بعد رحلة كادت أن تكلفه حياته، نجا الشاب السوري بلال، برفقة 56 شخصا آخرين بينهم نساء وأطفال، من الموت غرقا أثناء محاولتهم الوصول إلى إيطاليا عبر البحر انطلاقا من سواحل ألبانيا، الدولة الفقيرة في جنوب شرق القارة الأوروبية. ولا يزال عدة أشخاص وأطفال يعانون من حروق بليغة ناجمة عن المادة التي تسربت من محرك قاربهم المطاطي.
“يوم الجمعة 8 كانون الثاني/يناير، حان أخيرا موعد رحلتنا إلى إيطاليا. وضبنا أغراضنا وهممنا بالاتجاه نحو الشاطئ عند الساعة السابعة مساء”، كان ذلك يوما ينتظره بلال بفارغ الصبر حسبما قال لمهاجر نيوز.
بعدما هرب الشاب السوري من مدينته درعا الصيف الماضي، خاض رحلة مكلفة محفوفة بالمخاطر داخل بلده سوريا أولا كونه ملاحق أمنيا ومطلوب للالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، ومن ثم عبر الحدود باتجاه تركيا ومنها إلى اليونان عبر منطقة إيفروس.
“لم يكن البقاء في اليونان خيارا بالنسبة لي، فالوضع هناك في غاية السوء”، لذلك قرر بلال إكمال رحلته باتجاه دول أوروبا الغربية بحثا عن الأمان في بلد يضمن له ولأولاده مستقبلا أفضل كما يقول. وبعد 3 محاولات فاشلة، تمكن الشاب العشريني من عبور الحدود البرية المشتركة مع ألبانيا.
ومن ألبانيا، الدولة الفقيرة في جنوب شرق القارة الأوروبية، تطلّع الشاب لعبور البحر الأدرياتيكي أملا ببلوغ إيطاليا. “كنا قد سمعنا عن مجموعة أخرى وصلت إلى جنوب إيطاليا عبر هذا الطريق”. فدفع الشاب حوالي 4 آلاف دولار لمهرب كان قد وعده برحلة مريحة مضمونة إلى إيطاليا “لن تستغرق أكثر من 3 ساعات”.
كان الاتفاق أن يكون عبور البحر على متن يخت آمن من ميناء فلوري إلى إيطاليا التي تبعد حوالي 135 كيلومترا، ويقول بلال “كنت برفقة عشرات السوريين الآخرين في بيت أمنه لنا مهرب. بقينا هناك 17 يوما بانتظار موعد الرحلة. لم نكن نعلم متى الانطلاق وأخذ منا المهربون هواتفنا المحمولة طوال تلك الفترة”.
ساعات من الصراع بين الحياة والموت
وحينما جاء أخيرا خبر موعد الرحلة من المهربين، ذهب السوريون الذين كان من بينهم نساء وأطفال، برفقة المهربين إلى الشاطئ ليجدوا قاربا مطاطيا، “كنا 57 شخصا ومعنا 8 نساء و4 أطفال. كنا نعتقد أن البلم (القارب المطاطي) هو مجرد وسيلة ستوصلنا إلى اليخت كما وعدنا المهربون. صعدنا جميعنا برفقة 3 شباب ألبان سيتولون قيادة القارب، ووضعوا فوقنا شادر لتغطيتنا”.
انطلقت الرحلة وأبحر القارب لحوالي نصف ساعة كانت كافية لكي يكتشف الركاب أن لا وجود ليخت أو سفينة وأنهم سيبقون على متن هذا القارب طوال الرحلة تحت الغطاء، “تعالت الأمواج وضربت مركبنا بقوة، كنا نشعر بهلع شديد وبدأنا بالصراخ فكنا لا نزال تحت الشادر، إلى أن تمكن أحدنا من تمزيق الغطاء بواسطة سكين، كان قد أخفاه”.
بدأت المياه بالتسرب إلى القارب وبدأت محركات القارب بالتعطل، “كنا كلما حاولنا رفع أنفسنا كان المركب يستمر بالنزول. وصلت المياه حتى حنجرتي. كنا على وشك الموت. كنت أشعر أنني أغرق وأختنق بنفس الوقت بسبب مادة تسربت من المحركات وتسببت لنا بحروق بليغة”.
استمر هذ الصراع بتقدير بلال لعدة ساعات، “لحسن الحظ كان أحد رفاقي قد خبأ هاتف محمول استطاع إخراجه واتصل برقم النجدة. كان القباطنة الثلاثة يتكلمون باللغة الألبانية دون أن يشرحوا لنا شيئا، وتكلموا عبر الهاتف لكن لم نفهم كلمة مما يقولون”.
وأوضحت شرطة مدينة فلوري الساحلية في بيان يوم السبت، أن الأمواج ظلت تتقاذف القارب لأكثر من ثلاث ساعات على بعد حوالي 100 كيلومتر جنوب العاصمة تيرانا.
وصلت أخيرا دورية خفر السواحل وتمت عملية الإنقاذ الصعبة بطريقة “غير إنسانية” بحسب بلال، “رموا علينا حبال وكان علينا تسلق مركبهم العالي والأمواج تضرب بنا دون توقف. أحد أصدقائي تعرض لعدة كسور في عظامه أثناء تلك العملية. صعدنا جميعا على القارب وكان معنا أشخاص وأطفال فقدوا وعيهم. كنا نساعد بعضنا البعض فلم يكن على متن مركب خفر السواحل أي مسعف ولم يعطونا حتى مياه للشرب”.
بقي السوريون على متن قارب خفر السواحل لحوالي ثلاث ساعات ريثما عادوا إلى الميناء الألباني في تلك الظروف الجوية المضطربة، “بقينا في ملابسنا التي كانت مبتلة تماما ومليئة بالمادة الحارقة التي تسربت من محركات قاربنا المطاطي. لست قادرا على وصف ما حدث والموقف الذي واجهته لا سيما وأنا أساعد أحد الأطفال على نزع ملابسه بينما كان جلده متضررا بشدة من الحروق”.
بعدما وصلوا إلى البر، نُقل بلال و16 شخصا آخرين إلى مستشفى في العاصمة تيرانا، لمعالجة الحروق البليغة التي تعرضوا لها. وبعد يومين خرج بلال من المستشفى لكنه لم يستعد عافيته تماما كما يقول، “لا زلت أعاني من حروق في أماكن متعددة في جسمي، وأشعر بتوعك”، دون التطرق إلى وضع بلال الصحي الهش، لا سيما وأن لديه إصابة سابقة جراء الحرب في سوريا.
وكان الطبيب الإيطالي بيترو بارتولو، عضو البرلمان الأوروبي حاليا، قد نبه سابقا من خطورة تلك الحروق، وقال في حديث سابق مع مهاجرنيوز إن تلك “الحروق الكيميائية تصيب الكثير من الأشخاص الذين يتعرضون لتلك الحوادث وتبقى آثارها لفترة طويلة، حيث يتم تآكل الجلد نتيجة الوقود ومياه البحر التي تلتصق بثياب المهاجرين لعدة ساعات”.
وقال بلال إن المهربين الألبان الثلاثة صعدوا معهم على متن مركب خفر السواحل، “نعتقد أن المهربين كانوا متفقين مع خفر السواحل. ونحن رأينا حرس الحدود يعطيهم سترات ومن ثم تركوهم يذهبون”.
ويقيم حاليا بلال في مركز إيواء رسمي على أطراف العاصمة غير عالم بمصيره، “لا أعلم تماما ماذا سأفعل، لكني من المستحيل أن أخوض غمار البحر مجددا. لا أصدق كيف بقيت على قيد الحياة بعد ما حدث معنا. كانت لحظات مروعة أقرب للخيال من الواقع”.
وتعد ألبانيا الواقعة على طريق البلقان، محطة عبور رئيسية وممرا بات يتخذه المهاجرون بشكل متزايد في الفترة الأخيرة. وبين كانون الثاني/ يناير 2019 وشباط/فبراير 2020، أوقفت السلطات أكثر من 11 ألف مهاجر على الحدود الألبانية، بزيادة تقدر بعشرة أضعاف مقارنه بالفترة نفسها من عام 2017.
ولفت المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى أن مراكز الاستقبال في ألبانيا تعاني من الاكتظاظ ونقص التمويل وقلة أعداد الموظفين. فعلى سبيل المثال، يفتقر مركز الاستقبال الوطني في بابرو إلى الرعاية الطبية بسبب نقص الكادر البشري العامل، إذ لا يعمل فيه سوى ممرضة واحدة. كما أن هذه المراكز تفتقر إلى الظروف الملائمة لاستقبال الأشخاص كانعدام النظافة وعدم وجود أجهزة تدفئة جيدة إضافة إلى قلة الغذاء.
المصدر: مهاجر نيوز