استفاق السوريون على صدمة تسليم المعارضة المسلحة في القلمون الشرقي أكبر ترسانة عسكرية لها في ريف دمشق، لقوات النظام، قبل أيام. ترسانة تماثل سلاح فصائل الجنوب السوري مجتمعة، من حيث تعداد الدبابات والمدرعات العسكرية، وفق ما قالته مصادر عسكرية لـ”المدن”.
فصائل المعارضة المسلحة في القلمون، سلّمت نحو 53 دبابة ومدرعة معظمها من من نوع “T-55” و”T-62″، بالإضافة لدبابات من طراز “T-72″، كانت قد استولت عليها في عملية “وأعدوا لهم” ضد “سرية 559” في منطقة خشم الصفا، قرب مطار السين العسكري، مطلع العام 2014.
وقالت مصادر “المدن” إن القائد السابق لـ”جيش الإسلام” زهران علوش، هو من قاد العملية حينها، وذهبت “حصة الأسد” من غنائم السرية حينها لـ”جيش الإسلام” و”أحمد العبدو”، بينما تشاركت “جبهة النصرة” و”أحرار الشام” و”فيلق الرحمن” ما تبقى. حينها استولت المعارضة على 47 دبابة ومدرعة، 18 لـ”جيش الإسلام” و13 لـ”تجمع أحمد العبدو”، و6 لـ”فيلق الرحمن” و4 لـ”أحرار الشام” و3 لـ”جبهة النصرة”، ودبابتين ومجنزرة لـ”جبهة ثوار سوريا” من منطقة وادي بردى.
عدد الدبابات والمدرعات التي استطاعت الفصائل سحبها من موقع “السرية 559″، شكّل 40 في المائة مما كان موجوداً في مستودعات السرية، التي كانت تعد أكبر مخازن الدبابات والمدرعات العسكرية في قوات النظام، وكانت مسؤولة عن تزويد كتائب وسرايا قوات النظام في ريف دمشق بالمدرعات.
وأشارت مصادر “المدن” إلى أن فصائل المعارضة في القلمون، عادت واستولت لاحقاً على عدد من الآليات والمدرعات العسكرية، في سلسلة عمليات نفذتها على مواقع لقوات النظام في جبال القلمون الشرقي.
فصائل القلمون الشرقي سلّمت كل الدبابات والآليات العسكرية، الخميس، لمليشيات النظام. 80 في المائة من تلك المدرعات جاهز للعمل بشكل مباشر، والبعض يحتاج لصيانة متوسطة في رحبات فرق المدرعات لدى النظام كي تعود للعمل بشكل كامل.
وأضافت المصادر أن النظام تسلم فعلياً 42 دبابة ومدرعة من فصائل القلمون الشرقي معظمها في جبال البتراء وأخرى في منطقة الضمير. والدبابات كانت تتمركز في مواقع عسكرية مميزة وموجهة مدافعها إلى المطارات والثكنات العسكرية، إلا أنها لم تدخل أي حرب ضد هذه المنشآت العسكرية التابعة للنظام.
“جيش تحرير الشام” الذي يقوده النقيب فراس بيطار، وحده، رفض تسليم أي نوع من الأسلحة، لقوات النظام، وأتلف 3 دبابات لديه، وأحرق عدداً من السيارات والرشاشات الثقيلة.
الدبابات والمدرعات الثقيلة لم تكن وحدها ضحية التسليم لقوات النظام، بل تسلم النظام أيضاً منصة إطلاق صواريخ باليستية من نوع “ميسلون” و9 صواريخ مُحدّثة من نسخ “زلزال” الإيراني مع عدد من الرؤوس الحربية. تلك الصواريخ والمنصة كانت قد استولت عليها “قوات أحمد العبدو” و”جيش الإسلام” من “كتيبة الستريلا/دفاع جوي”.
وأكدت مصادر عسكرية متعددة أن الصواريخ كانت قد أعطيت بعد الاستيلاء على “كتيبة الستريلا”، عبر وساطة تركية–سعودية، إلى “جيش الإسلام”، وبلغ تعدادها من 14–16 صاروخ، أطلق منها “جيش الإسلام” 3، في حين لم يعمل بعضها الأخر وتم تفكيكه. البقية ظلت في مستودع “جيش الإسلام” في جبل البتراء، حتى تسليمها لقوات النظام.
وقالت المصادر إن من أشرف على عملية إطلاق الصواريخ الـ3، كان حينها ضابط منشق عن “اللواء 155 صواريخ”، منتمٍ إلى صفوف “تجمع أحمد العبدو”، وقام أيضاً بتدريب مجموعة من “جيش الإسلام” على استخدام هذا النوع من السلاح.
الفصائل سلّمت النظام ما لا يقل عن 60 رشاشاً من أنواع 14.5، و23، و57، معظمها مع سيارات من نوع بيك آب شاص، إضافة لأكثر من 10 راجمات صواريخ، بينها ثلاث راجمات لصواريخ غراد بعيدة المدى، وأكثر من 40 منصة هاون، وعشرات الرشاشات الآلية المتوسطة pks، وقواذف RPG.
الكم الهائل من العتاد العسكري، يصبح مزحة إذا ما قورن بالمستودعات الاستراتيجية التي كانت تملكها الفصائل. وعلمت “المدن” أن فصائل القلمون تقسم مستودعاتها إلى 4 أقسام: الأزل في جبل البتراء وهو الأكبر ويخضع لسيطرة “أحمد العبدو”، والثاني في مدينة الرحيبة ويملك “جيش الإسلام” قسماً ضخماً منه، أما الثالث في مدينة الضمير وهو مستودع لقذائف الهاون والذخائر الخفيفة، بينما الرابع قرب جيرود ويخضع لسيطرة “أحرار الشام” و”جبهة النصرة”.
وذكرت المصادر أن هذه المستودعات تحوي على ملايين الذخائر الخفيفة والمتوسطة، ومن المعتقد أنها تزيد عن 4.5 مليون قطعة، إلى جانب وجود مصانع لتصنيع القذائف المحلية كالهاون، والتي تستطيع انتاج أرقام هائلة تقدر بـ”الآلاف”.
وأضافت المصادر أن معظم هذه الذخائر كانت تأتي عبر شحنات شهرية تسمى بـ”القافلة”، عبر الأردن، يتم نقلها إلى البادية السورية، وهي بالأساس مقدمة من السعودية. وتبلغ قيمة الشحنة الواحدة ما لا يقل عن 20 مليون دولار، وهي تأتي بشكل شبه شهري، تتسلمها “قوات أحمد العبدو” التي كانت تنسق مع “الفرقة الثالثة” في قوات النظام، لإدخالها بحجة إن هذه الأسلحة ذاهبة لقتال تنظيم “الدولة الإسلامية” الإرهابي. و”الفرقة الثالثة” كانت تسهل نقل “القافلة” عبر حواجزها، لا بل أن هناك ضابط ارتباط منشق من “الفرقة” كان من يشرف على دخول “القافلة”.
لماذا لم تتلف الفصائل ترسانتها العسكرية الضخمة بدلاً من تسليمها إلى قوات النظام؟ يُقال أن الروس اشترطوا تسليم الأسلحة الثقيلة، لاسيما المدرعات والدبابات، لتسهيل خروج الفصائل إلى الشمال السوري. إلا أن “جيش تحرير الشام” قام بإحراق وإتلاف سلاحه بدلاً من تسليمه لقوات النظام. الفصائل تخوفت من أي عرقلة روسية للاتفاق. لكن ربما كان بإمكانها اتلاف كم كبير من الأسلحة، على كشفها لقوات النظام بهذه الصورة. فالتسليم كان يفترض أن يتم على مراحل متعددة. وبعض العربات والمدرعات سلمت من قبل فصائل تريد “المصالحة” لتصبح نواة قيادة المنطقة بصيغة “أفواج شعبية” مع “قوات النمر”. وهذا ما حصل في الضمير والرحيبة. ضعف اللجنة المفاوضات كان سبباً في تسليم الأسلحة بهذه البساطة.
على سبيل المثال، مقاتلو المعارضة في خان الشيح من غوطة دمشق الغربية، اتلفوا أكثر من مليون ونصف طلقة، ودمروا عدداً كبيراً من الأسلحة الثقيلة، قبل تهجيرهم من المنطقة.
وتعتبر مصادر “المدن” العسكرية، أن القلمون الشرقي بعد عمليات “عواصف الصحراء” “وأعدوا لهم”، تحول إلى حرب ضد “داعش” لإرضاء الدول الداعمة، وابتعدت الفصائل عن مقاتلة النظام بعد اجتماع عُقد نهاية العام 2014. الاجتماع الذي رفض فراس البيطار حضوره، أو الموافقة على مخرجاته. اجتماع القلمون الشرقي الذي ضم قادة الفصائل، بممثلين لقوات النظام من “الفرقة الثالثة” وغيرها. وسبق الاجتماع مجازر ارتكبتها قوات النظام في مدينة الضمير، ما أجبر الفصائل على الدخول بعملية تفاوض. وقد نتج عن الاجتماع صيغة تفاهم لاتفاق وقف نار شامل بين الطرفين، وتسهيلات من قبل “الفرقة الثالثة” لفصائل المعارضة المسلحة، تشمل التنقل عبر القلمون والبادية من حواجز للنظام، واستقبال شحنات الأسلحة، وعلاج مقاتلي الفصائل في مشفى القطيفة الوطني، وكذلك اشترطت قوات النظام على الفصائل منع تقدم تنظيم “داعش” إلى القلمون الشرقي، أي حماية منشآتها العسكرية بطريقة غير مباشرة.
الفصائل لم تكن محاصرة تماماً في القلمون الشرقي، بل كانت قادرة على فتح طرق إمداد عسكري لها. تقول المصادر إنه في منتصف العام 2017 كانت الفصائل قادرة على فك الحصار، عبر تل دكوة إلى قطاع المرج في الغوطة الشرقية، أي عبر عملية مشتركة ضخمة، خاصة وأن الفصائل كانت تملك أفضلية إستراتيجية بسيطرتها على جبال القلمون، وكذلك على المحطة الحرارية والكبل الضوئي الواصل بالمطارات العسكرية. كما أنها كانت قادرة على الخروج باتفاق “تسوية” مرضٍ. لكن قادة الفصائل في القلمون انصاعوا للجهات الداعمة، ولم يكن لديهم أي قرار وطني لدخول أي معركة منفصلة.
العصبية الفصائلية ورفض العمل المشترك والموحد، حتى في غرفة عمليات عسكرية مشتركة، يضاف إلى أسباب فشل فصائل القلمون المعارضة، في الحصول على اتفاق “مصالحة” أقل إهانة، رغم امتلاكها الترسانة العسكرية الكبرى، في الجنوب السوري. “المصالحة الشاملة” اليوم، تعني ضم بعض فصائل المعارضة لمليشيا “قوات النمر” لمحاربة فلول التنظيم.
المصدر: جريدة المدن الالكترونية.