“رغم الضرب والتعذيب والشتائم التي نتلقاها أثناء التحقيق، إلا أنها تبقى أكثر رحمة من الجلوس بوضعية القرفصاء لمدة 215 يوماً، في زنزانة لا يزيد طولها عن 8 أمتار، وعرض 4 أمتار فقط، برفقة 115 معتقل” بهذه الكلمات بدأ ذاك المعتقل الخمسيني المفرج عنه مؤخراً، حديثه عن تفاصيل اعتقاله في فرع فلسطين التابع للأمن العسكري بدمشق.
ثلاث حبات زيتون وربع رغيف من الخبز، هي الشيء الوحيد الذي يمكِّن أبو تميم (مستعار) ورفاقه من معرفة التوقيت في تلك الغرفة المظلمة، لتطول حياتهم يوم آخر أثناء توزيعها على المعتقلين تمام الساعة السادسة والنصف صباح كل يوم، ويبقى الهاجس الأكبر لدى الجميع: “هل سنرى الزيتون من جديد، أم أنها الوجبة الأخيرة”.
آلام لا تفارق المعتقلين:
أشبه بالعجائز، خرج أبو تميم الذي يتلقى جلسات العلاج الفيزيائي لمعالجة تكلس المفاصل، وعودة الحركة لقدميه اللتين يعجز عن السير عليهما أكثر من 500 متر يومياً.
يقول أبو تميم: “بقيت أكثر من سبعة شهور جالس على البلاطة الواحدة المخصصة لكل معتقل في ذلك السجن، حيث مكثنا على شكل صفوف خلف بعضها البعض، لا يمكن لأحد منا تمديد قدميه سوى لحظات كل أربع ساعات أو خمسة، وفي معظم الأحيان لا يُسمح لك بذلك نهائياً طيلة ساعات اليوم”.
ويتابع أبو تميم: “مرة واحدة أسبوعياً لمدة نصف دقيقة، وبشكل جماعي في الزنزانة ذاتها، يُسمح للمعتقلين بالاستحمام بماء بارد موضوع في وعاء بلاستيكي”، مضيفاً: “بالتأكيد.. الصابون مُخصص للرأس فقط”.
وبحسب أبو تميم فإن مساعد ممرض يُجري جولة على الزنازين صباح كل أربعاء، وبعد سؤاله عن معاناة المعتقلين من الأمراض، يُقدم حبة واحدة من دواء “باراسيتامول” لكل 10 معتقلين، مهما كانت معاناتهم.
الشاويش معاناة أخرى:
ليست الآلام وحدها ما تمنعك من الراحة والنوم في تلك المعتقلات، فالقرار فيها مُتعلق بمزاج الشاويش وأتباعه.
“الشاويش هو مسجون مُقرب من مساعدي وضباط الاستخبارات في الأفرع الأمنية، يتم تعيينه من قبلهم في كل زنزانة من زنازين السجن، وظيفته منعك من الكلام والنوم والراحة، إضافة لتعليمات وقواعد يفرضها على المعتقلين، في حين تتولى عيونه “أتباعه” في الزنزانة مهمة مراقبة المخالفين” يقول أبو تميم.
ويتابع: “لا أحد هناك قادر على مخالفة الأوامر والتعليمات، فبطش الشاويش لا حدود له في الزنازين، وخاصة في ظل تمتعه بصلاحيات الضرب والجلد والتعذيب، ومن منا قادر على مواجهة “كرباج” السليكون؟!”.
أحد عشر شاباً، حصيلة القتلى الذين قضوا في الزنزانة ذاتها خلال فترة اعتقال أبو تميم في فرع فلسطين، إلى جانب 16 شاباً فقدوا عقلهم خلال الفترة ذاتها، والتي لم تتجاوز السبعة أشهر، في حين يكون الإعدام مصير من لا يستعيد وعيه بعد أيام قليلة.
مصادرة للممتلكات الشخصية:
تحت مسمى الغنائم، يجمع ضباط الأمانات قرابة مليون ليرة سورية يومياً، عبر مصادرة نقود المعتقلين وهواتفهم وغيرها من المقتنيات الموجودة معهم لحظة اعتقالهم، ولا يمكن لأحد استعادة شيء سوى بطاقته الشخصية وأوراقه الرسمية.
لا ينسى أبو تميم التهديدات التي تلقاها لحظة تقاسم أغراضه الشخصية بين مساعدي رئيس السجن ومساعدي المهمات والقلم والنقل، والتي شددوا خلالها على عدم الحديث عما شهده المعتقل في ذلك الفرع، أو محاولة الاتصال بذوي أحد المعتقلين الذين ما زالوا قابعين لديهم لطمأنتهم عن أبنائهم.
وختم أبو تميم: “التحذيرات تُتلى على المُفرج عنهم كما لو كان قانون الحقوق المدنية الذي يُتلى على قاطني الدول المتقدمة، لكن ما تشهده في معتقلات النظام، عليك كتمانه كما لو كان أبرز أسرار الدولة، وإلا… فنجان القهوة بانتظارك”.
المصدر: صوت العاصمة
الكاتب: أحمد عبيد