تشهد القيادة العسكرية الثلاثية؛ السورية والإيرانية والروسية، في العاصمة دمشق، تخبطاً على الصعيدين السياسي والعسكري، تزامناً مع التصريحات الدولية باقتراب استهداف النظام بعد استخدامه السلاح الكيماوي في مدينة دوما، آخر معقل للمعارضة السورية المُسلحة في ريف دمشق.
الروس والإيرانيون استبقوا نية الغرب شنّ ضربات عسكرية موسعة، تستهدف مواقع النظام السوري، وبدأوا عمليات إخلاء سريعة ومنظمة لمحتويات وعناصر عشرات المواقع العسكرية في محيط العاصمة السورية.
مصدر خاص، قال لـ”المدن”، إن طائرة أقلعت من مطار دمشق، فجر الخميس، باتجاه طهران، وعلى متنها شخصيات عسكرية وأمنية سورية مهمة.
وأمر الروس بإخلاء عدد من النقاط العسكرية وأماكن التمركز ومستودعات الذخائر الموجودة في محيط الغوطة الشرقية، والتي كان لها الدور الأبرز في الهجمات الكيماوية خلال الحملة الأخيرة للمليشيات ضد المعارضة في الشيفونية وحمورية وسقبا ودوما وحرستا.
وشملت عمليات الإخلاء في محيط الغوطة قسماً من “الفوج 41” القريب من ضاحية الأسد، والذي يُعتبر مركز قصف مهم ونقطة لتجميع العناصر ومقر استطلاع ومراقبة لسير المعارك. كما أخلى الروس محيط محطة تشرين الحرارية التي تحوي نقاط مراقبة وتجميع للقوات الروسية، وهي بوابة البادية السورية من جهة مطار دمشق الدولي.
ونقلت الميليشيات الإيرانية أغلب مستودعات الذخائر والأسلحة من المقرات العسكرية الموجودة داخل مطار دمشق الدولي وفي محيطه إلى منطقة السيدة زينب ضمن أقبية وأماكن في العمق السكني لتجنيبها الضربات المُحتملة.
مصادر خاصة أكدت لـ”المدن” انسحاب المئات من مقاتلي مليشيا “حزب الله” المنتشرين في محيط دمشق والقلمون الغربي نحو الأراضي اللبنانية، من خلال المعابر الشرعية وغير الشرعية، المخصصة لمقاتلي الحزب. ونقلت المليشيا بعض المستودعات إلى إنفاق وغرف تحت الأرض، في سلسلة جبال القلمون التي يسيطر عليها “حزب الله” منذ وقت طويل.
وفي سفح جبل قاسيون المطل على العاصمة، وحيث تتواجد عشرات القطع العسكرية التابعة لـ”الحرس الجمهوري”، ومستودعات أسلحة نوعية وذخائر كبيرة، أجريت عمليات إخلاء خلال الأيام الماضية لمستودعات تم نقلها إلى ثكنات أخرى “غير مقاتلة”، مثل ثكنة الدريج التي يتم فيها تجميع مقاتلي الإحتياط.
مصادر “المدن” أكدت إخلاء “مركز البحوث العلمية” في بلدة جمرايا، بشكل جزئي، إلى مكان مجهول.
مصادر إعلامية متقاطعة أكدت نقل الروس عشرات الطائرات من المطارات المحيطة بدمشق؛ السين والضمير وخلخلة، نحو قاعدة حميميم العسكرية الروسية، خاصة الطائرات الحديثة منها، والتي شاركت مؤخراً في العمليات العسكرية التي استهدفت الغوطة الشرقية.
مصادر عسكرية رفيعة المستوى، أكدت لـ”المدن”، أن اجتماعات يومية تجري على مستويات عالية، في مبنى الأركان، في غرف تحت أرضية، لبحث آلية تجنب الضربات العسكرية والعمل على تقليل نسبة الضرر الحاصل منها إن حصلت.
ومن الشخصيات التي تحضر تلك الاجتماعات اليومية رئيس إدارة “الاستخبارات الجوية” اللواء جميل الحسن، ورئيس مكتب “الأمن الوطني” اللواء علي مملوك، بالإضافة إلى كبار ضباط “الحرس الجمهوري” و”الفرقة الرابعة” وعدد من الجنرالات الروس والإيرانيين.
وأصدر الروس أوامر لكبار الضباط، في المواقع العسكرية التي تم إخلاؤها، بعدم المبيت ضمن تلك المواقع، والخروج منها قبل حلول الليل، وإيقاف الجولات التفتيشية الروسية للمواقع العسكرية مؤقتاً، وسحب كبار الضباط الروس للإقامة في مواقع سكنية بحتة داخل دمشق، بحسب ما قاله مصدر عسكري، في تصريح “غير رسمي” لـ”المدن”، وأضاف: “من المتوقع أن تكون سلسلة الأهداف كبيرة وضمن أماكن غير متوقعة، لذلك تم رفع الجهوزية بالتنسيق مع الروس والإيرانيين، واتخاذ كافة التدابير اللازمة لتقليل الخسائر المُحتملة من تلك الضربة”.
وبدأت أجهزة المخابرات السورية والمليشيات الموالية التي تفرض سيطرتها على أكثر من 250 حاجزاً أمنياً وعسكرياً داخل دمشق وفي محيطها القريب، بتعزيز الحواجز بسلاح فردي وخفيف ومتوسط، وزيادة عدد العناصر، وتعيين ضباط جُدد ليكونوا مسؤولين عنها. اجراءات قد تكون نوعاً من التحضيرات الظاهرية لطمأنة موالي النظام.
مصادر خاصة أكدت لـ”المدن” أن معظم قيادات المجموعات التابعة لـ”كتائب البعث” و”الدفاع الوطني” و”اللجان الشعبية”، جمعت عناصرها ضمن مناطق سيطرتها، وأعلنت النفير العام لصد “الغزو الخارجي على سوريا”، كنوع من التحريض ورفع المعنويات لدى المليشيات التي تُعتبر قوام القوات المُقاتلة على الأرض.
ولم تشهد مدينة دمشق على الصعيد الشعبي أي تحضيرات لتلك الضربة، خلافاً لما جرى في العام 2013 بعد التهديدات الأميركية باستهداف سوريا إثر مجزرة الكيماوي في الغوطة والتي راح ضحيتها أكثر من 1400 مدني وعسكري من المعارضة. حينها شهدت دمشق حركة نزوح كبيرة باتجاه بيروت عبر الحدود البرية، وشهدت الأفران أزمة بشرية خانقة وكذلك الأسواق وبدأت البضائع تنفذ بشكل حقيقي. تلك الظواهر لم تسجل هذه الأيام. أحد تجار الأغذية في سوق باب سريجة، قال لـ”المدن”، إن “المدنيين باتوا يعرفون قواعد الحرب تماماً، وأن تلك التصريحات يمكن أن لا تتجاوز الجانب الإعلامي، وإن تجاوزته ستكون بعيدة كل البعد عن المناطق المدنية والسكنية، ولن تؤثر بشكل مباشر على حياة المدنيين اليومية أو الدوائر الرسمية والأسواق، وأن الشعب بات يعرف تماماً أن الاضطرابات الداخلية تكون في هذه الأوقات من أجل التحكم بالسوق ورفع الأسعار مع بدء نفاذ البضائع”.
وكان مفترضاً أن تشهد الحركة الاقتصادية في الأسواق المحلية، وسعر صرف الدولار، تحسناً ملحوظاً بعد انتهاء النظام وحلفائه من ملف الغوطة الشرقية، لكن تداعيات الهجوم الكيماوي زادت من جمود السوق، وانخفضت عمليات الاستيراد والتصدير، وتراجعت حركة السوق السوداء. سعر صرف الدولار الأميركي عاود الارتفاع ووصل إلى قرابة 475 ليرة سورية، بعدما قارب 400 ليرة سورية منتصف آذار/مارس.