أصدرت لجنة التحقيق الدولية للمستقلة بشأن سوريا السبت 15 تموز الحالي تقريراً يسلط الضوء على أنماط التعذيب وسوء المعاملة المستمرة في مراكز الاحتجاز في سوريا بين كانون الثاني 2020 وشهر نيسان الفائت.
واستندت اللجنة في تقريرها الذي جاء تحت عنوان “لا نهاية في الأفق” إلى 254 مقابلة أُجريت مع أشخاص تعرضوا أو شهدوا بشكل مباشر التعذيب أو سوء المعاملة فيما يتعلق بالاحتجاز منها 200 مقابلة لناجين من سجون ومرافق تديرها حكومة النظام السوري أو الجماعات المسلحة.
وركز التقرير على فروع المخابرات الرئيسية التابعة للنظام السوري فضلاً عن السجون التابعة لكل من الجيش الوطني وهيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية.
وأشار إلى تقاعس حكومة النظام السوري عن منع وتجريم الانتهاكات التي تقع في السجون المنتشرة في مناطق سيطرتها إضافة لرصد أساليب التعذيب والانتهاكات التي تجري داخل سجون فروع المخابرات العسكرية “الأمن العسكري” والمخابرات الجوي والأمن السياسي والمخابرات العامة والتي تتخذ من العاصمة السورية مقرات رئيسية لها وتدير فروعاً فب بقية المحافظات منها فرع المخابرات العسكرية “فرع فلسطين” والفرع 261 في حمص والفرع 271 في خان شيخون وفروع المخابرات الجوية في مطارات حرستا وحلب والمزة وكويرس وفروع الأمن السياسي في دمشق وحمص وفروع المخابرات العامة في حلب وخان شيخون في إدلب وفرع الأمن الجنائي بحمص والسجون العسكرية في صيدنايا والبالوني.
ولفت التقرير إلى أن ظروف الاعتقال في سوريا سيئة للغاية وغير إنسانية إذ يتعرض المعتقلون لأشكال مختلفة من التعذيب وسوء المعاملة بما في ذلك الضرب الجسدي والتهديد والاعتداء النفسي إضافةً إلى الابتزاز المالي حيث يُطلب من المعتقلين دفع مبالغ كبيرة مقابل إطلاق سراحهم وخصوصاً من الأشخاص العائدين من الخارج أو المتورطين في تعاطي المخدرات.
وأضاف أن معظم المعتقلين السابقين الذين تمت مقابلتهم في أثناء إعداد التقرير كانوا محتجزين في معتقلات تابعة لمخابرات النظام السوري وظلوا بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة من الزمن دون السماح لهم بالاتصال بأسرهم وأصدقائهم ومحاميهم.
وذكرت اللجنة في تقريرها أن فروعاً مختلفة من إدارة الأمن الجنائي متورطة أيضاً في هذه الانتهاكات على الرغم من أن التقارير عن التعذيب في هذه الفروع أقل نسبياً مما هي عليه في فروع المخابرات الرئيسية.
ويتعرض المعتقلون للضرب المبرح في كثير من الأحيان دون أي سبب أو تفسير حيث يتم بداية عصب أعينهم وشتمهم وضربهم على أجزاء مختلفة من أجسادهم حتى إن بعض المعتقلين يُرْبَطون بلوح خشبي ويتم ضربهم في أثناء تعليقهم.
ويشمل التعذيب أيضاً التعليق من طرف واحد أو طرفين لفترات طويلة “الشبح” أو الطي في إطارات السيارات “الدولاب” مع الضرب المبرح في جميع أطراف الجسم بما في ذلك الأعضاء التناسلية باستخدام خراطيم خضراء أو عصي أو أسلاك أو أدوات أخرى.
وأشار إلى السجون العسكرية التي تشرف عليها الشرطة العسكرية آلاف المعتقلين الذين تم نقلهم بعد محاكمات قصيرة إلى المعتقلات أبرزها سجن صيدنايا العسكري الذي يحجز فيه السجناء بزنازين مكتظة ينقصها الضوء الطبيعي وسط ظروف صحية سيئة وانتشار العث والقمل والنمل والفئران.
وجذرت اللجنة من أنّ نقص الرعاية الطبية في مراكز الاحتجاز هذه ينذر بالخطر بالنظر إلى انتشار الأمراض الناتجة عن سوء النظافة بالإضافة إلى الإهمال الصحي للمحتجزين المصابين بجروح مفتوحة وأمراض جلدية والتهابات حيث يواجهون بالعداء والعنف عند طلب العلاج فالحراس يرفضون طلبات الرعاية الطبية بل يعاقبون السجناء بسبب طلبهم.
وتلقت اللجنة بلاغان عن انتهاكات في سجون أخرى في سوريا على سبيل المثال وصف المحتجزون في فروع المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية أنماطاً مماثلة من التعذيب وسوء المعاملة.
ووصف معتقلون سابقون في مراكز الاحتجاز بمعتقلات النظام أساليب مختلفة للتعذيب وسوء المعاملة بما في ذلك الضرب بأنابيب أو عصي أو كابلات أو أدوات أخرى كما تم ذكر الصدمات الكهربائية وحرق أجزاء من الجسم والعنف الجنسي.
وأفاد المعتقلون بأنهم احتُجزوا في زنازين مكتظة مع نقص الطعام ومياه الشرب والمرافق الصحية كما أفاد بعض المعتقلين بأنهم شهدوا حالات وفاة في المعتقل وقد وثقت اللجنة أنماط التعذيب وسوء المعاملة هذه في الفترة من 2011 إلى 2020.
ويُحْتَجز المعتقلون في زنازين تحت الأرض في ظروف صحية سيئة ينتشر فيها القمل والجرذان والعث حيث تم ذكر فرع فلسطين وفرع الأمن السياسي في حمص ودمشق على وجه التحديد كأماكن تعرض فيها المعتقلون للتعذيب وسوء المعاملة وهي تتناغم مع الأنماط السابقة التي وثقتها اللجنة لا سيما في سجن صيدنايا العسكري حيث تشير شهادات معتقلين سابقين إلى أن هذه الانتهاكات واسعة النطاق ومنهجية في مختلف مراكز الاحتجاز في سوريا.
وسلطت اللجنة في تقريرها الضوء على ارتكاب انتهاكات بما في ذلك التعذيب وسوء المعامل في السجون ومراكز الاعتقال التابعة للجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية وهيئة تحرير الشام وقالت إن هذه الانتهاكات تتوافق مع أعمال التعذيب والمعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة والاغتصاب والعنف الجنسي والاختفاء القسري.
ووفقاً للتقرير يرتكب الجيش الوطني السوري الذي توجد سلطته في أجزاء من شمالي سوريا بما في ذلك ريف حلب وعفرين وشرق نهر الفرات جرائم حرب مثل التعذيب والمعاملة القاسية واحتجاز الرهائن والاغتصاب وأعمال ترقى إلى الاختفاء القسري حيث تحدث هذه الانتهاكات في منشآت مؤقتة أو سرية.
ووثق التقرير ارتكاب انتهاكات في سجون تابعة لكل من فرقة السلطان سلميان شاه وفرقة الحمزات وفرقة السلطات مراد وحركة أحرار الشام وأحرار الشرقية وفيلق الشام وفرقة السلطان محمد الفاتح.
وأدانت اللجنة تورط قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على مناطق في شمال شرقي سوريا بأعمال التعذيب والمعاملة القاسية والاغتصاب والعنف الجنسي والاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لها وبحسب ما شهد معتقلون حدثت هذه الانتهاكات منذ عام 2020.
وبيّنت في تقريرها أن هيئة تحرير الشام التي تسيطر على أجزاء من شمال غربي سوريا بما في ذلك إدلب ترتكب في سجونها أعمال تعذيب ومعاملة قاسية وعمليات اغتصاب وعنف جنسي واختفاء قسري.
وختمت اللجنة تقريرها بالتأكيد على أن هذه الانتهاكات التي يرتكبها كل من النظام السوري والجيش الوطني السوري وقسد وتحرير الشام ليست فقط انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ولكنها تشكل أيضاً انتهاكات للقانون الإنساني الدولي بما في ذلك حظر التعذيب والمعاملة القاسية بموجب الاتفاقية المشتركة في جنيف وفي بعض الحالات قد ترقى هذه الأعمال أيضاً إلى جرائم الحرب.