استدعى “فرع المنطقة” التابع لـ”شُعبة الاستخبارات العسكرية”، القيادي السابق في المعارضة المُسلحة سمير الشحرور المُلقّب بـ”المنشار”، والذي كان له الدور الأكبر في تسليم حي برزة الدمشقي للنظام وتهجير المُعارضة منه نحو إدلب في أيار 2017، وذلك على خلفية دعوى قضائية في “المحكمة العسكرية” رُفعت ضده.
“فرع المنطقة” استدعى “المنشار” في 7 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، على خلفية دعوى قضائية في “المحكمة العسكرية” تقدّم بها المحامي خليل تعلوبة. وتعلوبة مقرب من متنفذي النظام، ولطالما ترافع عن المتورطين منهم في المحاكم السورية والدولية، وكان قد رافق رستم غزالة، رئيس “المخابرات العسكرية” السورية في لبنان 2002-2005، ومساعده جامع جامع، إلى فيينا لمقابلة “لجنة التحقيق الدولية” في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. تعلوبة هو أيضاً ابن حي برزة الدمشقي، وكانت تجمعه برستم غزالة علاقة مُصاهرة.
و”المنشار” من مواليد حي برزة الدمشقي، وقد لمع نجمه في فترة سيطة المعارضة على برزة، لقدرته على إدخال كميات كبيرة من السلاح إلى المنطقة، عبر ضباط النظام. وأسس “المنشار مليشيا خاصة ادعى أنها من “الجيش الحر”، وأصبحت لاحقاً تتبع لـ”اللواء الأول” المدعوم من غرفة الموك. وعمل المنشار في تجارة السلاح والمُخدرات والمحروقات إلى حي برزة، ومنها إلى الغوطة الشرقية، مراكماً ثروة كبيرة، حتى تمكن وشركاؤه من السيطرة على معظم مفاصل “اللواء الأول” وإجبار قادة الكتائب والمجموعات على توقيع اتفاقية “مصالحة” في برزة مع النظام.
الدعوى الذي رفعها تعلوبة ضد “المنشار” هي الاتهام بـ”القتل العمد” لأخيه الصيدلاني في العام 2012 على طريق الحنبلي في حي برزة. حينها، قامت مجموعة مسلحة تابعة لـ”المنشار” باستهداف سيارة الصيدلاني الذي كان برفقة ضباط في قوات النظام، في كمين محكم.
مصادر خاصة أكدت لـ”المدن” أن تعلوبة استند في الدعوى المرفوعة ضد “المنشار” على تسجيلات صوتية تعود لأكثر من ست سنوات، وأحاديث مُتبادلة بين “المنشار” وعناصره عبر الأجهزة اللاسلكية، يأمر فيها “المنشار” باستهداف السيارة مُباشرة.
ولم يكتفٍ تعلوبة بقضية أخيه ضد “المنشار”، بل توكّل عن عائلتي ضابطين قُتلا في الكمين ذاته، وسط دعم كبير من ضباط في “الاستخبارات العسكرية” وبعض المتنفذين في الجهاز القضائي، المنزعجين من ارتقاء سلطة “المنشار” في قوات النظام والدعم المُقدم له “بعد مشاركته بعمليات واسعة ضد الجيش السوري على مدى سنوات”.
إبنة أحد أكبر ضباط “الحرس الجمهوري”، وكّلت تعلوبة أيضاً، لرفع دعوى ضد “المنشار” بتهمة خطفها في العام 2012 وسرقة سيارتها وطلب فدية مالية من ذويها، فضلاً عن التحرّش بها خلال فترة احتجازها لديه. وزاد ذلك من تعقيد قضية “المنشار” المنتسب لـ”الأمن العسكري”، وبات أمر اعتقاله “ضرورياً” بعد حصول المحامي على “مذكرة استدعاء من القضاء العسكري” بحق “المنشار”، بحسب مصادر “المدن”.
مصادر “المدن” أشارت إلى وجود قضايا وتقارير ووثائق أخرى، أرفقها تعلوبة ضد “المنشار”، تؤكد استلام “المنشار” مبالغ مالية كبيرة من عناصره في “الأمن العسكري”، خلال الفترة الماضية، مقابل عدم إرسالهم إلى مدينة ادلب.
وقال مصدر مُطّلع من “شُعبة الاستخبارات العسكرية”، لـ”المدن”، إن مجموعة من الضباط الداعمين لـ”المنشار” حاولوا التدخل في القضية، من دون جدوى، بسبب الدعم الكبير الذي يحظى به تعلوبة من “القضاء والأمن الوطني”، بالإضافة إلى كثرة القضايا بحق “المنشار”.
مصادر “المدن” أشارت إلى أن “أبو بحر”، صديق “المنشار”، حاول الوصول والالتقاء بـ”المنشار” في زنزانته، من دون جدوى، لكنه تمكن من مشاهدة “المنشار” في زنزانة التحقيق بوضعية “الشبح”، وقد تعرض للتعذيب.
وشهدت منطقتا عش الورور وضاحية الأسد، العلويتان في محيط دمشق، فور وصول نبأ اعتقال “المنشار”، حالة من الغليان الشعبي وسط دعوات مُتكررة من ضباط وقادة المليشيات الموالية لذوي الضحايا “على يد المنشار” للتوجه إلى “القضاء العسكري لرفع قضية ضده والمُطالبة بإعدامه”.
وكان “أبو بحر” و”المنشار” قد تلقيا تكريماً رسمياً من قوات النظام ووزارة الدفاع الروسية، بعد محاربتهم تنظيم “داعش” في ريف حماة، وقيادتهما لمجموعات تابعة لمليشيات “درع القلمون”، قبل أن يتم حلها ونقلهما إلى “الأمن العسكري”. وأثار تكريمهما استهجاناً كبيراً من موالي النظام وضباطه، خاصة العاملين منهم على أرض المعركة منذ سنوات، وسط اتهامات كبيرة لوزارة “المُصالحة” والقائمين على ملف برزة بـ”خيانة الوطن والجيش” من خلال تكريم هذه الشخصيات. “أبو بحر” و”المنشار” حضرا اجتماعات مؤتمر سوتشي في روسيا لـ”الحوار السوري-السوري”.
ويحاول عدد كبير من الضباط والنافذين لدى النظام الإيقاع بـ”أبو بحر” و”المنشار”، منذ شهور، بملاحقة أعمالهم وتجاراتهم “غير الشرعية”، بمواد البناء وما يخص “إعادة الإعمار” المحظور حتى الآن في مناطق “المُصالحات”، أو المُساهمة في تهريب مطلوبين نحو الشمال السوري، وفتح قضايا قديمة. لكن عدم وجود الدعم الكافي ضمن النظام للمُدعين على “أبو بحر” و”المنشار” حال دون تنفيذ رغباتهم، بإزاحة من بات في صفهم بعدما حاربهم لسنوات، وسط دعم روسي. “المنشار” كان قد عُيّن رئيساً لـ”المصالحة الوطنية في برزة”، وهو المتهم من موالي النظام بقتل العشرات منهم.
اعتقال “المنشار” في هذه الظروف قد يفتح قضايا إشكالية بحق عدد كبير من ضباط النظام، الذين كانوا على شراكة معه في إدخال المحروقات والأسلحة والذخائر من دمشق نحو الغوطة الشرقية عبر حي برزة، فضلاً عن ضباط ساهموا بتهريب آلاف الناس من حي برزة باتجاه شمال وشرق سوريا، بينهم قياديون في تنظيمي “القاعدة” و”داعش” بين العامين 2014 – 2016. كما ان اعتقاله قد يُشكّلُ فرصة ذهبية لهؤلاء المتورطين مع “المنشار” لتحميله وحده، بعدما بات الحلقة الأضعف، وزر جرائمهم، ودفنها معه.
تخلّص النظام من “المنشار” لن يكون أمراً بالغ الصعوبة، بعدما تم استهلاكه بغرض تسليم برزة والانقلاب على المعارضة ونقل البندقية إلى كتف النظام. ورغم الجرائم المرتكبة باسم المعارضة على يد “المنشار”، إلا إنه يظل جزءاً أصيلاً من النظام عرف كيف يركب الموجة المؤاتية في اللحظة المناسبة. “المنشار” وبالنظر إلى تشابك علاقات “العمل” التي تربطه مع ضباط قوات النظام وأجهزته الأمنية، لم يكن يوماً إلا إبن هذه المنظومة، التي وكما تخلصت من رستم غزالي، لا يضيرها التخلص من “المنشار”.
المصدر: جريدة المُدن الالكترونية.