تشهد الفعاليات الثقافية الإيرانية انتعاشًا في سوريا، رغم انشغال السلطات الإيرانية بقمع المظاهرات التي تنتشر يومًا بعد آخر في مختلف المدن الإيرانية، إثر مقتل الشابة مهسا أميني على يد “الشرطة الأخلاقية”.
وذكر الكاتب نبيل محمد في مقال رأي لصحيفة “عنب بلدي”، أن صفحة واحدة من موقع الوكالة الرسمية السورية للأنباء (سانا) المعنية بالثقافة، استعرضت ثلاث فعاليات ثقافية إيرانية في مناطق مختلفة من البلاد رغم كل ما يجري من أحداث في إيران وقمع للمتظاهرين بانفصال عن الواقع.
أيام السينما الإيرانية
وقال إن أولى تلك الفعاليات هي “أيام السينما الإيرانية” التي أقامتها المستشارية الثقافية الإيرانية في دمشق، والتي عرضت مجموعة من الأفلام القليلة التي تنال رضا المنظومة الحاكمة بإيران التي اعتقلت مؤخرًا ثلاثة مخرجين معارضين لها خلال أيام قليلة، بتهمة الإخلال بالنظام العام، هم جعفر بناهي ومحمد رسول آف ومصطفى آل أحمد.
وأكد أن الأفلام التي عرضت بدمشق هي المنتجات المؤدلجة الرخيصة والتي ترضا عنها الحكومة الإيرانية، ولا يقدم من السينما ذات الخصوصية العالية للمخرجين الذين حضرت أعمالهم في مختلف مهرجانات العالم، ونالت أرفع الجوائز.
وأضاف، لطالما استغل النظام الدكتاتوري الرجعي في إيران السمعة التي نالتها السينما التي ينتجها عمالقة الفن السابع في البلاد، وفتحت عنوان “السينما الإيرانية”، ليعبث مسوّقو الثقافة الرسمية بالتفاصيل، فيغيّبون منتجات الكبار الذين كانت أولى “ثيمات” أفلامهم محاربة القمع الديني الثقافي الذي تمارسه بلادهم ضدهم وضد شعبهم، ويقدّمون أفلامًا تصلح لتسويق أفكار النظام ورؤيته من خلال البؤر الثقافية الجرثومية التي تزرعها إيران في البلدان التابعة، من سوريا إلى لبنان والعراق وغيرها على شكل مستشاريات وملحقيات ثقافية.
مواضيع التربية وتمكين المرأة
وأوضح أنه، بالتوازي مع “أيام السينما الإيرانية”، تلفت الأنظار تلك الفعالية التي قدمتها المستشارية الإيرانية بالتعاون مع وزارة الثقافة السورية في المركز الثقافي العربي بالميدان، والتي تهدف وفق ما نشرته وسائل الإعلام المحلية السورية إلى الترويج للأعمال التجارية النسائية “في المنزل”. كم تختصر تلك الجملة من معاني الانغلاق الثقافي، والقمع المجتمعي للنساء، الذي هو المسؤول الأساس عما يحدث في إيران اليوم، من حراك نسائي بالدرجة الأولى، مناهض لـ”المنزل”، ولفرض الحجاب، والتدخل في الحياة الشخصية لملايين الإيرانيات.
وبحثت شخصية إيرانية تحمل لقب “رئيسة إدارة العلاقات الثقافية الدولية للمرأة في رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية”، سبل وضع سياسات مشتركة إيرانية- سورية فيما يتعلق بالعمل النسائي، ومواضيع تربية الأطفال، وتمكين المرأة.
ومن المفترض أن رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية هذا التمكين هو تمكين منزلي أيضًا، إذا ما خضنا في تفاصيله، سيكون تمكينًا للقيام بالأعمال المنزلية البسيطة، وفي حال سعت المرأة للإنتاج، فإن هذا الإنتاج أيضًا هو حبيس المنزل، الذي تفرضه الثقافة الإيرانية كمكان مفرد لعمل النساء، وتسعى لتعميم هذه التجربة ومشاركة النساء السوريات فيها، على اعتبار أنها بؤرة نجاح، بغض النظر عن الثورة النسائية في شوارع إيران، والتي أول ما تنشده خلاص المرأة من سلطة المنزل.
فعالية للرياضة والموسيقا
وأردف، أن المركز الثقافي الإيراني أقام في اللاذقية فعالية مشتركة مع جامعة “تشرين”، محورها الموسيقا والرياضة، بشكل لا يختلف نظريًا عن الفعاليات السينمائية المقامة بدمشق، فالبلد الذي يسوّق رياضاته وموسيقاه الخاصة، أعدم قبل عامين المصارع نويد أفكاري بعد سجنه وتعذيبه وانتزاع أقوال تدينه بتهمة قتل حارس أمن في أثناء احتجاجات2018. أُعدِم الرياضي على الرغم من محاولات اتحادات رياضية عالمية، وشخصيات سياسية وثقافية لوقف الإعدام. وإضافة إلى أفكاري، واجه أيضًا الملاكم الإيراني محمد جواد فافائي حكم الإعدام، بتهمة المشاركة في تظاهرات 2019 المناهضة للحكومة.
وختم بأن مخرجون وموسيقيون وكتّاب ورياضيون وآخرون من مختلف المشارب، يواجهون أحكام النظام الإيراني الدموي، وتمتلئ السجون بهم، وهو أسلوب اعتاده ذلك النظام، وصدّره لأشباهه في المنطقة، فيما حرص على رعاية الثقافة التي ينتجها بآلاته وكتّابه ومخرجيه التبَّع، ليصدّر أيضًا تجربته الثقافية إلى بلدان الظل التي تحظى اليوم بمجمل الويلات التي كانت لإيران اليد الطولى في صناعتها من بغداد إلى دمشق وبيروت، تلك المدن التي لا بد أن قادتها اليوم ينظرون إلى ما يجري بإيران واثقين من أن النظام الذي يملأ شوارع بلدانهم بالميليشيات، لن يكون قاصرًا عن قمع ما يجري في شوارعه المحلية.