لا تزال أزمة البنزين في مناطق سيطرة النظام تتصاعد، رغم بدء العمل بمحطة توزع “البنزين الحر” في المزة بدمشق، والحديث عن قرب افتتاح محطتين غيرها في الأيام المقبلة. فالمشكلة تتعلق بالفرق الكبير بين سعر “البنزين الحر” والمُهرّب، وسعر البنزين بحسب مخصصات البطاقة الذكية، ما جعل الإقبال على البنزين الحر محصوراَ بشرائح محددة من السوريين قادرة على الدفع بالأسعار الراهنة.
مصادر “المدن” أكدت أن “البنزين الحر” الذي توزعه محطة المزة هو “اوكتان 95” بسعر 600 ليرة سورية لليتر الواحد، بينما سعر ليتر البنزين العادي المدعوم من الحكومة هو 225 ليرة.
صحيفة “الوطن”، شبه الرسمية، قالت إن “تأمين البنزين أوكتان 95 تقوم به الحكومة عن طريق القطاع الخاص، بسعر نحو 450 ليرة للتر الواحد، إلا أن تكاليف نقله براً إلى دمشق ترفع تكلفة اللتر إلى 600 ليرة سورية، أي إن تكلفة نقل اللتر الواحد واصل إلى محطة الوقود نحو 150 ليرة سورية”.
مصادر “المدن” أشارت إلى أن ما يحدث الآن قد يكون تمهيداً لصفقة جديدة بالتواطؤ بين الحكومة السورية وأحد رجال الأعمال المقربين من النظام، لاستيراد “البنزين الحر” وبيعه بكميات كبيرة في مناطق سيطرة النظام. وهذه الخطوة أولية، وستعقبها عملية إلغاء الدعم الحكومي عن المحروقات، بما سيرفع سعر البنزين بحدود الضعف، وما سيتسبب بموجة غلاء جديدة ستضرب السوق السورية.
“المدن” كانت قد توقعت منذ شهرين حدوث أزمة البنزين الراهنة، بسبب “دخول القطاع الخاص إلى توليد الكهرباء واستيراد وشراء المشتقات النفطية، بالأسعار العالمية”. وهذه الحزمة من رفع أسعار الطاقة، والضغوط الاقتصادية المتواترة والمتتالية، “ستؤدي حتماً إلى قفزات تضخمية، لن تجد حلاً لها إلا بتعويم سعر صرف الليرة السورية”. وبلغ سعر صرف الدولار، الأربعاء، في سوق دمشق السوداء 575 ليرة سورية.
مصادر “المدن” أشارت إلى وجود مخطط واضح لافتعال الأزمة، ولحلها؛ تم تطبيقها خلال الاسبوع الماضي؛ فقدان البنزين في المحطات، ثم تخفيض المخصصات عبر البطاقة الذكية من 20 ليتر يوماً إلى 20 ليتر كل يومين، إلى 20 ليتراً كل 5 أيام للسيارات الخاصة، و20 ليتراً كل يومين للسيارات العامة، بالتزامن مع قرار حكومي بخفض مخصصات الدوائر الرسمية وترشيد الاستهلاك.
الخط الإئتماني الإيراني
صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، قالت الأربعاء، إن سوريا تحتاج بوضعها الحالي يومياً إلى ما لا يقل عن 4.5 ملايين ليتر من البنزين و6 ملايين لتر من المازوت، و7000 طن من الفيول و1200 طن من الغاز. أي إن الحكومة تحتاج إلى فاتورة مالية يومية تُقَدّر بـ4 مليارات ليرة. وأضافت أن الإنتاج النفطي الحالي يعادل بالكامل 24 ألف برميل، في حين تحتاج البلد يومياً إلى 136 ألف برميل، أي إن ما تستطيع وزارة النفط تأمينه لا يتعدى نسبة 24% فقط من الاحتياجات الفعلية، و”بالتالي نحن بحاجة إلى توريدات، وهنا تحديداً، جاءت أزمة توقّف الخط الائتماني الإيراني الذي كان الرافد الأساسي في هذا الإطار”.
وأضافت: “توقف الخط الائتماني الإيراني بتاريخ 15/10/2018، ومعه بدأ الحديث عن السيناريو الأسوأ المحتمل، وهو أن البلد بات بحاجة إلى سيولة مالية ضخمة لتغطية الفجوة الكبيرة التي تركها توقف الخط، فمنذ توقفه قبل ستة أشهر وسورية تفتقد النفط، وبهذا المعنى، ووفقاً لوزارة النفط، فإنه لا ناقلة نفط خام وصلت إلى سورية منذ ذلك التاريخ وحتى تاريخ هذا اليوم، كل هذا كانت له نتائجه السلبية”.
وأضافت: “بعد توقف الخط الائتماني الإيراني، عانى قطاع النفط عجزاً كبيراً، حيث وصل العجز في مادة المازوت إلى 90 يوماً، والبنزين إلى 108 أيام، والغاز إلى 45 يوماً، لكن نتائج هذا العجز لم تظهر قاسية كما هو حالها اليوم نتيجة الإجراءات التي اتُخِذت، وشملت الاستفادة من المخازين الميتة، تفريغ الخطوط، تعديل مزائج التحضير، زيادة الإنتاج، هذه الإجراءات عدّلت من العجز الحاصل في الكميات نسبياً ووفرت ما أمكن من المادة النفطية في السوق المحلية”.
الصحيفة، قالت إن وزارة النفط لجأت إلى إبرام أنواع من العقود البرية والبحرية والجوية، “لكن التعثر كان سيّد الموقف”، فالحديث عن العقود مع الأردن بعد افتتاح المعابر “كأنه لم يكن بسبب التدخل الأميركي المباشر الذي أعاق أكثر من عقد”، والعراق اليوم “مُعاقب ومحاصر، فعندما يتم الحديث عن 100 صهريج قادمة عبر العراق، فهي غير كافية لتغطية نصف يوم من الاحتياجات، إضافة إلى أن هذا العدد من الصهاريج يحتاج إلى يومين كي يعبر من المعابر التي تعمل عليها سوريا”، أما مصر “فقد أُخرجت من المعادلة الاقتصادية منذ نجح كيسنجر في إخراجها من دائرة دول المواجهة مع إسرائيل”.
وأضافت أن “العمل في المرحلة القادمة سيكون على أكثر من مستوى، أولها متابعة الخط الائتماني الإيراني، وإيجاد حلول لإيصال المشتقات النفطية إلى سوريا، والعمل على تأمين السيولة المالية وتعزيز التوريدات النفطية البرية، وإدارة الموارد المتوافرة حالياً من المشتقات النفطية والعدالة في توزيعها، ومحاولة وضع الناس في حجم أزمة الحصار التي تعيشها البلاد”.
الخط الإئتماني أم مرفأ إيراني؟
لا تذكر “الوطن”، لماذا توقف الخط الإئتماني الإيراني منذ 6 شهور ولم يتم تجديده حتى اللحظة. وقد يكون بسبب تفاقم أثر العقوبات الأميركية على إيران وشلّها اقتصادياً. إلا أن مصادر “المدن” أشارت إلى احتمال أن يكون توقف الخط أيضاً، هو ضغط إيراني مباشر على النظام وروسيا، لمنع أي محاولة لإخراج إيران من سوريا. إذ لدى إيران إمكانية على خلط الأوراق، وسط رغبتها بحصد نتائج استثماراتها في سوريا.
وتشير مصادر “المدن” إلى توقيع اتفاق حول استثمار إيران للمرفأ البحري في اللاذقية، والذي سيدخل حيّز التنفيذ في تشرين الأول 2019، رغم المعارضة الروسية. ويعني ذلك حرفياً، تمدد إيران بشكل رسمي إلى البحر المتوسط. وتربط المصادر بين اعلان ذلك والأزمة النفطية في سوريا، وسط توقعها بتقديم النظام المزيد من التنازلات للجانب الإيراني، قبل إعادة تفعيل الخط الإئتماني.
مصادر “المدن” أكدت أن عملية تحرير سعر المشتقات النفطية، خاصة المازوت، سيؤمن للحكومة أرباحاً بملايين الدولارات، إذا ما تمّ تجديد الخط الإئتماني الإيراني الذي يمد سوريا بالمشتقات النفطية. والخط الإئتماني الإيراني هو أحد أهم مصادر دخل النظام السوري؛ إذ يعمد النظام، بحسب مصادر “المدن”، إلى بيع النفط الإيراني المُكرر في السوق وتحصيل ثمنه مباشرة، في حين أنه يُعتبر ديناً آجل التسديد. ما يعني أن النظام يستفيد من بيعه مباشرة لتمويل عجزه المالي.
مصادر “المدن” أشارت إلى أن النظام، وفي جميع الحالات يستغل الأزمة، لتبرير رفع الدعم عن المحروقات، ما سيزيح عبئاً هائلاً عن كاهل الميزانية الغارقة في العجز لتمويل المدفوعات.
المصدر: جريدة المدن.