استعرض تقرير نشرته منصة ميدان الجمعة 14 نيسان الجاري، خمسة أسئلة تناقش عدم انتشار مخدر “الميث الكريستالي” أو “إتش بوز” و”الآيس” و”الثلج” وجميعها إشارة إلى الميثامفيتامين.
وذكر تقرير المنصة القطرية أنّ وسائل إعلام وصفحات أخبار سورية اشتعلت على إثر حادثة مروعة في كانون الثاني من العام 2023 الحالي، حيث أقدم شاب ثلاثيني يسكن في إحدى القرى بشمالي حلب على قتل شقيقه وزوجته وأطفاله الخمسة، ثم تبين فيما بعد أن للأمر علاقة بمخدر الميث الكريستالي الذي ينتشر حاليا في سوريا.
الحادث لم يكن استثناء أو مصادفة فسوريا حاليا من الدول التي ينتشر فيها هذا المخدر بكثافة شديدة لكن الأمر لا يقف عند سوريا، في العراق مثلا ينتشر المخدر نفسه بشكل كبير وكان مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة قد أشار في شباط 2021 إلى أن الميث الكريستالي أصبح المخدر الأساسي الذي يستدعي القلق في العراق، أما في السودان فقد شهد شهر كانون الأول 2022 حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “إلحق ولدك” للتوعية بمخاطر المخدر الذي تغلغل بلا توقف في البلاد.
وليست مصر بمعزل عن الدول السابقة فقد انتشر مؤخرا في صعيد مصر ثم انطلق إلى الدلتا مخدر يحمل اسم “الشابو” وهو الميثامفيتامين كذلك ولا يمكن هنا أن نفوّت حادث “مجزرة الفيوم” حيث أقبل أحد ساكني محافظة الفيوم المصرية على قتل زوجته و6 من أبنائه ثم توجه إلى قسم الشرطة وسلم نفسه لرجال المباحث واعترف بتفاصيل الجريمة ومن بين الاعترافات أنه يتعاطى الشابو.
هل ينتشر في الوطن العربي فقط؟
ربما تظن الآن أن هذا النوع من المخدرات هو ظاهرة عربية خالصة، لكن الحقيقة أن الأمر لا يقف عند الوطن العربي ففي جميع أنحاء العالم زاد استخدام الميثامفيتامين منذ التسعينيات، وأُبلغ عنه باعتباره ثاني أكثر المواد التي تُستخدَم بوصفها مخدرات على نطاق واسع، ولا يتجاوزه إلا القنب فقط.
ففي الولايات المتحدة الأميركية مثلا، كانت نقطة انطلاق الميثامفيتامين في الستينيات والسبعينيات، حيث أُنتِج واتُّجِر به بشكل أساسي من قبل عصابات الدراجات النارية، ومعظمها في كاليفورنيا، والآن بات يوصف بأنه “وباء” مع انتشاره الشديد وتسيده أسواق المخدرات.
وتشير البيانات القادمة من آسيا أيضا إلى مستويات عالية من الاستخدام، اليابان تحديدا لديها تاريخ طويل من إدمان الميثامفيتامين في موجات وبائية بدأت في الأربعينيات من القرن الفائت عندما غمرت المخزونات العسكرية من الميثامفيتامين السوق، ثم ظهرت موجة أخرى في السبعينيات عندما ارتفع الاستخدام بين العمال.
ومنذ التسعينيات انتشرت شعبية الميثامفيتامين في دول شرق آسيا الأخرى، وبحلول عام 2007 كانت 63% من مضبوطات الميثامفيتامين في جميع أنحاء العالم داخل منطقة جنوب شرق آسيا، ويُقدَّر أن نصف مستخدمي الميثامفيتامين في العالم موجودون هناك، وعانت دول مثل تايلاند وبروناي ولاوس والفلبين وكمبوديا من موجات وبائية من المخدر “أكبر سوقين للميثامفيتامين هما أميركا الشمالية وشرق وجنوب شرق آسيا”.
كيف تؤثر الأسعار في انتشار الميثامفيتامين؟
بالطبع هناك أسباب متنوعة لها علاقة بتزايد انتشار المخدرات في مجتمع ما مقارنة بما سبق، ففي الدول التي ذاقت ويلات الحروب أو تلك التي تعاني من ظروف اقتصادية شديدة، ترتفع معدلات البطالة والاضطرابات الاجتماعية، ويفتح ذلك البابَ لانتشار المخدرات، أضف لذلك أن هناك تدخلات سياسية محتملة في هذا السياق، لكن في حالة الميثامفيتامين تحديدا يضاف بُعد آخر لهذه المتوالية يتعلق بطبيعة المادة نفسها.
في تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة صدر في أيار 2022، أعلن عن ضبط أكثر من مليار قرص من مادة الميثامفيتامين في شرق وجنوب شرق آسيا، أضاف التقرير أن عصابات الجريمة المنظمة وفّرت إمدادات كبيرة من الميثامفيتامين أدى إلى انخفاض مستمر في أسعار المخدرات المحتوية عليه بشكل كبير، ما يعني أنه يسهل الحصول عليه مقارنة بالمخدرات الأخرى الأغلى ثمنا.
وكانت إحدى الدراسات الصادرة بدورية “كرايم آند جاستيس” قد رصدت استجابة مباشرة لتغيرات أسعار الميثامفيتامين في مدينة سيدني الأسترالية، حيث كشفت النتائج أن مشتريات الميثامفيتامين تنخفض بشكل كبير مع ارتفاع سعره في سيناريوهات افتراضية شارك فيها أشخاص استخدموا هذا المخدر، فيما أدت زيادة الأسعار بنسبة 10% إلى انخفاض بنسبة 18% وحتى 19% في المبيعات، وفي التجارب نفسها استجاب متعاطو الهيروين للتغيرات في سعر الهيروين بزيادة مشترياتهم بشكل كبير من الميثامفيتامين الذي يعد أرخص حتى مع زيادة سعره.
وقد وجد تقرير صادر عن مؤسسة “راند” الأميركيةعام 2019 أن عدد مستخدمي الميثامفيتامين في الولايات المتحدة زاد من 2.2 مليون في عام 2006 إلى 3.2 مليون في عام 2016، وأن أحد العوامل الرئيسية التي تدفع إلى انتشاره أن سعر الميثامفيتامين يواجه انخفاضا ثابتا في سعر الجرام عاما بعد عام، وقد أصبح الميثامفيتامين الآن أرخص بنسبة 71% على الأقل مقارنة بحوالي عقدين مضَيَا.
هل حقا الميث سهل التصنيع؟
هناك جانب كيميائي في هذا السياق فمقارنةً بأنواع المخدرات الأخرى يسهل تصنيع الميث الكريستالي ومن ثم يكون أرخص فمن السهل نسبيا الحصول على المواد الكيميائية اللازمة لإنتاجه مثل الميثيل أمين أو الإيفيدرين أو السودوإيفيدرين وكذلك المعدات اللازمة لعملية “الطبخ” وهو الاصطلاح الذي يُستخدم للدلالة على عملية تحضيره.
لكن المشكلة الأكبر أن الأمر لا يجري فقط على المعامل المتخصصة التي تبنيها العصابات الكبرى، بل من السهل جدا صناعة الميث في معامل منزلية وفي أي مكان وبمواد يمكن الحصول عليها بدرجة من السهولة، ولا يتطلب تصنيع المخدر أي معرفة أو تخصص، لأنه يُركَّب من مواد معروفة ورخيصة وبنسب وكميات معلومة أيضا، ولذلك رُصد بالفعل تصنيع الميث الكريستالي منزليّا في دول مثل مصر وسوريا والعراق.
بالطبع لا يكون هذا الميث بنقاء الميث المهرب من دول أخرى والمصنّع من قبل عصابات منظمة، لكن مدمن المخدرات في النهاية يستجيب للسعر بشكل رئيسي ولذلك تجد الأصناف محلية الصنع في كل الدول اهتماما واسعا من المستهلكين.
في الولايات المتحدة الأميركية رصد أحد الأفلام الوثائقية إمكانية تحضير الميث في المنزل ومن أدوية البرد المعتادة مع بعض المذيبات التي يمكن أن تجدها في المتاجر.
يؤثر ذلك على كل شيء، بما في ذلك خارطة الانتشار فالعصابات الكبرى تنشر المخدرات في سلاسل توريد ثابتة تنبع عادة من نقطة محددة في كل مدينة، أما إذا صُنع المخدر في المنزل فيمكن أن تكون بؤر انطلاقه متعددة ومنتشرة في كل مكان وعشوائية.
رصدت إحدى الدراسات الصادرة من جامعة ماسي في نيوزيلندا تلك النقطة حيث كشفت أن المدن الصغيرة يبدو أنها تحتوي على نسبة أعلى من الميثامفيتامين مقارنة بمنتجات القنب مثل الماريجوانا أو الحشيش التي يفترض أنها أكثر انتشارا، حيث أفاد 54% من مستخدمي الميثامفيتامين الذين شاركوا في استطلاع اتجاهات المخدرات عبر الإنترنت في نيوزيلندا أن التوافر الحالي للميث “سهل للغاية” مقارنة بـ14% من متعاطي القنب الذين أفادوا بأن الماريجوانا “سهلة للغاية”.
لِمَ الميثامفيتامين تحديدا؟
إلى جانب ذلك، يكتمل سحر الميثامفيتامين بالكيمياء الخاصة بعمله فالمخدر يُسبب اندفاعا سريعا للنشوة في الجسم وشعورا هائلا بالبهجة واليقظة والتحفيز.
سبب هذه النشوة هو إثارة الميثامفيتامين لنواقل كيميائية تثير الجهاز العصبي المركزي، بشكل أساسي “الدوبامين” الذي يُعرَف باسم “هرمون السعادة” في وسائل الإعلام، وأيضا نواقل وهرمونات أخرى مثل النورأدرينالين والسيروتونين، وهي في مجموعها مسؤولة عن تحقيق المتعة والشعور بالثقة والنشاط والتحفيز لتحقيق الهدف والشعور بالمكافأة.
على عكس الكوكايين مثلا فإن جرعة واحدة من الميثامفيتامين تحافظ على هذه التأثيرات لعدة ساعات، وهذا الشعور الرهيب الذي يغمر الجسد مع الجرعة الأولى يجعل المخدر شديد الإدمان إلى حد يمكن معه أن تصبح مدمنا بجرعة واحدة، حيث يُقدِم عليه الشخص لتحقيق الشعور نفسه باللذة مرة أخرى.
ومع استمرار الشخص في استخدام المخدر فإن جسده يتعود على التأثير فيصبح بحاجة إلى جرعات أعلى للحصول على التأثير نفسه ولكن كلما زادت الجرعة ترتفع درجة حرارة الجسم ويرتفع معدل ضربات القلب وضغط الدم ويتطور الأمر لدرجة أن الشخص الذي تلقى الجرعة قد يفقد الوعي أو يموت بسبب انهيار في الدورة الدموية.
لِمَ يرتبط الميث بالإجرام والتدهور الاجتماعي؟
مدمن الميثامفيتامين عادة ما يختبر أعراضا نفسية ليست إلا الصورة الظاهرة لمشكلات عميقة في الدماغ حيث يصاب الشخص بالاكتئاب والقلق والارتباك والأرق ويدفعه ذلك لاختبار تقلبات مزاجية حادة وعادة ما يصبح عنيفا وغير متوقع12.
وهنا تحديدا تظهر المخاطر ففي هذا السياق يُصاب مدمن الميثامفيتامين بجنون الارتياب أو البارانويا حيث يقتنع الشخص بأفكار وهمية غير عقلانية تتعلق بشعوره بالاضطهاد أو الإيمان بالمؤامرات المتعلقة بتهديد محتمل تجاهه (أفكار مثل: أحدهم يريد قتلي) ويصاحب ذلك هلاوس سمعية وبصرية وحسية.
لذلك يرتبط الميثامفيتامين -بشكل أساسي- بالإجرام والتدهور الاجتماعي، وهو -من ثَمّ- يمثل معضلة صحية واجتماعية وسياسية في كل دولة يضربها.
وفي النهاية، فإن مآلات مدمن هذا المخدر تعد أيقونية إذا ما قورنت بآثار المخدرات الأخرى المنتشرة، تعرفه دون حاجة لبذل الكثير من الجهد، حيث تبدو عليه علامات التقدم في السن بسرعة: الجلد يصبح باهتا، القروح والبثور منتشرة على الوجه وفي الجسم ويصعب التئامها، مع جفاف مستمر في الفم، وأسنان متسخة أو مكسورة أو متعفنة.
لهذه الأسباب السابقة مجتمعة وجد تقرير الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة السالف ذكره أن أسواق هذا المخدر آخذة في التوسع في مناطق جديدة وأكثر ضعفا حيث ارتفع عدد البلدان التي أبلغت عن مضبوطات الميثامفيتامين من 84 بلدا في الفترة بين 2006-2010 إلى 117 بلدا في الفترة 2016-2020، وزاد عدد الأشخاص الذين يلتمسون العلاج من الاضطرابات الناجمة عن تعاطي الميثامفيتامين بنسبة 218% من عام 2013 إلى عام 2020.
سوق كبيرة وصناعة سهلة وإدمان في لمح البصر، هي ثلاثة عوامل يمكن أن تجعل من أي مخدر عُملة ذهبية في أيدي المجرمين وسلاحا فتاكا لفئات عمرية هشة تبدأ بالمراهقة وتصل للشباب ومع اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية في منطقتنا العربية، فإن إمكانات انتشاره المستقبلية واسعة إلى حد كبير، وتتطلب تدخلا جذريا من السلطات المختصة.