يكاد يكون من شبه المؤكد وصول كوفيد-19 إلى سوريا، غير أن المعلومات المتعلقة بمدى العدوى محجوبة تماماً عن العالم الخارجي، حيث تزعم الحكومة السورية رسمياً عدم وجود حالات مؤكدة، ولكن يبدو أن صدق هذه المزاعم غير محتمل نظراً لانتشار الفيروس عبر جميع الدول المجاورة لسوريا.
التحركات السكانية، بما في ذلك المسؤولين والمقاتلين رفيعي المستوى، متواصلة بين سوريا وإيران، حتى بعدما أصبحت إيران ثاني أكثر الدول تضرراً في العالم. وفي 10 آذار/مارس، صرّح وزير الصحة الباكستاني أن ستة مواطنين باكستانيين ثبتت إصابتهم بالفيروس بعد عودتهم من سوريا، وحتى 11 آذار/مارس، تقدّر بعض الشائعات عدد الإصابات بالفيروس بأكثر من 2,000 حالة.
وأعلنت الحكومة السورية في وقت لاحق عن تدابير وقائية شاملة، بما في ذلك تعليق الدوام في جميع الجامعات والمدارس، ولكنها أكدت عدم وجود حالات إصابة بالفيروس.
وتقول ديانا ريس، الباحثة في مجال الصحة العامة في جامعة كاليفورنيا، بيركلي: “إن الوضع في سوريا ميؤوس منه للغاية أصلاً؛ فالحاجة كبيرة جداً، وإذا تفشّى وباء في سوريا لا سيما في الشمال الغربي حيث يعيش الملايين في ملاجئ في الهواء الطلق دون الحصول على الرعاية الطبية فسوف تكون لدينا كارثة إنسانية خارج نطاق السيطرة”.
وأشارت إلى أن “أهم شيء فيما يتعلق بالصحة العامة هو الوقاية وليس رد الفعل”. ولهذا السبب، فإن إنكار الحكومة الحالي لوجود حالات إصابة داخل سوريا سيتمخض عنه نتائج عكسية خطيرة، لأنه يحول دون اتّخاذ أي إجراءات فعالة لاحتواء الفيروس، وقد يحدّ أيضاً من حصول سوريا على موارد الطوارئ من مانحين خارجيين.
ومن الصعب تحليل ردّ الحكومة دون مزيد من المعلومات التي يمكن التحقق من صحتها لتقديم صورة أوضح لما يحدث. ولكن من المرجح أن الحكومة تفرض رقابة على المعلومات إلى حد كبير لتقليل الانتقادات حول قدرتها على التعامل مع الأزمة.
وفي الوقت الحاضر، لا يوجد سوى مختبر واحد في دمشق مخصص لفحص كوفيد-19 في البلد، في حين أن 57 مستشفى عاماً فقط (67 بالمائة) تعمل بطاقتها الكاملة داخل سوريا. وبعد تسع سنوات من الحرب، هناك نقص في البنية التحتية الصحية الحيوية والمعدات الطبية والأدوية، وكذلك عدد الأطباء والممرضات في جميع أنحاء البلد، وحتى قبل أزمة كوفيد-19، كانت قدرة الحكومة على اكتشاف الأمراض المعدية والحدّ منها غير كافية على الإطلاق.
وأشار طبيب كان قد عمل داخل مستشفى الأسد، أحد أكبر المستشفيات في سوريا، إلى أن المنشأة كانت تستخدم مجموعات أدوات اختبار معيبة وأدوية منتهية الصلاحية لفحص وعلاج حالات الإصابة بفيروس إنفلونزا H1N1 طوال فترة الحرب.
وإن إنكار الوباء ومحاولة التستر عليه لا يُعدّ سابقة من جانب الحكومة السورية. حيث انخفضت تغطية اللقاحات داخل سوريا بشكل حاد مقارنة مع مستويات ما قبل الحرب من حوالي 80% إلى أقل من 50%، مما أدى إلى ظهور وانتشار الأمراض المعدية التي تم القضاء عليها أو احتواؤها في الماضي، حيث عاودت حالات شلل الأطفال الظهور مرة أخرى في دير الزور في تشرين الأول/أكتوبر 2013، بعد 18 عاماً من القضاء على هذا المرض في البلد.
وكانت المحافظة، التي كانت آنذاك تحت سيطرة المعارضة، قد استُثنيت (على الأرجح تحت ضغط الحكومة) من حملة منظمة الصحة العالمية للتطعيم ضد شلل الأطفال في العام السابق.
وبدورها، نفت دمشق في البداية وجود الفيروس، لكن تم فحص حالات وتأكيدها بسرعة من قبل المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) والسلطات التركية. وبحلول نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2013، كانت منظمة الصحة العالمية قد اعترفت علانية بتفشي المرض، وبحلول أيار/مايو 2014، أعلنت بأن شلل الأطفال بات يشكّل حالة طوارئ صحية عالمية.
واضطرت الحكومة السورية إلى العمل مع منظمة الصحة العالمية في حملة إقليمية للتطعيم ضد شلل الأطفال للتخفيف من الأزمة، غير أن موقف دمشق في هذا الجهد دليل مقلق على استعدادها لاستخدام الصحة العامة كسلاح ضد المعارضة.
وتعرّضت منظمة الصحة العالمية في سوريا لإعاقة منعتها من تنفيذ حملة التطعيم في المناطق المحاصرة والخاضعة لسيطرة المعارضة حيث يُشترط عليها الحصول على الإذن من الحكومة السورية للعمل داخل البلد، ثم تم تشكيل فريق عمل مكافحة شلل الأطفال من قبل ثماني منظمات غير حكومية سورية وإقليمية، بما في ذلك وحدة تنسيق الدعم والجمعية الطبية السورية الأمريكية، من أجل توفير اللقاحات في المناطق التي يتعذر على منظمة الصحة العالمية الوصول إليها، مما ساعد على وقف تفشي المرض، ولكن الحكومة السورية واصلت استخدام الأزمة ضد السكان من المعارضة.
في عام 2017، على سبيل المثال، قامت الحكومة السورية على الأرجح بشن هجوم على مرفق لتخزين اللقاحات في منطقة الميادين بدير الزور، مما أدى إلى تدمير ما لا يقل عن 140,000 جرعة من اللقاحات. وكانت الميادين بمثابة مركز تفشي مرض شلل الأطفال الجديد قبل ذلك ببضعة أشهر فقط، وإن التناقضات المماثلة في استجابة سوريا لفيروس كوفيد-19 واستخدام الأزمة كسلاح من خلال الإهمال هي أمر وارد في السياق الحالي.
تقول ريس: “إن القضية الرئيسية داخل سوريا هي عدم وجود نظام صحي موحد يمكنه زيادة الاستعداد والاستجابة في جميع أنحاء البلاد وفي حين بذلت منظمة الصحة العالمية في سوريا جهوداً سريعة وجديرة بالثناء لدعم وزارة الصحة السورية في التحضير لتفشي فيروس كورونا – عن طريق إعداد وحدات الحجر الصحي وتوفير الإمدادات الطبية وإجراء التدريبات – إلا أن جميع جهودها لا تزال محدودة بالمناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
وفي مناطق المعارضة، تقع الاستجابة لتفشي الوباء مرة أخرى على كاهل منظمات الاغاثة السورية والإقليمية. وتواجه هذه المنظمات عقبات هائلة – ألا وهي الكارثة الإنسانية واسعة النطاق التي تربك أصلاً جهود الإغاثة؛ حيث نزح أكثر من مليون شخص، والكثير منهم يعيشون في ملاجئ مؤقتة وفي الهواء الطلق؛ في حين أن الحملة المتعمدة ضد المرافق الطبية من قبل القوات السورية والروسية دمّرت 84 مستشفى ومرفقاً طبياً منذ كانون الأول/ديسمبر 2019.
وأجبر وباء فيروس كورونا العالم على إدراك أن الصحة العامة للمجتمع العالمي هي مسألة مترابطة. وينبغي أن توفر هذه الأزمة لروسيا والصين حافزاً كافياً لإنهاء الجهود التي تبذلانها للحد من تدفق المساعدات الدولية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، وتمرير قرار من مجلس الأمن الدولي لإعادة السماح بعمليات توصيل المساعدات عبر الحدود من الأردن والعراق التي تم إغلاقها مؤخراً.
ويجب على الدول الغربية أيضاً تقييم العقوبات الحالية التي قد تعوق، بشكل مباشر أو غير مباشر، توصيل المعدات واللوازم الطبية الحيوية إلى داخل سوريا، كما يجب على بقية المجتمع الدولي العمل بسرعة لزيادة المساعدات والموارد، ليس فقط لأنشطة منظمة الصحة العالمية في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، ولكن أيضاً للمنظمات غير الحكومية التي تعمل بين فئات السكان الأكثر ضعفاً في الشمال.
وأخيراً، تقع على عاتق منظمة الصحة العالمية ووكالات الإغاثة الدولية الأخرى التي تعمل مع الحكومة السورية مسؤولية التصدي للمعلومات المضللة التي تروّج لها الحكومة السورية. وبدون تحرك سريع من المجتمع الدولي، سيكون انتشار فيروس كورونا في سوريا كارثياً للبلاد والمنطقة، وسيعيق الجهود العالمية لاحتواء فيروس كوفيد-19 على المدى الطويل.
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة