بحث
بحث
انترنت

قوانين النظام السوري حول الملكية العقارية تسلب ملايين السوريين حقوقهم

النظام السوري سنّ قوانين عقارية متشابكة لضياع المرجعية بين الهيئات التنفيذية المسؤولة عن تطبيقها

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الخميس 25 أيار الحالي تقريراً حول مجمل القوانين التي سيطر بموجبها النظام الشوري على الملكية العقارية والأراضي في سوريا قبل آذار 2011 وبعده.

وبحسب تقرير الشبكة الحقوقية فإنّ المستهدفين في تلك القوانين ينقسمون إلى ثلاث فئات بشكل أساسي هم 12 مليون نازح ومهجر قسرياً و112 ألف من المفقودين والمختفين قسرياً ونحو نصف مليون من القتلى معظمهم لم يتم تسجيل وفاته في قيود السجل المدني.

وأوضح التقرير أن ما صدر من مراسيم وقوانين بعد انطلاق الحراك الشعبي في آذار2011 يعتبر الأشد خطراً على الملكيات العقارية للشعب السوري مشيراً إلى أن هذه القوانين يمكنها أن تطال جميع أبناء الشعب السوري.

وعرض التقرير في البداية مفاهيم عامة حول العقار والملكية العقارية في سوريا بما في ذلك أشكال توثيق وحماية الملكية العقارية ثم قدم قراءة نقدية في القوانين واللوائح العقارية الصادرة عن النظام السوري قبل آذار 2011 وفي فصله الثالث تحدث التقرير عن قوانين التطوير العقاري في سوريا بعد آذار 2011 وانعكاساتها على الملكية العقارية ثم أورد القوانين المتعلقة بالمعاملات والسجلات العقارية.

وبحسب التقرير فإنّ النظام السوري منذ مرحلة حافظ الأسد حاول من خلال استحداث أو تعديل عدد من قوانين التطوير العقاري أن يفرض على المجتمع السوري واقعاً جديداً في كل مرحلة وذلك في محاولة دائمة للحفاظ على الوضع العقاري غير المستقر وللسعي إلى خلق ثغرات يستطيع من خلالها النظام وأعوانه الاستحواذ على الملكيات العامة والخاصة على حد سواء.

وأضاف أنه لهذا نجده حتى قبل الحراك الشعبي في آذار 2011 يسنُّ قوانين مختلفة غرضها الظاهر تنظيم المسألة العقارية والملكيات، لكن هدفها الأساسي هو الاستيلاء على الملكيات العقارية في مختلف أرجاء سوريا وفي هذا السياق تحدَّث التقرير عن الأرضيات القانونية التي أوجدها النظام السوري قبل آذار2011 وكيف استخدمها للاستحواذ على ما يريد وأوردَ أهم القوانين التي تتعلَّق بالملكية والمسألة العقارية.

وعرض التقرير أبرز قوانين التطوير العقاري التي سنها النظام السوري في سوريا بعد آذار 2011 وسلط الضوء على أهدافها. وفي سياق متصل أشار التقرير إلى أنَّ كلاً مِن قانون التطوير والاستثمار العقاري الصادر سنة 2008 وما تبعه من قانون 25 لعام 2011 وقانون التخطيط 23 لعام 2015  والقانون رقم 10 لعام 2018 تتكامل كلها في إطار واحد هو توفير الصيغة القانونية الملائمة للنظام السوري مع حلفائه لاستكمال السيطرة على أملاك المعارضين.

وأشار إلى أنّ صدور العديد مِن القوانين العقارية كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالتطورات الميدانية للصراع العسكري في سوريا بحيث كان النِّظام بعد سيطرته على منطقة ما يقوم بإصدار مرسوم تشريعي مرتبط بالتنظيم العقاري لأجل وضع يده على الأملاك الشاغرة الموجودة في هذه المناطق وتحويلها إلى الموالين له.

وتتبعَ التقرير الخطوات التي قام بها النظام السوري للاستحواذ على الملكيات العقارية من خلال المراسيم التشريعية التي كان يصدرها سواء بخصوص بنية السجلات العقارية أو بخصوص المعاملات العقارية ككل. واستعرض أهم المراسيم والقوانين في هذا الإطار.

ونوّه إلى أن النظام السوري يسعى من خلال ترسانة قانونية إلى تطويق أي حقوق قد يطالب بها العائدون من نازحين ولاجئين في مرحلة زمنية ويهيئ الأرضية لتكون معظم المناطق خاضعة لسلطته المباشرة من خلال الوحدات الإدارية وغير المباشرة من خلال المُرقيين والمتعهدين العقاريين الذين يدينون له بالولاء التام.

ووفقاً للتقرير فقد استخدم النظام السوري أدوات عدة إلى جانب القوانين والتشريعات التي وضعها بهدف السيطرة على الأراضي والممتلكات العقارية وكان من أبرز هذه الأساليب، استغلال النظام للدمار واسع النطاق.

وأضاف أنه تبيَّن في العشرات مِن المناطق التي هاجمها النظام السوري أنَّ التدمير كان هدفاً بحد ذاته لإجبار الأهالي على الرحيل ولإحداث أكبر دمار ممكن ومن ثم نهب المناطق المدمرة والمشرد أهلها والسطو على ممتلكاتهم عبر القوانين التي أصدرها.

وذكر التقرير عن تأثير إشكالية الوثائق المدنية الناقصة على المسألة العقارية لافتاً إلى أن النظام السوري منع مئات الآلاف من معارضيه من الحصول على أبسط حقوقهم التي تكفلها لهم القوانين المحلية والدولية بما في ذلك الحصول على أوراقهم الثبوتية كما أنه اشترط حضورهم الشخصي وهم مشردون داخل أو خارج سوريا ويخشون في حال عودتهم أن يتم اعتقالهم وتعذيبهم.

وأشار إلى إن هذا الإجراء أدى إلى خلق معضلتين أساسيتين الأولى تتمثل في تغييب حقوق جيل كامل من المعارضين الذين قام النظام السوري بتشريدهم أو قتلهم أو إخفائهم قسرياً وجيل ثانٍ ولد في أثناء الصراع المسلح في المناطق التي كانت خاضعة للمعارضة ولم يتم تسجيل الغالبية العظمى من هؤلاء المواليد أو منحهم الهويات الشخصية.

واعتبرت الشبكة الحقوقية أنّ حرمان الكرد من الجنسية السورية كرن إحدى الأدوات التي اتبعها النظام للسيطرة على الأراضي والممتلكات العقارية وقد انعكس ذلك بشكل مباشر على حقهم في التملك العقاري كما تطرق التقرير الى استغلال النظام الصعوبات التي تواجه المرأة السورية في قضايا الملكية والسكن للاستحواذ على حقوقها.

وخلص التقرير إلى أن سيطرة النظام على العملية التشريعية مِن خلال جمعه السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية في يده جعل من القوانين التي صدرت بخصوص الملكيات العقارية سواء خلال مرحلة ما قبل آذا 2011 أو ما بعده تتسم بكونها خادمة لرؤية النظام ومشاريعه في الاستيلاء على الأملاك العقارية للسوريين وبشكل خاص الفئات الثلاثة المشردين والمختفين قسرياً والقتلى غير المسجلين في السجل المدني.

وقال إن معظم القوانين والتشريعات التي سنها النظام السوري بعد آذار 2011 جاءت في إطار واحد هو استغلال حالة النزاع المسلح الداخلي وتسريع عملية الاستيلاء على ممتلكات السوريين المعارضين له وبالأخص منهم الفئات الثلاثة.

وأضاف أن النظام السوري لم يكتفِ بما وضعه من ترسانة قانونية للاستيلاء على أملاك المعارضين بل قام أيضاً باستغلال قوانين غير مباشرة مثل “قانون الإرهاب” لكي يمنع المعارضين والفئات الثلاثة مِن التصرف بممتلكاتهم داخل سوريا من خلال العديد من الإجراءات البيروقراطية التي تجعل من التصرف في الملكية أمراً مستحيلاً.

واستنتجت الشبكة الحقوقية في تقريرها أن معظم القوانين العقارية التي تخص الملكيات هي قوانين متداخلة وغير واضحة بسبب الازدواجية وتنازع الاختصاص وضياع المرجعية بين الهيئات التنفيذية المسؤولة عن تطبيق هذه القوانين ومن هذه الهيئات وزارة الإسكان ووزارة الإدارة المحلية بما فيها مجالس المحافظات والبلديات وإدارة المصالح العقارية ووزارة الدفاع، والهيئات واللجان المحدثة بموجب كل القوانين العقارية.

وأضافَ أنَّ معظم القوانين التي أصدرها النظام السوري بخصوص التنظيم العقاري وإنشاء المناطق التنظيمية خاصة منها قانون 66 لعام 2012 وقانون 10 لعام 2018 جاءت بهدف واحد هو تسريع عملية نقل الملكية العقارية مِن المعارضين إلى جهات موالية للنظام الأمر الذي يضمن للأخير الاستفادة الاقتصادية والسياسية مِن الوضع القائم.

وأكد التقرير بأن النظام السوري ومن أجل ضمان سيطرته المستقبلية على أملاك وأراضي الفئات الثلاثة قام بوضع العديد من العراقيل الإدارية أمام وكلاء وأقارب هذه الفئات منها تعقيد الإجراءات الإدارية كاستخراج شهادات الوفاة للمتوفين واستحالة إثبات الوضعية القانونية للقتلى الذين لا يقوم بتسجيلهم في سجلات النفوس المدنية واستحداث الموافقات الأمنية بالنسبة للاجئين والنازحين.

وخلصَ إلى أن معظم القوانين العقارية التي أصدرها النظام السوري تنتهك العديد من حقوق الإنسان عبر مصادرة الملكيات وزيادة الضرائب والرسوم واشتراط الموافقات الأمنية لكثير من الإجراءات العقارية.

أوصى التقرير المجتمع الدولي والأمم المتحدة بإدانة هيمنة النظام السوري على السلطات الثلاث، وفضح ممارساته في وضع قوانين ينهب من خلالها ممتلكات النازحين واللاجئين والمختفين قسرياً والقتلى غير المسجلين.

كما طالبهم بالتنسيق مع المنظمات الحقوقية لدعم عملية توثيق ما وضعه النظام من مراسيم وقوانين وفضح مدى انتهاكها للقانون الدولي لحقوق الإنسان وإدانة كافة التبعات الناجمة عنها.

وأكد أنه لا يمكن معالجة جذور المسألة العقارية في سوريا مع بقاء النظام السوري؛ لأنه السبب الأساسي وراء التعقيدات التي وصلت إليها، ويبقى الانتقال السياسي هو بداية الحل للمسألة العقارية في سوريا.

ودعا التقرير الدول المانحة والمستثمرين والوكالات الإنسانية العاملة في سوريا إلى إيقاف تقديم أموال للنظام السوري من برامج إعادة بناء وتأهيل الأبنية واستحداث آلية جديدة لذلك حتى لا توظف هذه الأموال في عملية انتهاك حقوق الملكية للقاطنين أو النازحين أو تدعم الكيانات التي تنتهكُ حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.