بحث
بحث
انترنت

نشاط عماني لإعادة النظام السوري إلى الواجهة العربية

قام وزير الخارجية العماني بزيارتين إلى دمشق هذا العام ولم تقطع السلطنة علاقتها بالنظام السوري منذ عام 2011

لم تقطع سلطنة عمان علاقتها بالنظام السوري منذ عام2011 وزار وزير خارجيتها بدر بن حمد البوسعيدي في 16 من تشرين دمشق والتقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في زيارة هي الثانية من نوعها خلال أقل من عام وبحسب ما نشرت منصات “رئاسة الجمهورية” حينها، سلّم البوسعيدي الأسد رسالة من السلطان هيثم بن طارق، تتعلق بـ”العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين”.

سياسة براغماتية
 ونقل موقع “عنب بلدي “عن الأكاديمي فيصل عباس محمد قوله، إن الزيارتين اللتين قام بهما وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي هذا العام لسوريا، تمثلان استمرارًا لعلاقات لم تنقطع حتى بعد أن انحنت عُمان للعاصفة ولضغوط “أشقائها” الخليجيين واستدعت سفيرها من دمشق في عام 2011، مبقية على التمثيل الدبلوماسي في العاصمة السورية دمشق حينها.

وأضاف محمد، أنه بوجه عام اتبعت عُمان سياسة براغماتية حذرة في علاقاتها مع محيطها الخليجي والعربي والدولي، وتبلورت هذه السياسة وترسخت أكثر منذ بداية الألفية الثالثة قبل عقدين.

وبحسب وصف محمد، يسمي البعض هذه السياسة “عدم التدخل في الخلافات والمحاور”، ويلقب عُمان بـ”سويسرا الشرق الأوسط”، والبعض الآخر يصفها بالسياسة “الانتهازية”، مضيفًا أنه من المهم في هذا السياق أن سياستها تجاه النظام السوري كانت منسجمة مع توجهها العام وقد حرصت على عدم قطع جسورها معه.

ولم يكن رفض سلطنة عمان القيام بأي تحرك دبلوماسي ضد النظام السوري كما فعلت دول “مجلس التعاون الخليجي”، أمرًا مفاجئًا، نظرًا للتقاليد والأعراف التي درجت على سياستها الخارجية منذ وصول السلطان قابوس إلى العرش في عام 1970، بحسب دراسة تحليلية، للكاتبان “بريت سودتيك، وجورجيو كافييرو” صدرت قبل عام.

ومنذ عام 1970 لم تقطع مسقط علاقاتها الدبلوماسية مع أي بلد في العالم، وهو ما يندرج تحت إطار “الأعراف والشخصية الوطنية العمانية، التي تركز على الحاجة إلى الحفاظ على حوار سليم وعلاقات دبلوماسية مع جميع الحكومات”.

وأوضحت الدراسة التي نشرت في “مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط”، تسعى عمان الآن بعد “انتصار بشار الأسد بصورة أساسية في الحرب الأهلية (بحسب تعبير المركز)، بالإضافة إلى روسيا والإمارات العربية المتحدة، إلى أداء دور أكبر في مساعدة النظام على الاندماج من جديد في الحظيرة الدبلوماسية العربية الأوسع، وإعادة إعمار بناها التحتية المتداعية”.

لكن القيام بذلك في ظل تهديدات أمريكية بفرض عقوبات على المتعاملين مع النظام السوري، يجبر مسقط على إرساء توازن حذر بين جهودها الرامية إلى كسب نفوذ في دمشق، وبين روابطها القوية مع واشنطن، وفقًا للدراسة.

تعاون روسي عماني
وفي سياق عودة اللقاءات بين النظام السوري وسلطنة عمان، وتكثيف علاقاتهما على أكثر من صعيد، قال الدكتور فيصل عباس محمد، إن العامل الروسي ليس بعيدًا عن التأثير في سياسة عمان تجاه النظام السوري، كما أوضحت زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لعُمان في أيار الماضي، وذلك ضمن جهود روسيا اليائسة لإعادة تأهيل النظام السوري واستدراج المال الخليجي لإعادة إعمار سوريا.

وصرح  وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف وقتها خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره العماني، بدر بن حمد البوسعيدي، في أثناء زيارته سلطنة عمان، أن “الوقت قد حان لعودة سوريا إلى الجامعة العربية”، داعيًا سلطنة عمان إلى الإسهام بشكل فاعل في هذا الأمر.

وأضاف لافروف حينها أن “موسكو تثمّن موقف مسقط الموضوعي والمتزن من الأزمة السورية”، معتبرًا أن عُمان يمكنها أن تلعب دورًا في إعادة سوريا إلى “الأسرة العربية”.

الاقتصاد عامل إضافي
ويرى الدكتور فيصل محمد، أنه يضاف إلى ما سبق في سياق العلاقات الثنائية بين الطرفين، العامل الاقتصادي، إذ أن عُمان تأمل في بعض المكاسب الاقتصادية في سوريا بعد انتهاء الحرب بين النظام وفصائل المعارضة.

وهو أمر أكده تصريح رئيس حكومة النظام السابق، عماد خميس، حين خاطب الوفد العماني الذي زار دمشق برئاسة وزير الخارجية السابق يوسف بن علوي في آب 2015 ، ووعد بأن “أولوية الاستثمارات في سوريا ستمنح لرجال الأعمال من الدول الشقيقة والصديقة التي وقفت إلى جانب سوريا في حربها ضد الإرهاب”.

وبالفعل وقعت سوريا وعُمان في تشرين الثاني 2017 مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الطاقة، واعتبر الطرفان أن ذلك يشكل “نقطة ارتقاء لمشاريع استثمار أوسع في مجالات الثروة المعدنية والسياحة والتنمية”.

لا خشية من أمريكا
عقب الزيارة الأولى لوزير خارجية سلطنة عمان، في كانون الثاني الماضي من العام الحالي، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، معلقًا على الزيارة “تعرفون موقفنا في ما يتعلق بنظام الأسد والأعمال الوحشية التي ارتكبها ضد شعبه، نواصل الاعتقاد أنه الآن ليس وقت التطبيع، ويبقى الوقت لمحاسبة النظام على أعماله الوحشية”.

ورغم التحذير الأمريكي المتكرر، من إعادة علاقات الدول مع النظام السوري، لم تأخذ سلطنة عمان ذلك “على محمل الجد”، ما يثير التساؤلات حول ذلك.

واعتبر محمد أن طمأنة عمان من هذا الجانب، يعود إلى مكانتها كحليف هام للولايات المتحدة الأمريكية ويعتقد أن ذلك يشفع لها لدى “الحليف/الحامي الأمريكي” الذي تربطها به علاقات ومعاهدات عسكرية وأمنية بالإضافة إلى اتفاقية للتجارة الحرة تم توقيعها عام 2006، ولهذا فهي لا تعتقد أن صلاتها بالنظام السوري ستتسبب في غضب أمريكا وحلفائها.

مكاسب النظام السوري
وحول مكاسب النظام السوري من استمرار العلاقة مع سلطنة عمان، ذكر محمد أن أي انفتاح من أي جهة عربية أو دولية تجاهه يعتبر خطوة في اتجاه خروج النظام من عزلته الخانقة، التي يعاني منها منذ أكثر من عقد.

وأضاف الباحث، أنه من جهة أخرى، يسود اعتقاد لدى النظامين العماني والسوري بأن هذه العلاقات بينهما قد تشكّل قنوات سرية لبقية دول الخليج (وبالأخص السعودية والإمارات وقطر) لإعادة التواصل مع النظام السوري.

وقال مسؤولون عمانيون (لم يتم ذكر أسمائهم في دراسة مركز “كارنيغي”، إن السلطنة ترمي إلى تحقيق السلام والاستقرار في سوريا، وإفساح المجال أمام تواصل مباشر ومثمر ومفيد مع الأفرقاء، ثم إلى المنطقة ككل، نظرًا إلى أن السلام يعود بالفائدة على المنطقة في نهاية المطاف”.

وبحسب الدراسة، ربما تترقب دمشق أيضًا تحقيق منافع اقتصادية من خلال الشراكة الدبلوماسية مع سلطنة عمان، التي يمكن أن تؤدي دور القناة الخلفية التي تربط دمشق والدول الخليجية، في ظل افتقار حليفي النظام الرئيسين روسيا وإيران للموارد المالية لمساعدة روسيا في عملية إعادة الإعمار.

ويرى النظام السوري أن الدول الخليجية الثرية كالإمارات والسعودية، تمتلك الموارد الضرورية للاستثمار في إعادة إعمار البلاد.