بحث
بحث
دراجين سوريا الأمل - انترنت

“درّاجين سوريا” فريق يحول دراجاته النارية لخدمة المجتمع

أعضاء الفريق قاموا بمساعدة إحدى الجمعيات الخيرية بطهي الطعام وتوزيعه على الصائمين في ضواحي العاصمة دمشق

يطلق فريق من محبي وسائقي وهواة الدراجات النارية في دمشق على أنفسهم “درّاجين سوريا الأمل” وهو فريق تأسس في العام 2019 لتقديم خدمات إنسانية ولتسخير الدراجات النارية في خدمة المجتمع، بحسب ما عرّفوا عن أنفسهم لموقع رصيف 22.

ويتجمع الفريق في كل يوم رمضاني قبيل موعد الإفطار بحوالي ساعتين ويسمع سكان حي المزة شيخ سعد غرب  دمشق أصوات دراجات نارية كبيرة ويلمحون تجمّعاً لأشخاص يرتدون سترات زرقاء يتوافدون تباعاً إلى حديقة صغيرة في طرف الحي.

وينشغل عدد من المتطوعين في إحدى الجمعيات بوضع اللمسات الأخيرة على “طبخة اليوم” ويرسلون القسم الأكبر ليوزع ضمن نقاط معينة في دمشق كإفطار رمضاني خيري، والقسم الآخر يتكفّل سائقو الدراجات، وهم فريق مبادرة “درّاجين سورية – الأمل” بنقله وتوزيعه، كجزء من خدمة تطوعية يقدمونها كل عام.

ويسأل أحد الدراجين حال وصوله إلى باب الحديقة “لوين المشوار اليوم شباب؟” وهو يركن دراجته السوداء الكبيرة بحركة استعراضية مبتسماً جنباً إلى جنب مع دراجات أخرى، فتتعالى الأصوات بالإجابة “عدرا البلد”، وهي مدينة تقع في ضواحي دمشق الشرقية وتبعد عنها قرابة 25 كيلومتراً.

يتأكد الدراجون من اصطحاب الأغراض اللازمة: “طنجرة الطعام، الصحون البلاستيكية، القفازات الشفافة، والملاعق الكبيرة” وبمرافقة سيارة تحمل كل ذلك ينطلق الموكب المؤلف من أكثر من عشر دراجات نحو وجهته.

وبتنظيم لافت يقطع الدرّاجون الطريق السريع الفاصل بين العاصمة وضواحيها، لا تفارق الابتسامة وجوههم، ولا ينسون تحية بعض سائقي السيارات الذين يبطئون من سيرهم بجانب الموكب وقد لفت المشهد أنظارهم.

وبتنسيق مع بعض الجهات الإغاثية العاملة في عدرا يضع الدراجون “الطنجرة” في أحد شوارع المدينة وينقسمون بسرعة مجموعات: البعض يسكب الطعام في الأطباق وآخرون يستقبلون عشرات السكان الذي بدأوا بالتجمع حولهم بفضول ومعظمهم من الأطفال.

ويحاول أعضاء الفريق قدر الإمكان ألا يذهب أحد “بيدين فارغتين”، يوزعون نظراتهم في أرجاء المكان ويتأكدون من عدم وجود من يخجل من الاقتراب ومع كل صحن يمدون أيديهم به يسمعون عبارة “يسلم إيديكم”، “الله يجزيكم الخير”.

ينتهي التوزيع بسرعة على مرحلتين ضمن شارعين متجاورين ويرتدي الدراجون خوذاتهم ويسرعون للعودة إلى منازلهم قبل وقت الإفطار باتجاه دمشق.

ويشكل هذا النشاط الذي يقوم به فريق الدراجين جزءاً من جهود مجتمعية يبذلونها طوال العام وعلى الأخص خلال شهر رمضان المبارك إيماناً منهم بأهمية العمل المدني والتطوعي في سوريا التي يعيش قرابة 90% من سكانها تحت خط الفقر، وسعياً منهم لتغيير صورة نمطية سلبية انطبعت في أذهان كثير من السوريين عن سائقي الدراجات النارية.

الدرّاجة كوسيلة للخدمة
منذ تأسست مبادرة “دراجي سورية” عام 2019 أخذت على عاتقها “تحويل الدراجة إلى وسيلة لتقديم خدمة مجتمعية” وفق تعبير طارق عبيد مدير المبادرة.

ويضيف عبيد “تغيير الصورة النمطية عن الدراجة النارية في سوريا بأنها إما وسيلة للتنقل أو للعمل أو لأفعال غير محببة مجتمعياً كان واحداً من الأهداف الرئيسية للفريق إلى جانب اهتمامهم بالتطوع في أي مهمة يرون بأن هناك حاجة للدراجة فيها وهي قادرة على تأديتها أفضل من وسائل النقل الأخرى لكونها سريعة وخفيفة الحركة ويمكنها في كثير من الأحيان أن تنوب بكفاءة أكبر عن السيارات مثلاً، وبتكلفة أقل من حيث الوقود”.

وقال “جورج حفتة” وهو المنسق الإعلامي للمبادرة، إنّ من ضمن مهام الفريق توزيع وجبات إفطار بالتعاون مع جمعية “ساعد” الشبابية مستهدفين عائلات وعمال نظافة وعناصر شرطة يستمرون في عملهم خلال وقت الإفطار، وتوزيع مستلزمات خاصة بالمشافي وأسطوانات أوكسجين خلال فترة انتشار وباء كوفيد -19، بالإضافة إلى أنشطة دورية مع دور لرعاية كبار السن والأيتام، وصولاً للتطوع ضمن جهود إغاثية متنوعة عقب زلزال السادس من شباط الفائت في المحافظات السورية المنكوبة مثل حلب واللاذقية.

ولا يُعتبر الانخراط في كل هذه الأنشطة بشكل تطوعي تماماً أمراً سهلاً في سوريا، ويشرح جورج: “لا ننسى أن الوضع الاقتصادي اليوم صعب على الجميع، بما فيهم نحن. مثلاً، لا يمكننا أن نطلب من دراج أن يخرج معنا يومياً لتوزيع وجبات رمضان والأمر يحتاج كل مرة نحو خمسة ليترات من الوقود، الذي يباع اليوم بأسعار مرتفعة جداً نتيجة قلة توفره”.

 لكن روح الجماعة وحب الخدمة يتغلبان على كل ذلك، كما يشرح الدرّاج محمد شيباني ويقول: “بدأت مع الفريق منذ قرابة ثلاث سنوات، ولعل أكثر ما أحبه في أنشطتنا أننا أسرة واحدة وإخوة حقاً. يمكنك أن تلمسي ذلك أثناء مسيرنا اليومي، فإن توقف أحدنا لسبب أو طارئ ما يسارع الفريق بأكمله لنجدته. نحن أخوة أكثر منا رفاقاً، يجمعنا حب الدراجة وحب الخدمة”.

قوانين “صارمة”
يضم فريق “دراجي سورية الأمل” اليوم قرابة ثلاثين من الأعضاء في دمشق وريفها ذكوراً وإناثاً من مختلف الشرائح العمرية والمهن كالأطباء والمهندسين والطلاب والعمال المهنيين ويسعى للتوسع في الفترة المقبلة ليشمل مناطق جغرافية أخرى، إذ يمكن لأي شخص يمتلك دراجة نارية والأهم يتوافق على القيم التي تسعى المبادرة لنشرها أن ينضم إليها.

يقول جورج: “للأسف فإن شرائح واسعة من المجتمع السوري تنظر لمن يركب الدراجة النارية على أنه شخص يرتكب أفعالاً شائنة، منها السلب أو التهريب أو التحرش، والأمر ناجم عن تعميم لا أكثر. لذلك نحرص على التزام جميع أعضاء المبادرة بقوانينها التزاماً صارماً كي نكون فعلاً قادرين على نشر الصورة التي نرغب بها عن ممارسي هذه الرياضة”.

ويضيف حسين باز الله وهو من إداريي الفريق: “يجمعنا أمران لا يمكننا الفصل بينهما: حب الدراجة ومحبة العمل الإنساني، ويستوجب ذلك أخلاقيات وقوانين نرى أنها ضرورية، مثل ارتداء الخوذة والالتزام بالمسير كفريق واحد وبقوانين السير وعدم الإساءة إلى أحد، وخرقها سيؤذي الفريق كاملاً وهو أمر نحرص على عدم حدوثه، ويستوجب فصل الدرّاج بشكل نهائي”.

تجربة جديدة
بعد قرابة خمس سنوات من قيادة الدراجة النارية باحتراف واستخدامها للتنقل وأيضاً للعمل بمجال التدريب على القيادة وخدمة التوصيل قررت كنانة البني أن تختبر تجربة التطوع مع فريق “درّاجي سورية” خلال شهر رمضان وترافقهم في جولاتهم ضمن دمشق وريفها، وقالت البني “أحب الدراجة كثيراً وكذلك العمل التطوعي لذلك تحمست جداً ورأيت أن هذه التجربة الجديدة ستكون ملائمة لي”.

لا تخفي كنانة أن ردود الأفعال عموماً على ركوب الفتيات للدراجة النارية في المجتمع السوري “غريبة” ويمكن أن يتعرضن لكثير من النظرات المستهجنة وربما التعليقات المسيئة، لكن ذلك لم يوقفها يوماً عن ممارسة الرياضة التي تحبها، وعن تحفيز أخريات على ذلك.

تقول: “بالتأكيد فإن الفتيات الدراجات معدودات اليوم في سوريا لكن العدد في ازدياد، وتدريجياً هناك من يطلبن مني تعليمهن قيادة الدراجة، وأنا استطعت تغيير نظرة الناس إليّ، وبات كثيرون يعرفونني سواء من السكان أو حتى رجال الشرطة، ولعل هذا الفريق سيساهم كذلك في كسر هذه الصورة النمطية التقليدية”.

يختم طارق أن فريق الدراجين يجمع بين “هواية ممتعة وخطرة” و”الرغبة بتقديم خدمات دون مقابل وبطريقة مختلفة هي الأولى من نوعها في سوريا”.

ويشير إلى خطوات صغيرة تؤكد أنهم في طريق تحقيق هذه الأهداف، “فاليوم نذهب إلى كثير من الأماكن ليشير الناس إلينا بقولهم أجوا أصحاب الدراجات اللي لابسين أزرق، فنعلم أنهم أصبحوا يعرفوننا ويحبوننا، وتغيرت علاقتنا مع عناصر الشرطة الذين باتوا يعلمون أننا لا نقود دراجاتنا بهدف الإزعاج أو المخالفة وإنما لتقديم عمل إنساني، نسعى لإضافة قيمة أخلاقية لهذه الرياضة وجذب الناس إليها ونجحنا إلى حد كبير في ذلك”.