صوت العاصمة- خاص
منذ بداية الألفية الجديدة، ظهرت مساعي النظام السوري لتحسين جودة الحديد المصنع محلياً، واختيار أنوع جديدة للاستيراد أكثر تناسباً مع السوق السورية، إلا أنه استمر في التغاضي تجار الحديد المهرب لضمان استمرارية المنافسة في الأسواق.
وشهدت أسواق الحديد في سوريا ارتفاعاً جنونياً مع بداية الثورة السورية عام 2011، وضاعف سعره عشر مرات، ليبلغ سعره 450 ألف ليرة سورية للطن الواحد عام 2019 الجاري، بعد أن كان لا يتجاوز 45 ألف ليرة سورية عام 2011.
قائد ميليشيا مغاوير الصحراء المقرب من عائلة الأسد “أيمن الجابر” صاحب أكبر معمل حديد في البلاد، والضابط السابق في سرايا الصراع “وهيب مرعي” أحد أذرع رفعت الأسد، اشتهرا باحتكار استيراد الحديد وانفردا في تسعيره طيلة فترة حكم الأسد الأب، إلا أن الإجراءات الأخيرة لحكومة النظام خلقت بداية مرحلة جديدة في الأسواق، شهدت المعابر الحدودية خلالها نشاطاً كبيراً في إدخال الحديد المهرب.
إقصاء “أيمن الجابر” وتغييبه عن المشهد الاقتصادي العام الفائت، ووفاة “وهيب مرعي” قبل ثلاث سنوات، تبدو من أبرز العوامل التي أثرت في أسواق الحديد المهرب، إلى جانب بسط قوات النظام سيطرتها على العديد من المناطق في مختلف أنحاء سوريا.
وجاء انتهاز التجار الصغار لانتهاء حقبة التحكم باستيراد وتسعير الحديد، وعملهم على إغراق الأسواق بالحديد المهرب بعد احتمالية قرب البدء بمرحلة إعادة الأعمار، أحد أبرز المؤثرات السلبية على حركة الأسواق، ما أدى لارتفاع تكلفة طن الحديد في المعامل الحكومية إلى 300 ألف ليرة سورية.
وشكل إنشاء رجل الأعمال السوري “سامر الفوز” لمعمل الحديد والصلب في منطقة حسيا، بارقة أمل لدى بعض التجار الصغار الذين آمنوا بقدرة الفوز على ضبط الأسواق، إلا أن ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل الليرة السورية، والحديث المتزايد عن قرب إعادة الأعمار، أدى إلى ارتفاع سعر الحديد ليصل الطن الواحد إلى 400ألف ليرة في معامل فوز وحمشو، ما فرض جموداً كبيراً في الأسواق، أجبر خلالها تجار الحديد والمهربين على تخفيض أسعارهم، وتخفيف عمولات النقل، وإغراق الأسواق بالحديد مجدداً، حتى وصل سعر طن الحديد إلى 350 ألف ليرة سورية، ما سبب خسائر فادحة لسامر فوز ومحمد حمشو.
وطالب رجلا الأعمال “فوز وحمشو” حكومة النظام بدفع تعويضات لهما عن الخسائر التي سببها عدم ضبط الحدود من قبلها، وقبول الرشوة من المهربين، بالتزامن مع تهديد “فوز” بإغلاق معمله للصلب والحديد، في حال لم تقم الحكومة بإجراءات صارمة لضبط الأسواق، وإيقاف الفلتان الذي سبب فوارق كبيرة بين الحديد المحلي والمهرب وصلت إلى 50 ألف ليرة سورية للطن الواحد.
وأثارت وسائل الإعلام الموالية الجدل بطرح عدة أسئلة عن المستفيدين من الفروقات، والجهات التي تقوم بتهريب الحديد، دون تقديم اتهام واضح أو ذكر اسماء صريحة تشير إلى الشخصيات المستهدفة في المقالات، ولا سيما تقارير “صحيفة الوطن” المملوكة لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف الذي اكتفى بمراقبة أوضاع الأسواق عن بعد.
ويعود السبب في انخفاض سعر الحديد المهرب، إلى أن طبقة المهربين الجدد ليسوا من المتنفذين وهدفهم تحصيل الأموال ليس إلا، ويفضلون البقاء بعيداً عن معادلة محسوبيات الاستيراد، ما ينذر بانقلاب في روتين الإدخال، في الحرب الجديدة الدائرة بين الكبار أمثال فوز ومخلوف والحكومة السورية.
ويقر مطلعون على الوضع الاقتصادي، بأن الفروقات التي تشهدها الأسواق في دمشق ليست سوى جولات من حروب الكبار، تتضمن الإتاوات المدفوعة للمعابر والوسطاء الحكوميين، وضغط المتنفذين على الحكومة لتخفيف استيراد بعض المواد والإبقاء على تغلغل المال الخاص داخل المؤسسات الحكومية.
ويعتبر مشهد تهريب الحديد مشهد مألوف للأسواق السورية منذ الثمانينيات، إلا أن المرحلة الحالية شهدت انخفاض أسعار المهرب أمام المحلي، بعكس حقبة الثمانينيات التي كان ثمن طن الحديد فيها يعادل 7 أضعاف ثمن المحلي أو المستورد.