أثار تصريح وزير الاقتصاد السوري حول تحديد مبلغ 120 دولاراً كحد أدنى للأجور، وتأمين حياة كريمة تساؤلات عدة حول ما إذا كان هذا المبلغ كافياً، وما الأساس الذي استند إليه الوزير لتحديده.
وفي مقال نُشر عبر موقع حزب الإدارة الشعبية عمد الكاتب للرجوع لحسابات واقعية، واستحضار تقديرات “قاسيون” لتكاليف المعيشة في سورية في بداية العام الجاري.
والتي أثبتت أن الحد الأدنى المطلوب لتغطية تكاليف المعيشة الأساسية (الحد الأدنى للتكاليف وليس الوسطي) بلغ 9 ملايين ليرة سورية شهرياً.
باحتساب سعر الصرف الحالي، فإن هذا الرقم يعادل نحو 782 دولاراً، ما يعني أن المبلغ الذي حدده الوزير (120 دولاراً) أقل بنسبة تصل إلى 551% من هذا الحد الأدنى.
وأشار المقال إلى أنه لا يجب أن يكون الحديث عن الحد الأدنى لتكاليف المعيشة هو الهدف، بل المطلوب هو بناء سلم أجور عادل يضمن حياة كريمة لجميع الفئات، فعند الحديث عن الحد الأدنى وهو معيار لقياس مستويات المعيشة، وليس مجرد رقم يعبر عن الحد الأدنى للأجور، وبالتالي فإن الوصول إلى مستوى معيشي كريم للمواطنين يجب أن يكون رؤية شاملة تتجاوز مجرد تأمين الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة، لتشمل توفير خدمات صحية وتعليمية جيدة، وضمان سكن ملائم، وفرص عمل مستقرة بأجور تكفل العيش الكريم.
وتُظهر الفجوة بين الواقع الذي تعكسه أرقام تكاليف المعيشة وبين الطموحات التي يعبر عنها تحديد الوزير مبلغ 120 دولاراً شهرياً كمقياس للحياة الكريمة التحديات الكبرى التي تواجه السوريين في صياغة نظامهم الاقتصادي القادم.
حيث لا يمكن اختزال مسألة الحياة الكريمة في رقمٍ يتجاهل المتغيرات الاقتصادية الاجتماعية والواقع المعاش الذي يثقل كاهل المواطن السوري يومياً.
وبحسب ما أورد المقال فإن أي زيادة حقيقية في الأجور لا يمكن أن تكون مجرد إجراء رقمي، بل عملية تتطلب معالجة جذرية للخلل البنيوي في الاقتصاد السوري. ولتحقيق زيادة حقيقية وفعالة في الأجور، يجب النظر إلى ثلاثة عوامل أساسية تضمن أن تكون هذه الزيادات فعلية غير وهمية وذات أثر إيجابي على حياة السوريين.
وتكون عبر ربط الأجور بالأسعار، حيث لا يمكن تقييم أي زيادة في الأجور بمعزل عن قدرتها الشرائية في السوق.
وأن الأجر الذي لا يغطي احتياجات المعيشة الأساسية ليس أجراً، حتى لو وصلت قيمته الرقمية إلى مليار.
ولذلك يجب أن يكون الحد الأدنى للأجور مرتبطاً بتكاليف المعيشة الحقيقية وفق حسابات دقيقة تشمل الغذاء، والسكن، والنقل، والصحة، والتعليم، والاتصالات، والاحتياجات الأخرى الضرورية جميعها. ولا يجب أن يهدف هذا الربط إلى تغطية الحد الأدنى لتكاليف المعيشة فقط، بل إلى توفير مستوى معيشي كريم يضمن للمواطن حياة تتجاوز حد الكفاف.
ويجبربط الأجور بتغيرات الأسعار بشكل دوري، فحتى إذا تم ربط الأجور بتكاليف المعيشة، فإن تأثير هذا الربط سيزول إذا تُركت الأسعار لترتفع بلا ضوابط،
وأي زيادة في الأجور تصبح غير مجدية إذا كان تمويلها يعتمد على تحميل المواطنين أعباء إضافية، كما يحدث عند إلغاء الدعم أو رفع الضرائب بطريقة غير عادلة.
وينوه المقال أخيرا بأن رفع الأجور ليس مسألة تقنية تتعلق بأرقام أو نسب مئوية، بل ينبغي أن ينظر إليه بوصفه أحد أدوات إعادة توزيع الثروة وتصحيح الخلل في بنية الاقتصاد السوري.
ويعتمد مستوى النجاح في هذا المشروع بإيجاد رؤية متكاملة تستهدف زيادة الإنتاج، وضبط الأسعار، ومكافحة الفساد، بما يضمن أن تكون زيادة الأجور جزءاً من عملية أوسع لتحقيق التغيير الحقيقي في البلاد بعد كل ما دفعه شعبها من أثمان.