باتت عبارة “لقط جرثومة في المشفى” أكثر من شائعة عند سؤال بعض الأهالي عن أسباب وفاة أقرباء لهم، وهذا واقع لم يعد سراً يجب حجبه كما كانت تفعل بعض المستشفيات سابقاً حرصاً على سمعتها أو خوفاً من المساءلة الحكومية.
واستند تقرير لموقع أثر برس الموالي إلى جداول شعبة الإحصاء في مستشفى المواساة بدمشق والتي تُشير إلى أنّ عدد الوفيات المسجلة في الشهر الأول من العام 2024 بلغ حوالي 197 وفاة، منها حوالي 47 وفاة سببها حدوث صدمة إنتانية، أي أنّ نسبة وفيات الصدمة الإنتانية شكلت ما نسبته حوالي 23.8% من إجمالي عدد الوفيات المسجلة في المستشفى في الشهر الأول.
وأشار إلى أنّ هناك دراسة أجريت لمدة عام كامل على الأطفال الذين طوروا إنتاناً مكتسباً في وحدة العناية المشدّدة بالوليد والخديج في مستشفى الأطفال عام 2009، وانتهت تلك الدراسة إلى حدوث 96 وفاة من إجمالي عينة الدراسة البالغة 217 حالة، أي ما نسبته 44%.
وقال رئيس الشعبة الإنتانية والمسؤول عن لجنة ضبط العدوى في مشفى الأطفال الجامعي إنّ “الإنتانات في المستشفيات عادة ما تكون عبارة عن جراثيم مقاومة لمعظم المضادات، وهذا ما نلاحظه بشكل كبير في معظم الشعب الطبية، وسابقاً كانت العصيات الزرقاء تشكل مشكلة بالنسبة لنا، أما اليوم ظهرت مجموعة جديدة من الجراثيم منها: (الأيكولاي) و( الأسينيتوباكتر ) و(الأنتيروباكتر) وخطورتها مساوية لخطورة العصيات الزرق، وبالتالي يمكن أن تؤدي إلى الوفاة”.
كما لفت المشرف البديل على الشعبة الإنتانية في مشفى المواساة نزار الضاهر إلى أنّ “هذه الجراثيم أحياناً ما تكون مقاومة لمعظم المضادات الحيوية مثل جراثيم ( الأسينيتوباكتر) و (والكليبسيلا) و( الأيكولاي)، كما أنّ سرعة تصنيع المضادات عالمياً هي أقل من سرعة تطور مقاومة الجراثيم، وبالتالي تصبح محاربتها أصعب”.
وأضاف أنّ “الجراثيم سلبية الغرام، وهي الجراثيم التي لديها قدرة داخلية على إيجاد طرق مضيفاً جديدة لمقاومة العلاج، من غير المقبول أن تكون مستوطنة في المشافي، ويجب اتخاذ الإجراءات المناسبة في حال وجودها”.
عملياً تُشكّل غرف العمليات والعناية المشدّدة القاسم المشترك بين جميع المستشفيات العامة والخاصة من حيث إمكانية تواجد الجراثيم المقاومة للمضادات الحيوية، فضلاً عن بعض الأقسام الأخرى المرتبطة بخصوصية الخدمات التي يقدمها المستشفى كأقسام معالجة الحروق مثلاً أو الحواضن وما إلى ذلك، تبعاً للتقرير.
ووفقاً للمقابلات التي أجراها التقرير، فإنّ ما يجمع مستشفى المواساة مع مستشفى الأطفال الجامعيين هو التشابه في الأماكن الأكثر جرثمة، حيث يُشير رئيس شعبة حديثي الولادة ورئيس لجنة الإشراف على التعقيم في مشفى الأطفال نادر عيد إلى أنّ “أكثر الأماكن التي تنتشر فيها الجراثيم المقاومة هي العناية المشددة والعمليات والحواضن، إضافة إلى أقسام العناية المشددة والحروق في مستشفى المواساة.
وفي بعض الحالات لا تجد إدارات المستشفيات بديلاً عن إغلاق بعض الأقسام عند ظهور أي نوع من أنواع الجراثيم، ومن ثم البدء بتنفيذ برتوكول تعقيم دقيق يجري بإشراف خاص، وإلا فإنّ جميع الأقسام ستكون معرّضة لانتشار تلك الجراثيم وإصابة المرضى المتواجدين فيها.
وهذا ما خلصت إليه دراسة جرت في مستشفى المواساة في العام 2017، حيث أكّد معد الدراسة محمد إسحق فاعوري أنّه “في حال ظهور هجمات بالعضويات المقاومة يجب إغلاق الوحدة، ورفض أي قبول جديد حتى تتم السيطرة على الهجمة”.
وفي هذا السياق كشف المدير الطبي في مشفى المواساة الجامعي حسام البردان أنّه “خلال الأسابيع الماضية تم إغلاق قسم عناية الحروق بسبب مسحة كانت إيجابية وتبلغنا عن حالة موبوءة ضمن غرفة الإسعاف في الطابق الخامس، حيث استدعينا على الفور أطباء الجلدية، وتواصلنا مع مركز مكافحة العدوى والأمراض السارية والمعدية في وزارة الصحة، كما تم إخلاء المرضى في القسم المذكور لنتمكن من ضبط العدوى، وهذا ما حدث بالفعل”.
وهناك حالة أخرى مشابهة وقعت في قسم العناية المشددة في مستشفى الأطفال الجامعي بدمشق خلال العام الفائت، وتمثلت وفقاً لما أوضحه عصام انجق بـ “انتشار إنتان بجراثيم مقاومة وإصابة عدد من الأطفال بجرثومة (الاسينتوباكتر)، وقد تم إغلاق القسم وإعادة تعقيمه”.
ويزداد احتمال انتشار الجراثيم المشار إليها سابقاً – حسب التقرير – وبالتالي خطورتها على حياة المرضى والخدمات العلاجية المجانية التي تقدمها المستشفيات العامة في هذه المرحلة جرّاء النقص الذي تعانيه هذه المستشفيات في المستلزمات الأساسية، سواء نتيجة محدودية الموارد المالية في وقت ازداد فيه ضغط المراجعين والمرضى بعد خروج مستشفيات أخرى خارج العاصمة عن الخدمة بسبب الحرب، أو نتيجة إجراءات تأمين احتياجات جميع المستشفيات العامة في السنوات الأخيرة بشكل مركزي عبر مناقصات وزارة الصحة، أو نتيجة “للعقوبات الغربية التي زادت من تكاليف استيراد بعض المستلزمات وتأخر وصولها”.
وأصدرت منظمة الصحة العالمية تقريراً قالت فيه إنّ هناك ما يقارب من 13.66 مليون وفاة حول العالم جرّاء تداعيات الإصابة الإنتان بشكل مباشر أو غير مباشر، والإنتان الذي يشكّل أحد أهم الأسباب المؤدية للوفاة ينجم عادةً عن عدوى بكتيرية يمكن أن تصيب أي عضو من جسم الإنسان.
وبحسب المنظمة، فإنّ حدوث العدوى المرتبطة بالرعاية الصحية يعتبر أحد أكثر أنواع الأحداث الضارة تواتراً اثناء تقديم الرعاية الصحية، حيث عادةً ما تتواجد أخطر أنواع الجراثيم المسببة للإنتان في المستشفيات.