صوت العاصمة – خاص
لم يتوقع سكان دمشق يوماً أن يضطروا لاستبدال المشاريب الرمضانية الشهيرة متل العرقسوس والتمر الهندي بمساحيق الشراب متعددة النكهات، إلا أن سنوات الحرب الطويلة كان لها أثرها حتى على هذا الشهر الكريم.
“سعر كيس العرقسوس والتمر هندي وصل إلى 500 ليرة سورية (حوالي دولار أمريكي)، فلا قدرة لي على شراء كيسين أو ثلاثة كل يوم، وهو معدل استهلاكنا اليومي في رمضان”، يقول أحد السكان وهو يتسوق حاجيات عائلته من سوق شعبي وسط المدينة.
ورغم أن شكوى معظم السوريين من ارتفاع الأسعار بعد انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية ليست بالجديدة، إلا أن الفقر في رمضان له طعم آخر، حيث ترى كثير من العائلات، وخاصة النازحة، بأنه يمنع استحضار الأجواء المميزة لشهر اعتاد فيه السوريون إعداد موائد متنوعة خلال فترتي الإفطار والسحور.
وفي جولة لمراسلي “صوت العاصمة” في أرجاء دمشق، لم يكن من الصعب تمييز أجواء التسوق الرمضانية رغم الأحوال الاقتصادية المتردية، حيث تزدحم الأسواق الشعبية مثل الحميدية وباب سريجة والشيخ محي الدين بالزبائن خاصة بعد الظهيرة وبعد الإفطار، رغم ندرة البسطات والتي تعد ملاذ الفقراء للتسوق، وذلك تطبيقاً لقرار صدر أواخر الشهر الفائت عن محافظة دمشق لإزالتها ومنعها بشكل نهائي في رمضان.
وتزداد الحركة في الأسواق يوماً بعد آخر وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، خاصة مع تحسن الوضع الأمني داخل المدينة إثر بسط النظام السوري سيطرته على أحياء القابون وبرزة وتشرين منتصف الشهر الفائت، وغياب أصوات الطيران الحربي والقصف، ما أرخى بشعور من الارتياح لدى معظم سكان المدينة، وهو شعور انعكس حتى على الإقبال على صلاتي الفجر والتراويح، والتي ازداد مرتاديها هذا العام مقارنة بالعام الفائت، وذلك بحسب مراسلي الشبكة.
وفي الأحياء الراقية مثل كفرسوسة والمالكي، ترتاد طبقة الأغنياء وميسوري الحال مراكز التسوق، والتي ترتفع الأسعار فيها بشكل يفوق قدرة معظم الدمشقيين، خاصة مع عرضها بضائع مستوردة من خارج البلاد، لكنها تستمر في جذب من لا زالوا محافظين على وضعهم المادي الجيد، أو من ازداد غناهم في السنوات الأخيرة، وهم كثر.
مهرجان للتسوق
أما حي المزة غرب العاصمة، فبات يشهد ازدحاماً غير مسبوق في الساعات التي تلي الإفطار، حيث يقام مهرجان للتسوق تحت عنوان “صنع في سوريا”، وذلك بدعم من غرفة صناعة دمشق وريفها ومشاركة عدد من التجار والصناعيين السوريين.
ويقدم المهرجان المستمر حتى أواخر أيام رمضان عروضاً شرائية تغري مئات العائلات بالقدوم رغم أن التوفير في بعضها لا يتجاوز خمسين ليرة، إلا أن كثيرين يأملون في أن هذه العروض قد تتيح لهم شراء كميات أكبر من حاجياتهم خلال هذا الشهر.
ولعل الحدث الأبرز في هذا المهرجان كان زيارة رأس النظام السوري بشار الأسد بعد أيام من الافتتاح، حيث تجول فيه وتحدث مع الباعة والتقط “الزائرون” صوراً عفوية معه ملأت صفحات التواصل الاجتماعي.
ورأت إحدى الزائرات بأن انتشار خبر زيارة الأسد للمهرجان كانت بمثابة دعاية غير مسبوقة، حيث شهدت الأيام التالية قدوم آلاف المتسوقين، “لزيارة المكان الذي كان فيه الرئيس منذ أيام”، بحسب تعبيرها.
إفطار المطاعم لعائلة يكلف أجرة شهر كامل
أما المطاعم في دمشق فلها حكاية أخرى، ورغم ارتفاع تكلفة ارتيادها إلا أنها تكاد لا تخلو من الزبائن منذ موعد الإفطار وحتى السحور.
ولا تقل تكلفة تناول وجبة الإفطار في معظم المطاعم -حتى العادية منها- عن أربعة آلاف ليرة سورية (حوالي ثمانية دولارات)، مما يعني بأن عائلة مؤلفة من خمسة أفراد لن تدفع أقل من عشرين ألف ليرة سورية إن رغبت بتناول إفطارها خارج المنزل.
كما تستغل المطاعم زوار ما بعد الإفطار لتفرض عليهم دفع مبالغ مرتفعة لقاء بعض الأطعمة الخفيفة التي تطلق عليها اسم “تسالي رمضان” والتي تصل كلفتها إلى 1500 ليرة للشخص الواحد، الأمر الذي أثار استياء كثيرين من روادها.
وفي سياق متصل، لم يخلُ هذا الشهر من مبادرات شبابية تطوعية انتشرت في أرجاء دمشق وتهدف إلى توزيع وجبات طعام على العائلات الأشد فقراً خلال فترتي الإفطار والسحور، ومنها مبادرات فريق “كنا وسنبقى” و”ساعد” و”قدرات”.
سوريا بخير
ولعلّ ما يميز رمضان هذا العام هو الجهود الإعلامية الضخمة التي يبذلها النظام السوري وكافة مؤسساته للترويج لعودة الأمان لمحيط العاصمة، كأحد أهم إنجازات الجيش السوري والميليشيات المقاتلة إلى جانبه.
فمن تجول الرئيس السوري في حي المزة، إلى مأدبة إفطار أقامها في أحد مطاعم حي أبو رمانة لأبناء الشهداء، إلى مقالات وبرامج إذاعية وتلفزيونية تتحدث يومياً عن أجواء رمضان الطبيعية والآمنة، تسعى آلة النظام الإعلامية للتسويق لإنجازات النظام في دحر المسلحين، متناسية كعادتها ملايين السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر، بعد أن هجرتهم آلة النظام الحربية ودمرت منازلهم وممتلكاتهم.