أطلقت محافظة دمشق قبل شهرين مشروع التخطيط التشاركي للتعافي المبكر لمدينة دمشق القديمة بتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في سوريا، في ظل تداخل عمل وكالتين دوليتين في المنطقة ذاتها وهما UNESCO وUNDP.
مشاريع تعافي مبكر برعاية منظمات أممية
وتتضمن خطة التعافي تعزيز قدرات لجان الأحياء واللجان التطوعية والأفراد وتعزيز الحوار بين السلطات المحلية في المدينة القديمة وبين المجتمع المحلي وتحفيز مشاركة المجتمع المحلي ودعم مبادرات مجتمعية، إضافة لتوسيع مشاركة الشباب والنساء في عملية صنع القرار على المستوى المحلي وتعزيز المسؤولية المجتمعية لدى القطاع الخاص وإشراكه في الحوار والعمل، وفقاً لمحافظ دمشق محمد طارق كريشاتي.
وجاء إطلاق المشروع جاء خلال اجتماع عقد في 28 تشرين الأول ضمّ محافظ دمشق ومسؤولي المحافظة وممثلين عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الذي رفض الإجابة على الأسئلة التي طرحها موقع سوريا ريبورت.
وأكدت في الاجتماع ذاته مديرة قسم الحوكمة المحلية والدراسات الأساسية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا هلا رزق على أهمية المشروع لجهة تعزيز التعاون بين البرنامج والمحافظة والمجتمع الأهلي، وتفعيل المبادرات لتحسين الواقع التنموي والخدمي في المدينة القديمة وعقد دورات تدريبية للمشاركين.
التعافي المبكر من منظور النظام السوري
واستعمل مصطلح التعافي المبكر في السنوات الأخيرة من الأزمة السورية كأحد الموضوعات الرئيسية في النقاش الدولي حول التنمية في مرحلة ما بعد النزاع، دون أي إجماع كامل على المقصود بالتعافي المبكر، سواء من حيث السياسة أو البرامج.
ويفسّر مصطلح التعافي المبكر في العموم على أنه المرحلة التي تعقب مرحلة الاستجابة الإنسانية للطوارئ والتي تسبق مرحلة إعادة الإعمار، ويهدف التعافي المبكر لاستعادة الخدمات الرئيسية التي تُمكّنُ المتضررين من الاعتماد على أنفسهم بشكل مستدام.
وتستغل حكومة النظام السوري مشاريع التعافي المبكر كبديل محتمل بعد ظهور مؤشرات على إمكانية توقف التمويل الدولي في قضايا المساعدات الإنسانية والإغاثية.
وتعتبر حكومة النظام السوري أن دفع المنظمات الدولية للتعاون معها في تنفيذ مشاريع التعافي المبكر، هو خطوة أولى قد يتبعها الضغط على تلك المنظمات لدعم برامج إعادة إعمار أوسع نطاقاً وتمويلاً، كما يسود اعتقاد لدى النظام السوري بأن هذا ممكن عبر التوافق مع المنظمات الدولية على توسيع نطاق التعافي المبكر.
وتبدو مرحلة التعافي المبكر مريحة للأطراف المشتركة فيها إذ تمنحهم هوامش للمناورة فيما بينهم، وتعفي هذه المرحلة المنظمات الدولية من اشتراطات المانحين الرئيسيين كالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي الذي يربط إعادة الإعمار بتحقيق انتقال سياسي وفق القرار الدولي 2254.
مشاريع في دمشق القديمة
تعاني دمشق القديمة بالفعل من تدهور الخدمات وتأخر في ترميم وتأهيل الأبنية القديمة ما يعرض سلامتها الإنشائية للخطر وبعض الأبنية القديمة آيلة للانهيار دون أن تتلقى الترميم المناسب بسبب تعقيدات إصدار رخص الترميم ورخص الترميم لكون المنطقة أثرية فأحياناً تتقاطع فيها صلاحيات وزارة الثقافة ووزارة الأوقاف مع صلاحيات محافظة دمشق بخصوص ملكية بعض العقارات.
وأشار آخر تقرير صادر عن لجنة التراث العالمي في العام 2023 إلى تأثر المدينة القديمة بالحرائق وغياب إعادة التأهيل بعدها، ولفت وجود أعمال ترميم يمولها صندوق التراث العالمي “اليونسكو” في المدينة القديمة.
ولفت إلى توقيع اتفاقية تعاون بين لجنة التراث العالمي وبين جامعة دمشق لإجراء دراسات في المدينة القديمة وإطلاق مسابقة للتصميم الحضري في ميدان باب توما، كما سرد التقرير بعض أعمال إعادة التأهيل التي تنفذها منظمات غير حكومية في المدينة القديمة، ومنها خدمة التمويل الأصغر التي أطلقتها مؤسسة الأغا خان لمنح قروض لترميم المساكن في المدينة القديمة.
ولم يُذكر مصطلح التعافي المبكر بشكل صريح في تلك التقارير، وكان الأقرب لذلك المصطلح مشروع “التخطيط التشاركي للتعافي المبكر لمدينة دمشق القديمة” الذي أطلقته اليونسكو أواخر العام 2022 ومدته 3 سنوات، ويهدف للتحويل الرقمي لمدينة دمشق القديمة إلى مدينة مستدامة تأخذ في الاعتبار متطلبات السكان وتعزز الديناميكية الاقتصادية والسياحية والثقافية والبيئية في المدينة، فيما تضمنت المرحلة الأولى من هذا المشروع إنشاء نموذج ثلاثي الأبعاد للمدينة باستخدام تكنولوجيا متطورة.
خلافات قضائية
وتشهد دمشق القديمة خلافات قضائية بين أجيال من الورثة على الإرث والتركات القديمة وكذلك خلافات بين مستأجرين ومؤجرين وفق عقود الإيجار القديمة السكنية والفروغ التجارية الخاضعة للتمديد الحكمي وكذلك بسبب التداخل مع العقارات الوقفية، وتسببت تلك التعقيدات في وضع إشارات مانعة من التصرف على كثير من عقارات تلك المنطقة القديمة ما يحول دون الحصول على رخص الترميم.
تمويل من برامج الأمم المتحدة
وقالت مديرة مديرية مدينة دمشق القديمة في محافظة دمشق تميمة عبود إن المديرية تتابع تنفيذ خطة عمل مرحلية لإزالة الخطر عن المدينة القديمة لتبقى على لائحة التراث العالمي.
وأوضحت أن المديرية تعمل على تحويل المدينة القديمة إلى مدينة رقمية مستدامة عبر مشاريع التحول الرقمي والإدارة الذكية بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وبتنسيق مع المجتمع الأهلي والمحلي
وأوضحت مديرة مديرية دمشق القديمة أن مشروع التعافي المبكر الموقع مع UNDP، يتألف من أربعة مكونات، الأول تأسيسي تمكيني يتضمن تجهيز وحدة التحول الرقمي والتجهيزات الحاسوبية واللجان المعنية بالدراسة وعمليات الرفع الطبوغرافي والتصوير الجوي، أما المكون الثاني فهو تخطيطي حضري عمراني، والثالث يتعلق بالإدارة الحضرية الذكية، والرابع يضم مشاريع تنفيذية ذكية للبنى التحتية والخدمات.
بعض المكونات من هذا المشروع المدعوم من UNDP تتقاطع في بعض وجوهها مع مشروع UNESCO للتحول الرقمي في مدينة دمشق القديمة الموقع مع محافظة دمشق في نوفمبر 2022.
ويواجه المكون الثاني الخاص بالتخطيط الحضري تحديات كبيرة أبرزها عدم وجود تفريق واضح بينه وبين التخطيط والتنظيم العمراني وبالتالي هناك إمكانية لفرض أي من قوانين التنظيم الإشكالية التي صدرت بعد العام 2011، ومنها المرسوم رقم 66 لعام 2011، وقانون رقم 23 لعام 2015، القانون رقم 10 لعام 2018، ومخاطرها المحتملة على الملكيات الخاصة في المدينة القديمة.
ويشكك بعض أصحاب تلك العقارات بأن إعادة التخطيط الحضري ستزيد منث القيود على حقوقهم بالتصرف في عقاراتهم عبر لحظها على المخططات التنظيمية وربما استملاكها لاحقاً، ويزيد وجود أوقاف مسيحية وإسلامية وملكيات قديمة لليهود السوريين المهاجرين الأمر تعقيداً.