أحالت حكومة النظام ملف العقارات المجمدة والمستثمرة من قبل القطاع الخاص سابقاً، إلى مجلس الشعب قبل قرابة السنتين، والذي أعطى بدوره صلاحيات لكل جهة حكومية بالتصرف بالعقارات حسب الحاجة، ما دفع الوزارات والمحافظات والبلديات آنذاك، بفرض شروط جديدة على المستأجرين والمستثمرين، رفعت بموجبها الإيجارات بنسبة قدرت بعشرات الأضعاف، في محاولة منها للاستفادة من ريع تلك العقارات قدر الإمكان.
ملكية واستثمار:
تعتبر وزارة التموين، والمؤسسة السورية للتجارة التابعة لها، متصرف رئيسي بآلاف العقارات العامة، منها المئات في أحياء العاصمة دمشق وأسواقها، تتضمن محال تجارية ومستودعات ومخازن، كانت في معظمها تتبع للمؤسسة العامة للخزن والتسويق، ثمانينات القرن الماضي، ومنها كان يتبع لمديرية المطاحن، وأخرى للمؤسسة السورية للمطاحن.
وتتوزع العقارات التابعة للوزارة في مناطق الشعلان والمالكي والصالحية والمزة وشارع الحمرا وشارع بغداد، وأخرى في الميدان وكفر سوسة، وهي في معظمها محال تجارية مستثمرة في الوقت الراهن من قبل تجار الألبسة والأغذية وغيرها.
انخفاض الإنتاج في تلك المنشآت، وإغلاق عدد كبير منها، دفع وزارة التموين للبحث عن طرق تمكنها من إدخال مبالغ مالية للوزارة عبر هذه العقارات، فأقدمت على عرضها للاستثمار الخاص، إلا أن انخفاض بدل الاستثمار المطروح، أتاح للكثير من التجار وأصحاب المهن من أصحاب الكسب المقبول الدخول في تلك الاستثمارات، كونها البدل المطروح يقل عن المنشآت الخاصة في المناطق ذاتها.
عقود وهمية ونسبة من الأرباح:
فور اقتراح طرح المنشآت للاستثمار، شكل وزير التموين لجنة تضم عدد من موظفي الوزارة، برئاسة المدير العام للمؤسسة السورية للتجارة، تم تكليفها بإتمام مشاريع الاستثمار وتنظيم العقود اللازمة، علماً أن طرأ العديد من التغييرات على أعضاء اللجنة.
وفي متابعة ملف استثمار عقارات الوزارة، تبيَّن أن اللجان نظمت العديد من العقود الوهمية مع التجار وأصحاب المهن، أدرجت فيها قيمة الاستثمار السنوي مبالغ لا تتجاوز المليون ليرة، في حين تقاضت اللجنة مبالغ تفوق تلك المدونة على العقود.
وفرضت اللجان المكلفة ذاتها، ضرائب بنسبة 8% من قيمة مبيعات التجار والمستثمرين، إلى جانب بدل الاستثمار المتفق عليه، وسط حملات تفتيش متكررة تجريها بين الحين والآخر للتحقق من الحسابات وجداول المبيعات، في طريقة أشبه بطرائق مراقبة مشاريع القطاع العام، بحسب مصادر صوت العاصمة.
وأكَّدت المصادر أن العقود المنظمة تتراوح مدتها بين 3 إلى 5 سنوات، إلا أن العقود تضمنت مرفقات تمنح اللجان الوزارية صلاحيات التدخل بالمبيعات والأرباح العائدة للتجار من الاستثمار دون التنويه للتجار والمستثمرين، مؤكدةً أنها تضمنت أيضاً شروط تُلزم المستثمر بدفع المستحقات حال اتخاذ قرار بنقض العقد.
فخ للتجار بين العقود والوعود:
أحد مستثمري محلات السورية للتجارة في منطقة الصالحية قال لـ “صوت العاصمة” إنه وقع عقد استثمار قانوني مع أحد موظفي السورية للتجارة، لمدة ثلاث سنوات، ببدل مالي يُقدر بـ 4 ملايين ليرة سورية سنوياً، وبدفعة مقدمة لسنة واحدة، على أن يتم تجديد العقد بشكل سنوي، ليتم احتساب المبلغ المقدر صعوداً أو هبوطاً كتقييم تجاري.
وأشار المستثمر إلى أنه حصل على تعهد شفهي من موظف السورية للتجارة المنظم للعقد، بحمايته من دوريات التموين وحماية المستهلك، إضافة لمنحه الصلاحية ببيع كافة البضائع دون قيد أو شرط، إلا أنه وبعد ترميم العقار وافتتاحه، بدأت الدوريات تتردد إليه لطلب كشوف المبيعات والحسابات المالية.
وتابع المستثمر: “أبلغني الموظف المسؤول عن تنظيم العقد عند اتصالي به، أن نسبة السورية للتجارة ستكون 8% من المبيعات، وأن لجانهم ستتردد إلى المحل للاطلاع على سير المشروع”، مضيفاً أنه ومنذ بداية العام القادم سيصبح دفع البدل المقرر بالدولار الأمريكي، أو ما يعادله.
عدي (مستعار) أحد المستثمرين في منطقة الكورنيش بحي الميدان قال لـ “صوت العاصمة” إن موظفي السورية للتجارة ضمنوا له إمكانية العمل بالبضائع التركية أثناء تنظيم العقد، وأنهم قدموا له الوعود بحمايته من التموين وحماية المستهلك أيضاً، إلا أن الوضع لم يكن كالاتفاق المبرم بعد ثلاثة أشهر على بدأ العمل، حيث تعرض للابتزاز من قبل موظفي المؤسسة بالاشتراك مع دورية تابعة لمديرية التموين.
وأضاف عدي: “بعد فترة قصيرة من انطلاق العمل، بدأت دوريات الجمارك والتموين وحماية المستهلك تتوافد إلى المحل التجاري، لطلب كشوف بالمبيعات والحسابات المالية، فحاولت الاتصال بالموظفين اللذين نظمت العقد معهم، فكان جوابهم بأني صاحب الاستثمار والمسؤول عن وجود بضائع أجنبية في ضمن مشروعي”.
وبحسب عدي فإن الدوريات قامت بمصادرة البضائع، وفرضت عليه غرامات مالية باهظة كمخالفة للتعامل بالبضائع الأجنبية، مؤكداً أن موظفي السورية للتجارة أرسلوا الدوريات إليه عمداً، على غرار العديد من التجار المستثمرين للعقارات ذاتها.
عقوبات لمقدمي الشكاوى:
مستثمر آخر في منطقة المزة بدمشق، وقع في فخ العقود ذاته، فسعى للوصول إلى وزير التموين لتقديم شكوى ضد الموظفين المنظمين للعقود، إلا أنه فشل في ذلك.
وقال المستثمر إنه تلقى تهديدات من قبل الموظفين بإخراجه من المتجر وفسخ العقد، مع تغريمه ببدل الاستثمار المتبقي بموجب العقد، وأخرى بمصادرة بضائعه وطرده من المتجر بتهمة التهريب.
وأكَّد المستثمر أن الموظفين رفعوا قيمة النسبة لـ 10% بدلاً من 8%، وأن بدل الاستثمار سيتم احتسابه على سعر صرف الدولار الأمريكي، كعقوبة لمحاولته الوصول إلى الوزير.
بضائع مهربة برعاية مسؤولي المؤسسة:
أحد موظفي المؤسسة السورية للتجارة قال لـ “صوت العاصمة” إن مديرو المؤسسات التابعة للوزارة، وموظفي القطاع التمويني فيها، يعمدون إلى بيع البضائع المهربة المصادرة من متاجر في محافظات أخرى لمستثمري العقارات، بعد تغيير المواصفات، مؤكداً أنهم يقدمون أسعار أقل من قيمتها في الأسواق المحلية.
وأشار الموظف إلى أن دوريات الجمارك والتموين تتقاسم المصادرات، ليتم بيعها للمستثمرين في محلات السورية للتجارة، بعد تقديم وعود بالحماية، لتبدأ فيما بعد عملية الابتزاز وإرسال دوريات أخرى لفرض الإتاوات أو مصادرة البضائع وبيعها لمتاجر أخرى.
وأكَّد الموظف أن الوزارة لم تتلقى أي شكوى حتى اليوم، وأن جميع العقود الموجودة في أرشيف الوزارة مخالفة وهمية تخالف العقود المنظمة مع المستثمرين، مشيراً إلى أن المسؤولين عن تنظيم العقود يتلقون مبالغ تقدر بملايين الليرات من تلك الاستثمارات سنوياً.
وبحسب الموظف فإن معظم المحال المخصصة لبيع الألبسة والأحذية والأغذية والاكسسوارات التابعة للمؤسسة السورية للتجارة، وبينها وكالات ألبسة شهيرة في دمشق، تتعامل بالبضائع الأجنبية والتركية المهربة، بالتنسيق مع لجان المراقبة وموظفين في وزارة التموين.
اعداد: الكسندر حدّاد
تحرير: أحمد عبيد