بحث
بحث

كيف وصل الداعشي”أبو حسن كنان” قتيلاً إلى قلعة المضيق؟



طوت قوات النظام بدعمٍ روسيّ صفحة تنظيم “الدولة الإسلامية” جنوبي دمشق، في 21 أيار/مايو، بعد معركة شرسة استمرت 32 يوماً، وأدت لمقتل المئات من الطرفين وتدمير أجزاء واسعة من أحياء مخيم اليرموك والحجر الأسود والتضامن والقدم. العملية العسكرية التي انتهت باتفاقية لإخلاء مقاتلي “داعش” إلى بادية السويداء، دشّنت في المقابل مرحلة جديدة من سيرة التنظيم.

واقع جديد يواجه “داعش” المنهك من معركته الأخيرة والأولى على المستوى الاستراتيجي منذ 4 سنوات من وجوده جنوبي دمشق. التنظيم كان قد استفرد بولاية دمشق وحيداً، إثر هزيمة فرعي التنظيم في الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي عاميّ 2014 و2017، مستقطباً إثر ذلك دعماً مالياً ومعنوياً كبيراً من قيادة “داعش” المركزية، ما مكّنه من تأسيس نموذجه الخاص للحكم وفق منظوره الشامل للحياة في ظل “الخلافة”، محكماً قبضته الحديدية على مناحي الحياة العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية كافة. التنظيم خسر كل ذلك منذ شهر ونصف الشهر، كنتيجة طبيعية لفارق القوة، وانتهاء الدور الذي يتحرّك في إطاره، ومساعي النظام لإنهاء الجيوب الخارجة عن سيطرته في دمشق وريفها.

من جنوبي العاصمة السورية حيث “المدينة” رغم طرفيّتها وهامشيتها، إلى البوادي والصحاري الواسعة، في أرياف السويداء وحمص وديرالزور، نقل النظام “داعش”، ليصطدم التنظيم النامي في ظلال دمشق، بمعطيات الوضع الجديد؛ لا مدن ولا بلدات قابلة للإخضاع، بل المغارات وبعض المنازل المترامية، والرمال الحارقة. ولا مجال هنا بالطبع للحكم “بما أنزل الله”، وإنما متسع من الوقت للقتال والقتل. القتال بحثاً عن الممكن من الحياة في جهنّم الصحراء أو هرباً منها. والقتل بمعنى ديمومة العمليات المسلّحة من كمائن وإغارات على مواقع النظام وغيره في الصحاري الواسعة، ما استدعى انقسام “داعش” إلى ثلاث مجموعات تنفصل عن بعضها بمسافات شاسعة في البادية.

الاستفاقة على الظرف المختلف كليّاً، في ظل معاناة شديدة على المستوى الطبي وصعوبة كبيرة في تأمين مياه الشرب والطعام، دفعت العشرات من مقاتلي التنظيم للبحث عن مخرج عبر خطوط التهريب العديدة. فانطلقت مجموعات من عناصر التنظيم ومدنيين تم إخلاؤهم معه من مناطق سيطرته إلى البادية، باتجاهات مختلفة؛ إلى ريف درعا الشرقي عبر ريف السويداء، قبل بدء العملية الأخيرة على درعا، وأيضاً إلى المناطق المحررة في إدلب، بالإضافة الى مناطق سيطرة الجيش الحر في ريف حلب الشمالي. لكنّ الرمال الوعرة والطرق المخترقة من قوات النظام، أو المدارة من قبله، إضافة لصحوة فصائل الثوار، كانت حائط الصّد في وجه محاولات هروب مقاتلي “داعش”.

فصائل المعارضة المتمركزة في قلعة المضيق من ريف حماة، تفاجأت صباح 22 حزيران/يونيو، بوجود ثلاثة شبّان بوضع صحّي سيء، عند آخر نقطة تفصل حاجز النظام عن الحر في قلعة المضيق. وبعد نقلهم إلى أحد المشافي الميدانية لتلقّي العلاج، تبيّن تعرّضهم للتسمم بمادة شديدة السمّية، ما أدى لمقتل أحدهم بعد وقت قصير. وظهر بعد التحرّي أن القتيل هو الملقب بـ”أبو حسن كنان” أحد قادة التنظيم جنوبي دمشق، والذي تدرّج من منصب مسؤول العلاقات العامة في “جبهة النصرة” إلى المسؤول المالي والعلاقات العامّة في “جماعة الأنصار” في مخيم اليرموك، والتي بايعت “داعش” في العام 2016. وتسّلم “كنان” منصب مسؤول كفالات “أسر الشهداء” من مقاتلي تنظيم “داعش”، منذ منتصف العام 2017. كما عرفت هوية أحد المصابين؛ المدعو “أبو عمر الأميركي”، أحد مسؤولي التنظيم من أبناء مخيم اليرموك، والملقّب بالأميركي بسبب لون بشرته وشعره، وكان مسؤولاً عن حواجز متعددة خلال عمله مع التنظيم، كان آخرها حاجز العروبة الفاصل بين مخيم اليرموك وبلدة يلدا المجاورة، كما شغل قبل ذلك منصب مسؤول مكتب الشكاوى في “داعش”.

مجموعة “كنان” المغدورة على ما يبدو من النظام المُخترِق لخطوط التهريب، ليست الوحيدة من “دواعش” جنوبي دمشق التي حاولت الوصول إلى المناطق المحرّرة. وتمكّنت فصائل الجيش الحر في ريف درعا الشرقي من إلقاء القبض على قرابة 41 شخصاً منهم مقاتلون في التنظيم، ومدنيون، بين 24-25 أيار/مايو، خلال محاولتهم التسلل من ريف السويداء الغربي باتجاه المناطق المحررة بدرعا.

وأعلن حينها “تجمع ألوية العمري” العامل في منطقة اللجاة شرقي درعا، إلقاء القبض على مجموعة من التنظيم مكوّنة من 19 عنصراً، وسبقه “جيش الإسلام” في إلقاء القبض على 22 آخرين في منطقة المليحة الشرقية حاولوا التسلل إلى ريف درعا الغربي عبر معبر صما، وأوضح جيش الإسلام عبر معرّفاته الرسمية أن وجهة المتسللين هي مناطق “حوض اليرموك” التي يسيطر عليها “جيش خالد بن الوليد” المبايع لتنظيم “داعش”.

وعلمت “المدن” من مصادر خاصّة أن عدداً من المدنيين الذين تسللوا مع مجموعات “داعش”، وألقي القبض عليهم من قبل فصائل درعا، أُطلق سراحهم بعد التحقّق من عدم تبعيّتهم للتنظيم، فيما لا يعرف ما سيكون مصير مقاتلي التنظيم، خاصّة المتورّطين بسفك دماء الثوار والمدنيين في جنوب دمشق، في خضمّ المعركة الواسعة التي أطلقتها مليشيات النظام على درعا، وتأثيراتها المباشرة على مسار محاكمة مجموعات “داعش”.

بناءاً على ذلك، وفي سياق الصراع متعدد الأطراف، يصبح من الصعب حقاً معرفة نوايا التنظيم المنتشر في البادية، وخططه المستقبلية، لأسباب كثيرة منها ظرف الوجود المعقّد، بعيداً عن حواضر يمكنه التمركز فيها، إلّا بعض القرى الصغيرة التي لا تحتمل العدد الكبير لمقاتلي التنظيم الذين نقلوا من مخيم اليرموك والحجر الأسود، إضافة لوقوعه تحت أنظار جيوش متعدّدة؛ الأميركي والتحالف في التنف، الروسي وتوابعه في السويداء وصولاً للبوكمال نقطة الوصل المحكومة إيرانياً مع العراق الذي يشنّ ضربات جوية داخل الأراضي السورية، ويسعى لمنع انتقال مقاتلي “داعش” من البادية السورية باتجاه صحراء الأنبار.

ولا يمكن التقليل من قسوة الظرف الحياتي اليومي الذي يواجه المئات من مقاتلي “داعش”، في ظل معاناة شديدة للحصول على الطبابة والمياه والطعام. فهل سيدفع ذلك قيادات “داعش” لعقد صفقةٍ مع النظام لتسهيل مرور مجموعاته باتجاه إدلب، بعد إغلاق خط السويداء–درعا ومنه إلى حوض اليرموك؟ خاصّة مع توعّد النظام بالسيطرة على شمال سوريا، وأهمية استثمار العامل “الداعشي” في تكريس الفوضى الأمنية التي أنكهت الشمال أصلاً، وإشغال الفصائل الدائم بعمليات التفجير والاغتيالات. أم أن الانتظار وترويض الجماعة لتقبّل حياة الصحراء، وترقّب الفرصة المناسبة للتمدد مجدداً إلى المدن، هو الحل الأمثل، الذي ما فتئ التنظيم يروّج له في سياق معارك الكرّ والفرّ، بعدما تراجع رصيد شعار “باقية وتتمدد” وانتهت معه “الدولة الإسلامية” التي وصلت دمشق وبغداد إلى بعض المغارات والقرى المنسيّة.
المصدر: جريدة المدن الالكترونية. 

اترك تعليقاً