“لا تخافي.. اليوم رح أعملها للمرّة الثانية، مافي شي بخوف، بعد الإبرة ما بتحسي بشي، كم ساعة وجع بتتحمليهن وخلص”، كلمات وردت إلى مسامع “ولاء” وهي تتصفح المواقع الطبية بحثاً عن مخاطر عملية الإجهاض في غرفة الانتظار لعيادة طبيبة النسائية.
لم تعد معدلات عمليات الإجهاض في دمشق، كما كانت عليه في فترة ما قبل الحرب، فعلى الرغم من تحريمه في عدة ديانات سماوية، واعتباره جريمة يُعاقب عليها القانون في سوريا، إلا أنها حاضرة في عيادات أطباء النسائية بشكل مستمر وبطريقة غير رسمية منذ زمن، لكنها ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات السبع الماضية.
أطباء أم مجرمون؟
“مستندات إلى الأسباب المعيشية والاجتماعية، تدخل عشرات النسوة إلى عيادتي يومياً، لطلب المساعدة على الإجهاض”، توضح الطبيبة “منى”.
طبيبة النسائية التي اختارت لنفسها اسم “منى” تملك عيادة خاصة في العاصمة دمشق، تروي لـ “صوت العاصمة” وضع العيادات الخاصة خلال السنوات القليلة الماضية، وارتفاع نسبة عمليات الإجهاض بطريقة غير شرعية.
تقول منى: “حالتان أو ثلاث حالات لسيدات يدخلن يومياً إلى عيادتي، ويحاولن بشكل كبير إقناعي لإجراء عمليات الإجهاض لهن، عبر استعطافي برواية أوضاعهن تارةً، وإغرائي بالمبالغ المالية الكبيرة تارةً أخرى”.
وتضيف الطبيبة: “لم أجرِ تلك العمليات إلا بعد التأكد من الأوضاع الصحية للمراجعات، إضافة لتحقيق كافة الإجراءات القانونية لهن، لكن هذا الامتناع لا يحدّ من نسبة العمليات، فإن امتنع طبيب عن إجرائها، تجد عشرات الأطباء المستعدون لذلك”.
وتختم منى حديثها لـ “صوت العاصمة”: “لا عائق أمام الأطباء لإجراء تلك العمليات، ولا رقابة على عملهم، في الوقت الذي يتباهى العشرات منهم في سهراتهم الخاصة بإجراءات عمليات الإجهاض والمبالغ المدفوعة على كل منها”، واصفة: “إنهم مجرمون لا أطباء”.
الواقع المعيشي أبرز الأسباب:
أخصائي اجتماعي في دمشق يُدعى “نادر” أوضح لـ “صوت العاصمة” أن معظم السيدات اللاتي تتوجهن لإجراء عمليات الإجهاض، تكون دوافعهن اقتصادية بحتة، وبالاتفاق مع أزواجهن، لكن هذا لا يلغي وجود الحالات ذات الأسباب الأخرى”.
وأرجع نادر أسباب أكثر المقدمات على إجراء عمليات الإجهاض، لوجود ثلاثة أطفال أو أربعة لدى كل عائلة، وعجزها عن تحمل أعباء إنجاب وتربية الطفل الخامس، تُضاف إلى الأسباب المتمثلة بالنزوح وتردي الأوضاع المعيشية في سوريا.
وأشار الأخصائي الاجتماعي إلى أن نسبة حالات الإجهاض في دمشق، ذات الحمل الناتج عن العلاقات غير الشرعية تجاوزت نسبة الـ 20% من إجمالي حالات الإجهاض.
العلاقات غير الشرعية سبب آخر:
“لم يكن أمامنا خيار آخر، الظروف المادية لم تُساعدنا على الارتباط بشكل رسمي، وعلاقتنا تطورت شيئاً فشيء، حتى حدث هذا الحمل، ولا سبيل لنا سوى التخلص من الجنين”، تقول زينة لـ “صوت العاصمة”.
زينة شابة عشرينية قاطنة في دمشق، قصدت إحدى العيادات النسائية في منطقة “الجسر الأبيض” في العاصمة لإجراء عملية الإجهاض، بعد اتفاق عُقد بينها وبين الطبيبة في زيارة حدّدت فيها موعد العملية.
وأوضحت زينة: “كان الخيار بالبداية صعب جداً، ولم أكن أتخيل كيف سأدخل عيادة الطبيبة النسائية لهذا الغرض، لكن بعد وصولي غرفة الانتظار ورؤية عدد المنتظرات فيها، شعرت أنه ليس بالصعوبة التي كنت أعتقد، ربما لأني لم أكن الوحيدة”.
وتُضيف زينة: “رأيت 6 نساء فور وصولي العيادة، جميعهن في غرفة الانتظار، في حين كانت السابعة داخل غرفة الطبيبة، وبدأ العدد بالازدياد خلال ساعتي الانتظار، فما أن تخرج مراجعة لتدخل أخرى على الفور.
وبحسب زينة فإن لكل من المراجعات أسبابها لإجراء عملية الإجهاض، مشيرةً إلى أنها تحدثت مع سيدة لديها أربعة أطفال، واختارت التخلص من الخامس بسبب إمكانات زوجها المادية المتردية.
علاقات شرعية غير رسمية:
لم تكن ولاء من صاحبات تجارب الولادة سابقاً اللاتي منعتهن الأوضاع المعيشية من الإنجاب مجدداً، ولم يكن حملها ناجم عن علاقة غير شرعية، فإلى جانب شعورها بارتكاب جريمة كاملة، كانت تبحث عن سبب لارتكابها سوى “المجتمع”.
ولاء التي عُقد قرانها بطريقة شرعية “كتاب شرعي”، لكنها لم تُقيم مراسم الزواج التقليدية بعد، ولا تزال علاقتها بزوجها وفقاً للعرف بمثابة “الخطبة”، اختارت التخلص من جنينها بعد الاتفاق مع زوجها، لتفادي نظرة محيطهما لهذا الحمل، والهرب من “الفضيحة”، بحسب وصفها.
تقول ولاء إنها عثرت على طبيبة قبلت مساعدتها للتخلص من الجنين، مرجعةً أسبابها لعدم إقامة مراسم الزواج رسمياً، رغم عملها برفقة زوجها في شركة خاصة، إلا أن الظروف لم تمكنهما من توفير مصاريف إيجار المنزل وفرشه وغيره من تكاليف الزواج الرسمي.
“أعطتني الطبيبة عدة أدوية التزمت بتناولها لحين دخول مرحلة تُسمى “مرحلة الخطورة على الجنين”، وخضعت فيها لعملية الإجهاض وفقاً للاتفاق مع الطبيبة، لتُخلي مسؤوليتها القانونية من إجراء تلك العملية”، تختم ولاء.
جريمة “يُساعد” عليها القانون!
الإجهاض وفقاً للقانون السوري، جريمة تُعاقب عليها الأم وكل من ساعدها، بدءاً بمن أجرى عملية الإجهاض، وانتهاء بالمسبب، وبموجب العديد من المواد القانونية، فإن العقوبة تتراوح بين 6 أشهر إلى 3 سنوات في الحالات الناجحة، في حين يُجرم الطبيب بالسجن لمدة تتراوح من 5 إلى 7 سنوات حال وفاة الأم تحت العملية.
ويُضاف إلى عقوبة السجن، إيقاف الأطباء عن العمل، حال ثبوت تورطهم بإجراء تلك العمليات، إلى جانب تجميد شهاداتهم في نقابة الأطباء، لكن جميعها قوانين وعقوبات مخطوطة ورقياً فقط، أما الواقع فهو مغاير تماماً، فلا قانون يُطبّق هنا في ظل الفوضى السائدة، يقول أحد موظفي هيئة الطب الشرعي في دمشق.
ويضيف الموظف: “جميع الأطباء يلتفون على القانون في إجراء هذه العمليات، عبر منح المراجعات أدوية بطريقة غير شرعية، يتم شراؤها من صيادلة متعاونين مع الأطباء، لتعود المراجعة إلى عيادة الطبيب بحالة إسعافية، ويتم إجراء العملية بموجب تقرير طبي رسمي، يُخلي مسؤولية الطبيب.
ويتابع الموظف: “تلجأ عشرات الحالات إلى تطبيق شروط “الإجهاض الجنائي”، وهو الشرط المُتاح للإجهاض بطريقة قانونية وفقاً للقانون السوري، وتتمثل شروطه بالمشاجرات بين الزوجين، أو بين الضرتين، أو أحد أفراد العائلة”.
وبحسب الموظف فإن هيئة الطب الشرعي تعلم يقيناً أن معظم ادعاءات المشاجرات في تلك الحالات كاذبة، وهي غاية للحصول على تقرير طبي يصرح للسيدات بالإجهاض قانونياً، نتيجة للحالة الجنائية.
أعداد وإحصائيات:
لم تصدر حتى اليوم أي إحصائية رسمية لأعداد حالات الإجهاض في سوريا، سواء بطريقة قانونية، أو إحصائية تقريبية للحالات غير القانونية، لكنها تفوق الـ 100 حالة شهرياً في كلا الطريقتين وفقاً لمنظمات محلية وشهادات الأطباء.
عالمياً، أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريراً قالت فيه إن أعداد حالات الإجهاض في العالم تتجاوز الـ 15 مليون حالة سنوياً وفقاً لإحصاءاتها، مشيرةً إلى أن معظمها لا تصل المحاكم المختصة.
إعداد: ألكسندر حدّاد
تحرير: أحمد عبيد