استأنف كل من اسرائيل وإيران “روتين العنف”، بعد هدوء دام عدة أسابيع بسبب أزمة فيروس “كورونا” التي تسببت في تشتيت القيادتين، حسب ما ذكرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية.
وأشارت “الصحيفة” في تقريرٍ لها إلى أن القوات الجوية الإسرائيلية عادت واستأنفت هجماتها على أهداف إيرانية في سوريا بكثافة أكبر، بمعدل ست هجمات في الأسبوعين الماضيين.
يقسم مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي تورط إيران في سوريا إلى عدة فترات، استمرت الأولى حتى عام 2006، حين اجتمع النظامان بعلاقات قوية، تم توجيهها بشكل رئيسي إلى المساعدة العسكرية لحزب الله على نطاق صغير نسبيًا، في حين امتدت الفترة الثانية من حرب لبنان الثانية في عام 2006 حتى عام 2011، عندما زادت إيران سيطرتها على حزب الله في لبنان عبر الحرس الثوري، وحولت سوريا إلى قناة لنقل صواريخ بعيدة المدى.
المرحلة الثالثة جاءت مع اندلاع “الحرب” في سوريا عام 2011 وحتى عام 2016، تميزت بمساعدة عسكرية مباشرة وغير مباشرة لدمشق في الحرب ضد داعش، عبر حزب الله والميليشيات الشيعية.
وأعقبت المرحلة الرابعة، التي وصفها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق “غادي آيزنكوت”، والمخابرات العسكرية، بأنها “رؤية قاسم سليماني”، حين فهم الجنرال الإيراني أن هزيمة داعش باتت قريبة، حيث كانت تواجه القوات المشتركة للتحالف الدولي، وروسيا وإيران.
أثناء محاولته هزيمة داعش اتخذ “سليماني” خطوة غير عادية، حيث أمر باغتيال “مصطفى بدر الدين” أحد القادة العسكريين الثلاثة الأعلى في حزب الله بسوريا. وتشمل القيادة إلى جانب “بدر الدين”، “طلال حمية” و”فؤاد شكر” اللذان شكلا القيادة الجماعية للذراع العسكري للحركة بعد اغتيال “عماد مغنية”، صهر “بدر الدين”، عام 2008 في دمشق، والذي نسب اغتياله إلى الموساد ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
“بدر الدين” الذي كان لسنوات في مرمى المخابرات الإسرائيلية، قاد قوات حزب الله في سوريا منذ بداية “الحرب الأهلية”. وبسبب العدد الكبير من الضحايا في صفوف مقاتليه (أكثر من 2000 قتيل وآلاف الجرحى)، طالب “بدر الدين” بتقليص وجود حزب الله في سوريا.
ونتيجة لمطالبة سليماني بمواصلة إرسال مقاتلي حزب الله إلى المعركة، ازداد التوتر بين الاثنين، وفي أوائل مايو 2016 استدعى “سليماني” “بدر الدين” إلى اجتماع في أحد مكاتب فيلق القدس قرب مطار دمشق الدولي، شربوا الشاي وتناولوا المرطبات وحاولوا توضيح الخلاف بينهما، ولكن بعد فوات الأوان، وفي مشهد يذكرنا بعملية المافيا غادر “سليماني” الغرفة ودخل حراسه الشخصيون وأطلقوا النار على “بدر الدين” من مسافة قريبة بمسدساتهم.
كانت رؤية “سليماني” تدور في إطار استغلال هزيمة داعش من أجل تحقيق هيمنة إيرانية إقليمية، وهو ما سعى له الحرس الثوري وميليشيات المرتزقة الشيعية والمتطوعين من باكستان وأفغانستان والعراق، بقيادة سليماني وضباطه، إلى إقامة موطئ قدم إيراني كبير في اليمن والعراق وسوريا.
خطط سليماني بقوة للانتشار في سوريا، واستيطان 100 ألف مقاتل شيعي لإيواء قواعد جوية وقواعد استخبارات ومواقع صواريخ موجهة إلى إسرائيل، وجلب الآلاف من المعلمين إلى سوريا لتعزيز علاقتها الشيعية بطهران.
ومن أجل تحديث نظام الأسلحة الإيرانية في سوريا، وأنظمة حزب الله في لبنان، خصص سليماني حوالي 100 مليون دولار لمراكز الدراسات العلمية والبحثية، المعروفة أيضًا باسم CERS.
في الماضي، عمل العلماء خلف قيادة “حافظ الأسد” وابنه “بشار” في هذه المراكز لتطوير أسلحة بيولوجية وكيميائية. في الوقت الحاضر يعملون هناك على تطوير الصواريخ السورية والإيرانية، وتحسين تقنيتها. ويقال إن سلاح الجو الإسرائيلي هاجم مواقع CERS عدة مرات خلال “الحرب الأهلية”، وكان آخرها قبل أيام قليلة في السفيرة، في منطقة حلب.
وقامت القوات الجوية الإسرائيلية بمنع جهود سليماني مراراً لنشر قواته في سوريا، والشروع في تطوير صواريخ دقيقة في لبنان، وبناء بنية تحتية وإنشاء نقطة انطلاق لحزب الله لفتح جبهة ثانية في مرتفعات الجولان. اضطر سليماني إلى تقليص قواته في سوريا في وقت مبكر من عام 2019
وجه اغتياله في بغداد في أوائل عام 2020، في عملية أمريكية جريئة، ضربة خطيرة لهيبة طهران وسمعتها يضاف إلى ذلك العقوبات الأمريكية التي تقوض الاقتصاد الإيراني، والانخفاض الكبير في أسعار النفط، وأزمة فيروس “كورونا” التي تسبب الخراب في البلاد. ووفق التقديرات، ربما يوجد حاليًا 20000 مقاتل شيعي في سوريا وبضعة مئات من القادة والمستشارين الإيرانيين، وحوالي 2000 مقاتل من حزب الله.
ترى مؤسسة الدفاع الإسرائيلية الآن فرصة لإخراج إيران من سوريا، في هذه الأثناء تقوم إيران بنقل بعض قواعدها من دمشق إلى الشرق، بالقرب من الحدود العراقية، وذلك لإبعادهم عن إسرائيل وهجماتها، كما يُلاحظ أن “إسماعيل قاني”، الذي خلف “سليماني”، لم يستطع ملئ مكانه بعد.
إيران في مفترق طرق وتنتظر بشكل رئيسي نتيجة الانتخابات الأمريكية في نوفمبر. ولم تتخل عن خططها في تحدي إسرائيل، حيث أطلقت إيران الشهر الماضي بنجاح أول قمر صناعي عسكري لها في المدار، ومع الخوادم الأمريكية، فشلت إيران في اختراق مواقع المياه الإسرائيلية المدنية. من المتوقع أن تنتقم إسرائيل بشن حربها الإلكترونية الأكثر تقدمًا قريبًا، ولكن إيران فوق كل شيء لا تزال ملتزمة باستراتيجيتها ورؤيتها وأهدافها العليا الثلاثة: الحفاظ على النظام الإسلامي، تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، تحقيق الهيمنة الإقليمية ومحاولة الحصول على الأسلحة النووية كوثيقة تأمين.