرائيل على القيام بهجمة على سوريا، ولذلك فإن روسيا ترى في ذلك فرصة لإحباط أي تحرك من هذا القبيل بصورة استعراضية وواضحة”.
وثمة سبب مماثل من المحتمل أنه دفع روسيا لتسيير دورية على الحدود مع الجولان وهو نقل رسالة لإسرائيل تعبّر فيها روسيا عن انزعاجها من الغارتين الجويتين اللتين شنتهما إسرائيل على ميناء اللاذقية غربي سوريا وذلك في شهر كانون الأول الماضي، ولتحذر إسرائيل حتى لا تقوم بقصف أي منطقة معينة في سوريا. فإسرائيل التي نفذت حملة جوية ضد مواقع مرتبطة بإيران في سوريا طوال عقد من الزمان، تجنبت في أغلب الأحيان قصف مدينة اللاذقية، وذلك لوجود روسيا العسكري هناك منذ تدخلها في النزاع السوري عام 2015. وبعيداً عن الغارة التي شنت على تلك المدينة في عام 2018، والتي نجم عنها تصعيد التوتر مع روسيا، نفذت إسرائيل غارات على تلك المدينة التي لديها مرفأ في عامي 2014 و2013 أي قبل التدخل الروسي.
والأهم من كل هذا، هو أن الأدميرال فاديم كوليت نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة مع أطراف المعارضة أعلن في تموز الماضي بأن نظم الدفاع الجوي من طراز بانيستير وبوك إم2 هي من اعترض الصواريخ التي ضربتها إسرائيل في حادثتين منفصلتين خلال ذلك الشهر، فقد تكون تلك هي الطريقة التي اعتمدتها روسيا لتحذير إسرائيل حتى تقوم بحد حملتها الجوية أو لتنقل لها رسالة مفادها بأنها تقوم بتحسين قدرة سوريا على الدفاع عن مجالها الجوي عبر الاستعانة بالأسلحة الروسية.
منذ اللحظة التي تدخلت فيها روسيا في سوريا عام 2015، هرعت إسرائيل لإقامة آلية تواصل مع موسكو لتفادي أي حوادث يمكن أن تقع بين سلاحي الجو التابعين لكلتا الدولتين. وخلال معظم فترات سنين التدخل السبع، غضّتْ روسيا الطرف عن إسرائيل التي واصلت شن المئات من الغارات الجوية في أرجاء مختلفة من سوريا.
وخلال إحدى فترات التوتر، أي في الفترة التي شنت فيها إسرائيل غارة جوية نادرة على اللاذقية في أيلول 2018، تم إطلاق صاروخ سوري من طراز إس-200 على الطائرات المقاتلة الإسرائيلية القادمة، إلا أن هذا الصاروخ أصاب طائرة نقل روسية فقتل 15 جنديا روسيا، وهنا زعمت موسكو بأن الطائرات الإسرائيلية قد استعانت عمداً بتلك الطائرة الروسية لتغطي على ضربتها. ورداً على ذلك، سارعت روسيا لتسليم أحدث صواريخ من طراز إس-300 لسوريا، وذلك لتحسن من الدفاعات الجوية السورية التي أصبحت قديمة وبالية، ولكن منذ ذلك الحين، بقيت صواريخ إس-200 السورية تحت سيطرة العساكر الروس، ولعل ذلك يعود إلى أن موسكو لا تريد لسوريا أن تقوم بإطلاق تلك الصواريخ على الطائرات الحربية الإسرائيلية والمخاطرة بتدميرها بشكل سريع، وهذا يمكن أن يقوض مزاعم روسيا بأن منظومات صواريخها أفضل من منظومات صواريخ الدول الغربية.
يذكر أن إسرائيل شنت غارات على مواقع سورية منذ قيام الدورية المشتركة بين روسيا وسوريا في 24 كانون الثاني، وهذا ما دفع الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا للقول بأن مواصلة إسرائيل: “لشن غاراتها ضد مواقع داخل سوريا يتسبب بقلق شديد” لدى روسيا، كما أن “هذا الاعتداء الصرف على السيادة السورية قد يؤدي إلى تصعيد التوتر، ومثل هذه الأعمال تمثل خطراً حقيقياً على طائرات الركاب الدولية… ولذلك فإننا نطالب مجدداً وبكل إلحاح الجانب الإسرائيلي حتى يمتنع عن استخدام هذا النوع من القوة”.
بقي أن نشاهد ما إذا كانت روسيا تعتزم أن تقوم بشيء آخر بعيداً عن الاستنكار والشجب اللفظي والدوريات الرمزية مع سلاح الجو السوري لتقييد حرية سلاح الجو الإسرائيلي في القيام بغارات ضمن الأجواء السورية أو تلك الظروف التي يمكن لروسيا أن تخاطر بالاشتباك مع إسرائيل في ظلها.
تركيا:
لا يمثل سلاح الجو السوري أي خطر حقيقي على سلاح الجو التركي، ففي بدايات النزاع السوري، أخذت طائرات إف-16 التركية المزودة بصواريخ جو-جو بعيدة المدى من نوع AIM-120 AMRAAM تقوم بدوريات على الحدود السورية، وفي عام 2014 أسقط سلاح الجو التركي طائرة ميغ-23 سورية. إلا أن الأمور قد تغيرت منذ أن تدخلت روسيا في عام 2015 وبدأت بقصف المناطق القريبة من الحدود التركية، كما أخذت روسيا تنتهك الأجواء التركية وهي تقوم بذلك. وبعد ذلك، وتحديداً في 24 تشرين الثاني 2015، أسقطت طائرة إف-16 تركية طائرةً قاذفة قنابل من نوع سوخوي-24 روسية حامت حول المجال الجوي التركي لفترة قصيرة.
فردت روسيا على تلك الحادثة بإغلاق الأجواء السورية أمام تركيا ونشر منظومات صواريخ إس-400 بعيدة المدى في تلك الدولة (وذلك بعدما سبق أن نشرت دفاعات جوية قصيرة إلى متوسطة المدى)، وهكذا تجنبت تركيا على مدار شهور الدخول في المجال الجوي السوري، ولعل مردّ ذلك يعود لخوفها من روسيا التي يمكن أن تقتنص أي فرصة لتنتقم مما جرى في حادثة إسقاط طائرة سوخوي-24 من قبل طائرة إف-16 تركية.
اختفى التوتر بين الدولتين في صيف عام 2016 وذلك بعدما عبّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن أسفه لوقوع تلك الحادثة، ثم أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول رئيس لدولة أجنبية يعبّر عن دعمه لحكومة أردوغان عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 تموز 2016 في تركيا.
وفي الشهر التالي، أطلقت تركيا عملية درع الفرات في شمال غربي سوريا، لتطهير مساحات شاسعة في المنطقة الحدودية من مقاتلي تنظيم داعش، ولم تكن تلك العملية لتتم دون موافقة روسية.
وطوال فترة زادت عن أسبوعين، بين شهري تشرين الأول وتشرين الثاني من عام 2016، ومع قيام القوات التركية والميليشيات الموالية لها بمحاصرة تنظيم داعش في مدينة الباب، لم تقم تركيا بشن أي غارة جوية بعدما هددت سوريا سلاح الجو التركي بالدفاعات الجوية الروسية الموجودة لديها. إلا أن تركيا واصلت غاراتها عقب مشاورات مع روسيا، فلم تفعل سوريا شيئاً حيال ذلك، وهذا ما يؤكد أن روسيا هي من يسيطر بالفعل على المجال الجوي السوري.
في 26 كانون الثاني 2017، أعلنت روسيا عن تنفيذها لغارات مشتركة ضد تنظيم داعش في محافظة حلب بالتعاون مع سلاح الجو التركي، كما هاجمت طائرات سوخوي-24 إم الروسية وطائرات سوخوي35 إس المقاتلين التابعين لتنظيم داعش إلى جانب طائرات إف-16 وإف-4 التركية وذلك خلال المراحل الأخيرة من عملية درع الفرات. وهكذا تبين بأن هاتين الدولتين قد قطعتا شوطاً طويلاً عقب أحداث تشرين الثاني 2015.
وفي كانون الثاني 2018، شنت تركيا ما عرف باسم عملية غصن الزيتون على منطقة عفرين التابعة للكرد في شمال غربي سوريا، فأظهرت تلك العملية اعتماد تركيا من جديد على الضوء الأخضر الروسي حتى تقوم باستخدام المجال الجوي السوري، مع تجاهل الأهداف السورية.
وفي بداية تلك العملية، هددت سوريا بإسقاط الطائرات التركية، حيث زعمت بأن “الدفاعات الجوية قد استعادت قوتها الكاملة”، إلا أن دمشق لم تفعل شيئاً، وهكذا نفذت الطائرات التركية مهمتها دون أي اعتراض فوق عفرين وذلك ضد مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية. وبعد فترة قصيرة من اقتحام الدبابات التركية لمدينة عفرين ونهب المقاتلين السوريين المدعومين تركياً لبيوت المدنيين وأرزاقهم في وضح النهار، أغلقت روسيا المجال الجوي فوق عفرين خلال الفترة الواقعة ما بين 18-24 آذار، مما سمح لمقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية الموجودين في عفرين بالانسحاب إلى منطقة تل رفعت القريبة.
وفي 27 شباط 2020، ضربت غارة جوية رتلاً عسكرياً تركياً في بليون بمحافظة إدلب الواقعة شمال غربي سوريا، فقتل فيها ما لا يقل عن 34 جنديا تركيا، في خسارة هي الأفدح بالنسبة للجنود الأتراك منذ الحملة التي شنتها أنقرة على قبرص في عام 1974. فانتقمت تركيا لنفسها عبر شن عملية درع الربيع التي استخدمت فيها الطائرات المسيرة والحربية لتدمير القوات البرية السورية، كما دمرت العشرات من المركبات المصفحة التابعة لجيش النظام، وأسقطت طائرة سوخوي-24 تابعة لسلاح الجو السوري، وكذلك طائرة إل-39.
لم تفعل روسيا أي شيء للحيلولة دون انتقام تركيا، كما لم تقم تركيا باستهداف القوات الروسية. إلا أن كثيراً من العساكر الأتراك على قناعة تامّة بأن من ارتكب تلك الغارة التي استهدفتهم في بليون هو سلاح الجو الروسي وليس السوري الذي يفتقر للإمكانات التي تساعده على شن تلك الغارات بدقة، كما ليس بوسع سلاح الجو السوري حمل قنابل “خارقة للتحصينات”.
ولو كانت تلك الرواية دقيقة، عندئذ ستكون روسيا قد قتلت 34 جندياً تركياً، وسمحت لتركيا بحفظ ماء وجهها عبر الانتقام من جيش أضعف وأدنى تطوراً ألا وهو جيش النظام وسلاحه الجوي.
تشير تلك الحادثتين إلى أن سلاح الجو الروسي بوسعه أن يقف أو أن يحول دون قيام العمليات التي قام بها سلاح الجو التركي في الأجواء السورية سواء بوجود دوريات عسكرية مع سلاح الجو السوري أو بدونه، إن رغبت روسيا في ذلك.
الولايات المتحدة:
وقعت أولى الغارات الجوية الأميركية ضد تنظيم داعش في سوريا في أيلول 2014، ضمن عملية العزم الصلب التي استهدفت تلك الجماعة، حيث دخلت أولى الطائرات الحربية الأميركية المجال الجوي السوري خلال ذلك الشهر وهي تحمل صواريخ مضادة للإشعاع من طراز AGM-88 HARM وذلك في حال احتاجت إليها لضرب الدفاعات الجوية السورية إن حاولت إسقاط أي من تلك الطائرات، إلا أن الدفاعات الجوية السورية لم تفعل ذلك.
وفي آب 2016، عندما حاولت قاذفات القنابل من نوع سوخوي-24 التابعة لسلاح الجو السوري قصف مدينة الحسكة الواقعة شمال شرقي سوريا، وقف سلاح الجو الأميركي ضدها ومنعها بشدة وذلك بواسطة طائرات الشبح المقاتلة الأميركية من نوع رابتور إف-22.
وبعد استهداف طائرة سوخوي-22 من نوع فيتر لقوات كردية متحالفة من الولايات المتحدة في مدينة الطبقة في حزيران 2017، ثم إسقاط طائرة هورنيت إف-أ-18 التابعة لسلاح البحرية الأميركية.
كان بوسع المقاتلات الأميركية منع أو هزيمة خصمها، أي سلاح الجو السوري، إن لزم الأمر، إلا أن الأمر لم يكن كذلك مع روسيا التي تحدّت الوجود الجوي الأميركي في الأجواء السورية ما أدى إلى وقوع حوادث خطيرة في منطقة وادي الفرات الأوسط.
وبالرغم من فتح قناة للتواصل لخفض تصعيد حملاتها المنفصلة في سوريا، ظهرت العديد من المواجهات الخطيرة والقريبة بين الطائرات الحربية الأميركية والروسية والتي أثارت مخاوف تجاه وقوع حالات تصادم في الأجواء وذلك ابتداء من عام 2016. ففي خريف ذلك العام، اقتربت طائرة فلانكار روسية من نوع سوخوي-35 من طائرة رادار أميركية سبقتها دون أن يفصل بينهما سوى مسافة بضعة أقدام وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة وول ستريت جورنال، حيث حلّقت تلك الطائرة الروسية باتجاه الشمال والشرق مقتربة من مقدمة الطائرة الأميركية، الأمر الذي تسبَّب بظهور تيار هواء عنيف في مسار الطائرة الأميركية، ما أدى إلى التشويش على أجهزتها الإلكترونية الحساسة”.
وبعد إسقاط الطائرة سوخوي-22 في حزيران، حذرت روسيا الولايات المتحدة من إمكانية استهداف أي من طائراتها في حال تحليقها غربي نهر الفرات، فاتفق الطرفان على خط لخفض التصعيد.
يذكر أن الطائرات الحربية الروسية نفذت العديد من المناورات الخطرة في مناطق قريبة من الطيران الحربي الأميركي خلال الأشهر التي أعقبت ذلك الاتفاق.
وفي شهر تشرين الثاني من العام نفسه، أوشكت طائرتان مهاجمتان أميركيتان من نوع وورثوغ أ-19 على الاصطدام بطائرة سوخوي-24 روسية عندما أصبحت على علو 300 قدم من تلك الطائرتين على الجانب الأميركي من النهر. وخلال اليومين التاليين لتلك الواقعة، حلقت طائرة سوخوي-30 فلانكار روسية “على ارتفاع ألف قدم مباشرة تحت طائرة أ-10 أميركية”، وبعد مرور بضعة أيام على ذلك “اعترضت طائرات إف-22 أميركية لطائرة فينسر سوخوي-24 روسية مسلحة قطعت المجال الجوي شرقي نهر الفرات، كما سمحت بمرور ثلاث طائرات مباشرة فوق القوات البرية للتحالف لمدة 20 دقيقة”.
وفي الشهر الذي أعقب تلك الحادثة، اعترضت طائرة إف-22 أميركية طائرات فروغفوت الهجومية الروسية من طراز سوخوي-25 عندما كانت تحلق فوق الخط الفاصل عند نهر الفرات، وأطلقت قذائف تحذيرية في مواجهة جوية امتدت “لبضع دقائق”.
هذا ولقد حلقت إحدى طائرات سوخوي-25 على مقربة من طائرة ف-22 الأميركية لدرجة أن الأخيرة ناورت بطريقة عدائية لتتجنب وقوع حالة تصادم في الأجواء بحسب ما أعلن عنه الناطق الرسمي باسم القيادة الوسطى الأميركية لسلاح الجو في ذلك الحين، وخلال تلك الحادثة نفسها “حلقت طائرة سوخوي-35 روسية قاطعة النهر لكنها أسقطت بعدما قطعت مسافة قريبة على يد طائرة ف-22 أميركية”.
وتعدّ سلسلة الحوادث تلك “المرة الأولى التي يحلق فيها طيارون وروس على مقربة من بعضهم بعضاً في حالة قتال منذ حرب 1973 بين العرب وإسرائيل في سيناء”.
بيد أن تلك الحوادث أصبحت نادرة الوقوع منذ ذلك الحين، لكنها يمكن أن تتكرر خاصة في حال تدهور العلاقات الأميركية-الروسية بسبب أوكرانيا وفي حال حاولت موسكو أن تقف في وجه القوات الأميركية في سوريا.
لا شك أن تلك الحوادث التي وقعت في الماضي تظهر بأن الولايات المتحدة لن تتوانى عن إسقاط أي طائرة تابعة لسلاح الجو السوري في حال تهديدها لقواتها أو لقوات التحالف في شمال شرقي سوريا، ولكن الأمر ذاته لا ينطبق على طائرات سلاح الجو السوري التي تحلق في مهام مشتركة مع الطائرات الروسية، والتي تعدّ جزءاً من المحاولة الروسية لمساعدة سوريا على استعادة سيطرتها بالتدريج على المجال الجوي في المنطقة الشرقية بكاملها.
إذ في تلك الحالة، قد تفكّر الولايات المتحدة مرتين في تفادي وقوع أي خطر اشتباك جسيم مع روسيا، بما أن روسيا قد تدفع نحو تصعيد كبير قد لا ترغب الولايات المتحدة بوقوعه.
بيد أن العناد الروسي تجاه أوكرانيا يزيد من خطر وقوع حرب في أوروبا الشرقية، كما أن موسكو على استعداد للمخاطرة بالتصعيد بصورة أكبر في سماء سوريا.