نفذت “المخابرات الجوية” خلال الأيام الماضية، حملة اعتقالات في بلدة عقربا في ريف دمشق الجنوبي، أسفرت عن اعتقال 10 أشخاص، على رأسهم رئيس “المجلس المحلي” السابق محمد غبّور، وعناصر سابقون في “جيش الإسلام”، على خلفية نشاطهم الثوري والعسكري قبل اتفاق “المصالحة” في أيار/مايو 2018.
وكان هؤلاء قد عادوا من بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم جنوبي دمشق والخاضعة لسيطرة “فرع الدوريات” التابع لـ”شعبة الأمن العسكري”، إلى بلدتهم عقربا، بعد حصولهم على موافقة “المخابرات الجوية” التي تسيطر عليها. وكان أولئك قد قدّموا طلبات للانتقال إلى عقربا، بعد “المصالحة” بشهر. وجاء ردّ “الجوية” الإيجابي على ما يبدو، في إطار استدراجهم إلى منطقة نفوذها لاعتقالهم، على الرّغم من إجرائهم “تسوية وضع”.
وتُحكِمُ “الجوية” والمليشيات الشيعية السيطرة على بلدة عقربا، ذات الأهمية الخاصة في معادلة الجنوب الدمشقي، بسبب موقعها الاستراتيجي المشرف على طريق مطار دمشق الدولي، وقربها من مدينة السيدة زينب، عاصمة المليشيات الشيعية السورية والأجنبية.
ويقطن في عقربا حالياً قرابة 6 آلاف نسمة، من أصل 20 ألفاً قبل الثورة السورية. وقسم من القاطنين الحاليين هم من عائلات مقاتلي المخابرات والمليشيات، بالإضافة لعائلات من البلدة عادت إليها بعد سيطرة النظام عليها عام 2012. كما عاد البعض أيضاً بعد اتفاق جنوبي دمشق 2018، من مناطق النزوح واللجوء، خاصة من التل وقدسيا. وفي الآونة الأخيرة سجّلت عودة 150 عائلة كانت تقطن بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم.
وتزامنت الاعتقالات مع فتح الطريق الواصل بين بلدتي بيت سحم وعقربا المتجاورتين، ونصب حاجز تابع لـ”المخابرات الجوية” يوم وقفة عيد الفطر. الطريق كان قد أغلق عقب سيطرة النظام على عقربا نهاية العام 2012، وتحوّل الأوتوستراد إلى منطقة اشتباكات ومعارك وخط جبهة أغلق بسواتر رملية عالية، منعاً لاستهداف قناصة النظام أهالي بلدة بيت سحم.
الحملة الحالية سبقتها اعتقالات متفرّقة لشخصيات مهمة بينها زياد ومحمد حمودة، رغم اضطلاعهما بدور أساسي في “لجنة المصالحة”. إذ تسلّم زياد، ملف بلدة عقربا كاملاً، وصار في الآونة الأخيرة قبل تهجير أيار/مايو 2018، اليد اليمنى لعرّاب “المصالحة” في ببيلا الشيخ أنس الطويل. لكن ذلك لم يشفع له باعتباره كان مقاتلاً سابقاً في “كتيبة شهداء عقربا” من الجيش الحر، وظهر في التسجيل المصوّر لتشكيل الكتيبة. أما محمد، فقد سُحب إلى الخدمة العسكرية في ريف ديرالزور.
وفي الربع الأخير من العام 2018، داهمت قوة أمنية من “فرع الدوريات” منطقة “معمل العربي” التي كانت فيها مقرات “جيش الإسلام”، واعتقلت القياديين السابقين في الجيش ابراهيم غزال، وأحمد الشيني، بالإضافة للمدني أبو صافي كسرواني.
وتدل هذه العمليات الأمنية على وجود فصل حقيقي في ملفّات المطلوبين أمنياً لكل فرع على حدى. “تسوية الوضع” لدى “الأمن العسكري” لا تُسقط بالضرورة ملف المطلوب لدى “الجوية”. وبالتالي فإن حركة “المصالِحين” تبقى مقيّدة ومحدودة، ورهن توزّع الحواجز التابعة للجهاز الأمني الذي اصدر ورقة “التسوية”. وهذا بطبيعة الحال، يعني استمرار احتمال الاعتقال، بسبب استقلالية الأجهزة الأمنية نسبياً، وتحوّلها إلى مليشيات متنازعة في أحيان كثيرة، إلّا في حال إجراء “تسوية” لدى كل فروع الأمن.
وتعتمد أجهزة الأمن على المخبرين، من المنشقين سابقاً عن الجيش الحر، كما في حالة فهد بلطة الذي هرب من جنوبي دمشق إلى عقربا في العام 2013، بعد محاولة إلقاء القبض عليه بتهمة الانتماء لخلية عميلة للنظام. بلطة، تحوّل إلى رأس حربة “الجوية” في عقربا، وبات مرجعاً لها بخصوص أبناء البلدة من الناشطين السلميين والمقاتلين في صفوف فصائل المعارضة. ويبدو أن لبلطة دوراً محورياً في كل عمليات الاعتقال، بسبب اطلاعه الواسع على نشاط غالبية الشباب، ومعرفته المباشرة بهم.
ويعمل النظام حالياً في عقربا، على ضرب المفاصل الرئيسية السابقة لدى المعارضة؛ كرئيس المجلس المحلي، وقادة وعناصر سابقين في “جيش الإسلام” و”جيش الأبابيل”، التشكيلين الأكثر أهمية في جنوبي دمشق. وذلك، بغرض تفريغ مجتمع عقربا من شخصيات كانت مفصلية في الثورة، وقد تشكّل تهديداً للنظام في أي حراك مقبل، مقابل إعادة جزء من السكان “المدنيين” إلى البلدة، وإظهار النظام بصورة المهتم بإعادة النازحين واللاجئين.
وهذه الخطوات تسهّل على النظام عمليات المتابعة الأمنية، في حال زيادة عدد السكان، وتساهم في إخماد أي نشاط معارض مقبل، وتُبقي الأهالي في حال قلق دائم من السطوة الأمنية المباشرة.
المصدر: جريدة المدن