منذ سيطرة النظام عليها في أيار/مايو، تعيش مناطق الجنوب الدمشقي: يلدا، ببيلا وبيت سحم، حركة نشيطة جداً لبيع العقارات. ويقف خلف تجارة العقارات النشطة شيعة سوريون وأجانب، عبر تُجار عقارات من أبناء المنطقة يعملون على إغراء أصحاب المنازل خاصة المُهجّرين منهم نحو الشمال السوري.
“أم علي” بدأت التردد إلى الجنوب الدمشقي منذ ثلاثة أشهر، وسُرعان ما وطدت علاقتها مع تُجار العقارات، حتى باتوا يعملون كحلقة وسيطة بين البائع المحلي والشاري الشيعي السوري أو الأجنبي. و”أم علي” أو “المدام”، امرأة دمشقية شيعية في الثلاثين من عمرها، بحجابها الأسود وسياراتها الجيب السوداء مُظللة النوافذ “فيميه”، ومرافقيها المشابهين لحرس زعماء المليشيات الشيعية في دمشق بلباسهم الأسود ولحاهم الطويلة.
وتلعب “أم علي”، أحياناً دور الشاري لصالح شخصيات مجهولة. وتقول مصادر “المدن” أن وراء “المدام” مؤسسة شيعية ذات طابع ديني تسعى للتمدد العقاري في مُحيط السيدة زينب.
وتشتري “أم علي” كل ما هو معروض للشراء، شرط أن يكون على طريق ببيلا باتجاه السيدة زينب، خاصة إذا كان للعقارات إطلالة جميلة، ربما لتحويله لاحقاً إلى سكن سياحي، يستهدف الزوار الشيعة إلى مقام زينب.
ووثقت “المدن”، خلال الشهرين الأخيرين، شراء “أم علي” لأكثر من 15 منزلاً جاهزاً للسكن، بمساحات تزيد عن 100 متر مربع للواحد، بشكل مُباشر من أصحابهم. وبسرعة تم تحويل تلك المنازل إلى شقق فندقية، بغرض تأجيرها للزوار الشيعة خلال عاشوراء وأربعينية الحُسين.
واشترت “أم علي” منتزهاً في يلدا، ليصبح مقراً للاجتماعات وإقامة الولائم أثناء تواجد الوفود التجارية الشيعية التي ترافقها “أم علي” خلال عمليات شراء المنازل.
ولم تقف عمليات الشراء جنوبي دمشق عند المنازل، بل طالت أبنية كاملة لتحويلها إلى فنادق، خاصة في الطُرقات المؤدية إلى السيدة زينب. ولا مُشكلة لدى الشاري إن كان البناء قد تعرض لأضرار بفعل القصف والمعارك، فالترميم مُتاح مع تسهيلات مُقدمة من مليشيات السيدة زينب. فضلاً عن ذلك، اشترى التُجار الشيعة فيلات ومزارع في المنطقة.
ووثقت “المدن” دخول وفد لبناني، مؤلف من ثلاث نساء وثلاثة مُعممين، برفقة “المدام”، مطلع تشرين الثاني/نوفمبر، جال على المنطقة ثم توجه للمنتزه، ليجتمع مع عدد من أصحاب المنازل والمزارع. واشترى الوفد مزرعتين وثلاثة منازل. وغالباً ما تُسهل المدام عمليات نقل المُلكية، بغض النظر عن الوضع الأمني للعقار ومالكه السابق، حتى إن كان يحتاج إلى موافقة أمنية للبيع، أو كان عليه حجز احتياطي.
ولا يتوقف الأمر عند العقارات المُراد تحويلها إلى أماكن سكنية للزوار الشيعة، بل وصل التمدد إلى القطاع الصناعي في المنطقة، إذ اشترى تُجار شيعة مصانع في بلدة عقربا المُجاورة، بعدما عجز أصحابها عن إعادة تشغيلها بسبب العجز المادي أو وجودهم خارج سوريا. ومن لم يرغب بالبيع منهم، عُرِضَت عليه شراكة لترميم البناء وتشغيله، مقابل تقاسم الأرباح مع التاجر الذي سيتكفل بعملية الترميم.
مصادر خاصة، أكدت لـ”المدن”، أن عمليات الترميم شملت معمل البسكويت ومعمل غزل البنات، ومعمل العربي للشوكولا، فضلاً عن مصانع للحياكة والخياطة، وعدد من الورشات الصغيرة التي اُغلقت بفعل المعارك.
التمدد العقاري للشيعة جنوبي دمشق، يأتي لاستكمال مخطط بإنشاء ضاحية دمشق الجنوبية، على غرار بيروت. ويبدو أن النظام قد اعطى ضوءاً أخضر لـ”المدام” وأمثالها من أجل استكمال ذلك المُخطط، مع تغاضي الروس عن الأمر، رغم محاولتهم إزاحة الإيرانيين عن دمشق دينياً وعسكرياً.
وأخليت فصائل المُعارضة من المنطقة، في أيار/مايو، إلى الشمال السوري، برعاية روسية. ونُشِرَت الشرطة العسكرية الروسية على نقاط مُراقبة في النقاط الفاصلة بين السُنة والشيعة على تخوم السيدة زينب المجاورة.
مصدر مقرّب من الجانب الروسي في دمشق، أكد لـ”المدن”، أن الروس يعلمون ما يجري في المنطقة الجنوبية من تمدد شيعي واضح، مُشيراً إلى موافقة الروس على الأمر. وأضاف أن تغيّراً طرأ على سياسية التعامل الروسية مع إيران، منذ ستة أشهر. التساهل الروسي الجديد جاء بعد مرحلة امتدت لعام ونصف العام من كبح الجماح الإيراني، واتخاذ إجراءات لضبط عمل المليشيات الأجنبية وفرض سيطرة على أركان الجيش ومطار دمشق الدولي.
مصادر في المصالح العقارية، قالت لـ”المدن”، إن الإيرانيين ينشطون أيضاً لشراء مئات المنازل في أحياء مدينة دمشق، لسوريين غادروا البلاد بلا عودة، بوساطة مُتعاونين محلّيين. في بعض الأحيان تنقل ملكية العقار إلى الوسيط السوري، لضمان موافقة البائع على عملية البيع، ومن ثم يتم بيعه مُجدداً إلى الإيراني أو العراقي أو اللبناني.
المصدر: جريدة المُدن الالكترونية.