بحث
بحث

دمشق: الروس يتوسعون.. على حساب الإيرانيين



بدأت الملامح الأمنية للعاصمة السورية ومحيطها القريب، تتغيّر منذ صيف العام 2018، حين أعلن النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون سيطرتهم على دمشق وريفها.

أزيلت الحواجز، وفتحت الشوارع، وانحسر التواجد العسكري في معظم شوارع دمشق نتيجة الحملات المستمرة لحل المليشيات وملاحقة عناصرها بقصد ضمهم لقوات النظام. الأهم في تلك المظاهر، هو التقلص الواضح لحضور الإيرانيين عسكرياً في دمشق، لصالح زيادة روسية ظاهرة.

مع انتهاء المعارك العسكرية في ريف دمشق، بدأ الروس الضغط على الإيرانيين للخروج من المدينة، وإلغاء مظاهر انتشار التشيع. وفعلاً، بدأت المليشيات الشيعية تباعاً بالانسحاب من عشرات المقار العسكرية التي كانت تتمركز فيها في دمشق القديمة، ومحيط السفارة الإيرانية ومنطقة البحصة وسط دمشق، وتم إخلاء فنادق وسط العاصمة من المقاتلين الشيعة بعد سنوات من إقامتهم فيها، بالتزامن مع فتح الطرقات المحيطة بالفنادق.

مصادر عسكرية رفيعة المستوى، قالت لـ”المدن”، إن عدد العناصر الأجانب تقلّص في عمق العاصمة بنسبة أكثر من 70% خلال العام الأخير، لعدم وجود مبرر لوجودهم ضمن الأحياء السكنية، والضغط الروسي الذي مُورس على قادة مليشيات النظام الإيرانية لنقلهم خارج حدود دمشق.

ولا يخفي المصدر أن المقاتلين الشيعة لا زالوا يُسيطرون على محيط مقام رقية في دمشق القديمة، حيث تقطن عشرات العوائل من الأجانب، وسط قيود شديدة على الراغبين بدخول المنطقة، والإبقاء على “غرفة عمليات” مرتبطة بحي الشاغور. رغم ذلك، يُلاحظ السكان المحليون انحسار تواجد المقاتلين الشيعة الأجانب، عسكرياً في شوارع وأزقة حي الشاغور، وإزالة صور حسن نصرالله وخامنئي، وصور القتلى، واستبدال حواجزهم العسكرية بأخرى تتبع لمليشيا “الدفاع الوطني”.

ولا يزال للإيرانيين مقرات قيادة واضحة في دمشق، رغم انحسار تواجد قواتهم؛ محيط السفارة الإيرانية، ومنطقة البحصة في محيط المستشارية الثقافية الإيرانية، وحي الفيلات في منطقة المزة، ومناطق يعفور والصبورة، تحوي عشرات المقرات ومكاتب القيادات التي يتواجد فيها عناصر وضباط إيرانيون وعراقيون.

وتراجع وجود الإيرانيين والعراقيين في سوق الحميدية الشعبي القديم، نتيجة نقل معظم مقراتهم من الثكنات القريبة من دمشق، وعودة آلاف العناصر إلى بلدانهم مع انتهاء مهامهم العسكرية، وخروج آخرين إلى محيط ديرالزور وحلب حيث يتوسع الوجود الإيراني هناك من دون مضايقات روسية.

مدينة جرمانا شرقي دمشق، والتي كانت تُعتبر متنزهاً للمقاتلين العراقيين، لما تحويه من محلات سهر وتسهيلات ليلية، باتت اليوم تخلو من هؤلاء إلا قليلاً، وفقاً لشهادة سكان محليين لـ”المدن”.

وعلى العكس من التواجد العسكري، فقد شهدت السياحة الدينية الشيعية وزيارة المراقد المقدسة، نشاطاً متزايداً منذ خروج المعارضة وسيطرة المليشيات على محيط السيدة زينب بشكل رئيسي، وغياب القذائف عن دمشق القديمة. ولا تترافق هذه السياحة حالياً مع لطميات في شوارع دمشق القديمة، ويغيب عنها الانتشار المسلح لعناصر المليشيات الشيعية. إذ تتولى “شركة القلعة الأمنية” مسألة تنظيم دخول حافلات الشيعة نحو مقام رقية، وخروجها من المنطقة، من دون أي مظاهر دينية في الأسواق والأزقة.

غياب الإيرانيين الواضح في دمشق، عوّض عنه الحضور الروسي المدني والعسكري. وبعيداً عن الدوريات والسيارات المصفحة، بات وجود الروس في الشوارع والأسواق أمراً اعتيادياً لسكان العاصمة.

ويتواجد الروس بشكل يومي في أسواق الحميدية والصالحية والشعلان، ومولات شام سنتر ودامسكينو في كفرسوسة ومحيط حديقة الجاحظ في حي المالكي، حيث استأجر الروس عشرات المنازل هناك، في الحي الذي يعتبر الأرقى والأغلى على مستوى دمشق. هذا فضلاً عن ارتيادهم بارات ومطاعم باب شرقي بدمشق القديمة، حيث أصبح وجود الروس روتينياً.

وفي يعفور والديماس وقرى الأسد غرب دمشق، يتمركز الروس في عشرات المنازل والفيلات التي تم استثمارها من قبل السفارة الروسية لإقامة الضباط وأصحاب الرتب العسكرية العالية فيها، نظراً لكونها منطقة آمنة وتخضع لمراقبة أمنية كبيرة، وتحوي منازل معظم مسؤولي النظام.

ويتنقل الروس غالباً في سيارات جيب مصفحة، بعضها تحمل لوحات روسية وهي تتبع للسفارة بشكل مباشر، وأخرى تم تركيب لوحات روسية لها بعد استقدامها من روسيا، فضلاً عن سياراتهم العسكرية التي تنقل العناصر من وإلى نقاط الانتشار في الغوطة الشرقية وجنوب دمشق.

ويقول صاحب شركة وساطة عقارية يعمل ضمن أحياء دمشق لـ”المدن”، أن الكثيرين من أصحاب المنازل الفارغة الموجودين خارج سوريا لا يمانعون تأجير منازلهم إلى الروس، رغم إمتناعهم عن تأجيرها سابقاً للسوريين أو الأجانب من الشيعة. ويجري شهرياً تأجير الكثير من المنازل للروس الذين لا مانع لديهم بالدفع السنوي نقداً، ودفع التأمين المطلوب من دون أي نقاش او اعتراض على الأسعار المطلوبة.

وعلى الصعيد العسكري لا يزال الروس يتمركزون في مبنى الأركان القديم، ومبنى “مراقبة خفض التصعيد” بالقرب من وكالة أنباء سانا، والذي أصبح مركزاً ثابتاً لهم ومقراً لإقامة العناصر، بالاضافة الى تسيير دوريات مدنية بسيارات خاصة في كثير من شوارع دمشق خاصة في أحياء التجارة والقصور والخطيب وشارع بغداد دون لفت الانظار أو اتخاذ أي إجراءات أمنية.

ويقول مصدر خاص لـ”المدن”، إن فرع “المخابرات الجوية” في ساحة العباسيين بات يشهد حضوراً متزايداً لبعض الضباط الروس مؤخراً، بعد التغييرات الأمنية على مستوى قيادة الفرع التي حصلت في الفترة الماضية. هذا فضلاً عن تواجدهم الدائم في مبنى الأركان بساحة الأمويين ومبنى الأمن الوطني ومحيط السفارة الروسية والمركز الثقافي الروسي.

المصدر: جريدة المدن 

اترك تعليقاً