أعلن الجيش الإسرائيلي في وقتٍ سابق من هذا الشهر، إحباطه بالتعاون مع الشرطة محاولة تهريب أسلحة من لبنان إلى إسرائيل. وأعلن أنه فتح تحقيقاً بتورط ناشط بارز في حزب الله، يُدعى الحاج خليل حرب، المعروف، وفق التوصيف الإسرائلي، بتجربته في تهريب المخدرات والأسلحة على طول الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل. غير أن معلوماتٍ جديدة نشرها مركز “ألما للبحوث والتعليم” واعتبرها فائقة الخطورة، تشير إلى دورٍ كبير محتمل بات حرب مسؤولاً عنه لتجنيد الخلايا بهدف تنفيذ عمليات داخل الأراضي الإسرائيلية.
قائد أسطوري
ومع إعلانه عن إحباط عملية تهريب الأسلحة، نشر الجيش الإسرائيلي صورة الحاج خليل حرب ( 62 عاماً )، وسماه “القائد الأسطوري للوحدة 1800 (عمليات لبنان وفلسطين)”، والتي فككت قبل أكثر من عقد من الزمن. وكانت مسؤولة عن الهجمات الفلسطينية على إسرائيل. وذكر الجيش الإسرائيلي أيضاً أن حرب متورط في عمليات تهريب أسلحة ومخدرات من جنوب لبنان إلى إسرائيل، وفقاً لما ترجمته صحيفة المدن اللبنانية.
وحسب مركز “ألما”، عمل حرب مستشاراً أمنياً لأمين عام حزب الله، حسن نصر الله، وقائداً لوحدات مهمة في الحزب إياه. كما تم ربطه بعملية تهريب أخرى في حزيران المنصرم، حين صودرت 15 بندقية وعشرات الكيلوغرامات من المخدرات.
وأسس حرب الوحدة 1800 في تسعينيات القرن الماضي وقادها. وأُطلق على الوحدة اسم وحدة “عمليات لبنان – فلسطين”. وكان هدفها تخطيط وتنفيذ عمليات من قبل المتعاونين في الأراضي الإسرائيلية وقطاع غزة والضفة الغربية. ومن بين أهدافها الأخرى حينذاك، دعم المنظمات الفلسطينية داخل لبنان وخارجه، وتجنيد وتدريب الفلسطينيين لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، الهجوم الذي نفذه فلسطينيان، جندتهما الوحدة 1800 قرب كيبوتس ماتزوفا في آذار 2002. وأسفر الهجوم عن سقوط 6 قتلى إسرائيليين. وأنشأت هذه الوحدة بنى تحتية لعملياتها في الأردن ومصر.
ولتحقيق هدفها المتمثل في تجنيد المتعاونين وتنفيذ الهجمات في الأراضي الإسرائيلية، تعاونت الوحدة 1800 بشكلٍ وثيق مع ما يُسميه المركز الإسرائيلي، “عائلات الجريمة في جنوب لبنان”، التي شاركت بدورها في تهريب الأسلحة والمخدرات إلى إسرائيل.
قائد الوحدة 133؟
ونتيجةً للتغيير التنظيمي لمجموعة عمليات حزب الله في السنوات التي تلت حرب تموز عام 2006، فُككت الوحدة 1800 واستبدالت بالوحدة 133، التي توسع نطاق اختصاصها ليشمل تركيا وأوروبا الشرقية. وقد قاد محمد عطايا هذه الوحدة، بعد أن كان عضواً بارزاً في الوحدة 1800، وخدم تحت أمرة حرب.
ساعد حرب بعد عام 2006 في إنشاء وحدة تُسمى 2800، فدعمت المنظمات الشيعية في اليمن والعراق، وما لبثت أن غيرت اسمها لاحقاً إلى الوحدة 3800. ثم اختفى بعدها حرب عن الأنظار لفترةٍ لا بأس بها. واليوم، في الستينيات من عمره، وبعد أن اكتسب الكثير من الخبرة في العمل مع ما تُسميه الدولة العبرية “عائلات الجريمة”، “لغرض إقامة خلايا إرهابية في إسرائيل”، قررت القيادة العليا لحزب الله أن يعود حرب في الأشهر الأخيرة إلى الوحدة 133، وربما أصبح بالفعل قائداً لها.
ويكمن هدف حرب الأساسي اليوم، حسب المركز الإسرائيلي، في إعادة تأهيل وتقوية البنية التحتية لحزب الله ومن يتعاونون معه داخل الأراضي الإسرائيلية. ويحاول القيام بذلك من خلال إعادة تأهيل البنية التحتية لتهريب الأسلحة والمخدرات على الحدود مع إسرائيل، بالتعاون مع “عائلات الجريمة”، التي يعرفها جيداً منذ أن كان قائداً للوحدة 1800.
وقد أسهب طال بيري، رئيس قسم البحوث في مركز “ألما للبحوث والتعليم”، في مقابلةٍ مع “وكالة أنباء اليهود JNS “، بالشرح قائلاً: “نعتقد أن حرب عاد لأن قيادة حزب الله كانت غير راضية عن الأداء الحالي للوحدة 133. لذا، استدعي إلى الخدمة. والنتيجة هي الارتفاع الأخير في جهود التهريب عبر الحدود في الأشهر الأخيرة. ومن المحتمل أن تكون إسرائيل قد أحبطت عدة محاولات إضافية لم تفصح عنها. على العموم نستطيع القول إن هناك رياح جديدة تهب على المنطقة الحدودية”.
وأضاف: “كما هي حال الوحدة السابقة 1800، فإن الوحدة 133 مسؤولة عن الهجمات ضد إسرائيل، ومجال خبرتها ينحصر في إقامة اتصالات مع الفلسطينيين والعرب الإسرائيليين، وإقامة بنية تحتية إرهابية. وتسعى الوحدة إلى تفعيل الخلايا في الأردن ومصر للعمل ضد المصالح الإسرائيلية هناك، وكذلك ضد المصالح الأردنية والمصرية لأن البلدين في سلام مع إسرائيل ويتعاونان معها”.
عمليات التهريب
ويتطرق تقرير “ألما” إلى عمليات تهريب الأسلحة والمخدرات التي تقع، حسب تعريفهم، في صلب مهمات حرب. إذ يشير أن عبور عمال سودانيين من لبنان إلى إسرائيل، يوفر معلوماتٍ استخباراتية لحزب الله في المنطقة حول أساليب الجيش الإسرائيلي في الرد. وهكذا، يحلل الحزب إياه نتائج عمليات التهريب هذه للتعلم منها والتحضير لعمليات عسكرية تكتيكية مستقبلية محتملة ضد إسرائيل في المنطقة الحدودية.
وإضافةً إلى ما تقدم، يحاول حزب الله نقل الأسلحة والمخدرات (بطريقة بديلة للدفع مقابل المال)، عبر عمليات التهريب المذكورة آنفاً، إلى المتعاونين الحاليين والمحتملين الذين يعيشون في الأراضي الإسرائيلية والفلسطينية. ويجمع هؤلاء المتعاونون المعلومات الاستخباراتية وينقلونها إلى حزب الله، فيما يكون بعضهم مُصَمم للمساعدة في الهجمات وتنفيذها. كما يعتمد نقل الأسلحة والمخدرات على الروابط بين “عائلات الجريمة في جنوب لبنان” ومنظمات أخرى في إسرائيل، تستقبل البضائع المهربة وتسلمها إلى جهات محددة داخل الدولة العبرية.
ووفق استنتاجات المركز الإسرائيلي، هناك طريق تهريب آخر محتمل إلى إسرائيل يُعرف بالمسار “الأردني” الذي يبدأ في قرية شبعا جنوب لبنان، ويمر إلى جنوب سوريا عبر وادي شبعا، ثم إلى مدينة درعا، ومن هناك إلى شمال الأردن ثم غرباً إلى الحدود مع إسرائيل. ويُعتبر التهريب عبر هذه الطريق أسهل نسبياً، لأن الحدود بين هذه الدول أقل أماناً لهذا النوع من العمليات.
من هي العائلات الإجرامية؟
تتعاون الوحدة 133، حسب “ألما” دائماً، بشكلٍ وثيق مع خمسة أشخاصٍ في لبنان يعملون كـ”منصات لعالم الجريمة، إلى عناصر داخل دولة إسرائيل”، وهم:
كايد محمد حسين بيرو، وهو شارك في تشرين الأول من العام 2000 في اختطاف العقيد الإسرائيلي إلشانان تينينباوم. وطوال سنوات عمله، كان كايد يستغل منصته الخاصة بتجارة المخدرات، كما يتهمه مركز “ألما” بمحاولة تجنيد متعاونين في إسرائيل لصالح حزب الله. ومن بين الذين جندهم محمد وأحمد شمالي من قرية الغجر ونسيم نزار من مدينة حولون.
كامل سعيد نهرا، ويصفه المركز الإسرائيلي بأن له تاريخ غني في تجارة المخدرات. وفي عام 2002، قُتل شقيقه رمزي – وهو تاجر مخدرات معروف ومتعاون مع حزب الله – قرب قريته إبل السقي، بعبوة ناسفة وضعت في سيارته. ويُشتبه في أن إسرائيل هي مرتكب جريمة القتل هذه. وبعد وفاة رمزي، أبدى كامل دعمه المطلق لحزب الله، وقال: “علينا الاستمرار في مقاومة إسرائيل، إنه لشرف كبير أن نكون في الصفوف الأمامية للمواجهة”. وشارك كامل في عمليات الضابط في الجيش الإسرائيلي عمر الهيب، الذي أُدين عام 2006 بالتجسس لصالح حزب الله وتهريب المخدرات.
عساف إلياس نجيب عساف ورد اسمه في التحقيقات الإسرائيلية عام 2014 كصلة وصل بين حزب الله وتجار المخدرات العرب – الإسرائيليين الذين شاركوا في التخطيط لوضع عبوة ناسفة. وحسب معلومات نادرة يدّعي المركز أنه حصل عليها، وتعود إلى عام 2015، قضى عساف فترة في سجن لبناني بتهمة تجارة المخدرات. ولكن بمساعدة حزب الله أطلق سراحه قبل أن ينهي محكوميته، على أساس أنه “ساعد في تجنيد متعاونين من الجيش الإسرائيلي باستخدام تجارة المخدرات الخاصة به”.
حاتم رضا شيت، ورد اسمه أيضاً في التحقيقات الإسرائيلية عام 2014 كصلة وصل بين حزب الله وتجار المخدرات العرب – الإسرائيليين الذين شاركوا في التخطيط لوضع عبوة ناسفة. وهو يمتلك اليوم، كما يشير المركز، مقهىً في قرية كفركلا الجنوبية.
جورج ميلاد عبد النمر، الملقب بـ “أبو علي”، ويتهمه المركز الإسرائيلي بأنه قام في آب 2012، بتوريد البضائع إلى المهربين على الجانب الإسرائيلي من الحدود اللبنانية، بمن فيهم سعيد قعموز، وهو مواطن إسرائيلي فر إلى لبنان. وفي العديد من عمليات التهريب هذه لم يكن لدى المهربين الإسرائيليين أي فكرة عن وجود متفجرات وأسلحة في جزء من البضائع. كما ورد اسم النمر في التحقيقات الإسرائيلية عام 2014 كصلة وصل بين الحزب وتجار المخدرات العرب – الإسرائيليين الذين شاركوا في التخطيط لوضع عبوة ناسفة. وكذلك حاول بناء شبكة لتهريب الأسلحة إلى إسرائيل باستخدام الرسائل النصية القصيرة.