كثيرا ما تشكل تربية الأبناء في ظل ثقافتين مختلفتين تحديا للآباء المهاجرين. وفيما يخفق البعض في تحقيق التوزان بين الثقافتين، ينجح آخرون مثل المهاجرة السورية عهد رايمر وزوجها الألماني، فما سر نجاحها وهل يمكن للأمهات الأخريات الاستفادة من تجربتها؟
“كوني صديقتهم المقربة” هذه هي الوصفة السحرية التي تتبعها المهاجرة السورية عهد رايمر في تربية أبنائها في ألمانيا ولم تبخل بها على الأمهات وأمهات المستقبل، خاصة من يعشن في بلاد المهجر. عهد أم لطفلين، خالد (14عاما) ودينيز التي لم تكمل عامها الأول. وصلت عهد إلى ألمانيا هربا من الحرب في بلادها عام 2015 رفقة ابنها خالد من زوجها الأول الذي انفصلت عنه قبل عشرة أعوام. بعد وصولها بفترة تعرفت على زوجها الألماني، الذي أحب ثقافتها وتعرف على دينها عن قرب واعتنقه عن قناعة قبل زواجهما. تزوجت عهد منه 2017 وأنجبت فيما بعد طفلتها دينيز.
تحاول عهد نقل تجربتها في تربية الأبناء في ظل ثقافة ومجتمع مختلفين إلى الأمهات المهاجرات للاستفادة منها عبر صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي “انستغرام“. تتقاسم أفكارها وأساليبها التربوية مع متابعاتها من الأمهات. وعن فكرة مشاركتها تقول لمهاجر نيوز: “فتحت صفحتي لنقل تجربتي بالأخص إلى الفتيات اللاتي قد يتخوفن من الزواج من أجنبي بسبب الاختلافات الثقافية والدينية وتأثيرها على تربية الأبناء مستقبلا”. وتضيف أنها تعرضت “للكثير من الانتقادات بسبب زواجي من ألماني وأردت من خلال صفحتي على انستغرام كسر الأحكام المسبقة وتسليط الضوء على تجربتي من خلال نقلها لفتيات أخريات”. ترى عهد أنه في زمن “السوشيل ميديا” قد كثر التزييف والكذب وهي أرادت أن تنقل تجربتها كما تعيشها في الواقع.
السر يكمن في التفاهم بين الزوجين
في بداية زواجها استطاعت عهد التأقلم بسرعة مع نمط حياة زوجها، الهادئ والبسيط، وهو بدوره “استطاع التأقلم مع عاداتي وتقاليدي العربية بسرعة، وأنا تأقلت مع طباعه وحياته الهادئة والبسيطة. والسر في ذلك هو تقبل محيطه لي من جيرانه وأصدقائه واحتضانهم لي وكأني فرد من عائلتهم. لهذا لم أواجه يوماً صعوبة مع زوجي ومحيطه المختلف عني”، تقول عهد مثنية على زوجها وتجربتها.
وعن الصعوبات التي تواجهها في تربية أبنائها في ظل الاختلافات الثقافية الموجودة بينها وبين زوجها الألماني، تقول لابد من مواجهة بعض الصعوبات. لكن ليس من ناحية الاختلاف الثقافي وإنما لأن ابنها البكر يمر حاليا بمرحلة المراهقة، وتكشف عن طبيعة بعض النقاشات التي تحدث بينها وبين زوجها حول تربية الأبناء وتقول “النقاشات التي تحدث بيننا غالبا ما تخص نوعية العقاب للأبناء وكيف نعلهم احترام كلامنا وتنفيذه، وخاصة فيما يتعلق باستخدام الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية والوقت المسموح به. أحيانا تحدث بيننا نقاشات مزعجة لكنها غالبا ما تكون بسبب ضغط العمل ولا تستمر أكثر من دقائق ليعود الوضع لطبيعته”. أما فيما يخص التربية فهي وزوجها متفاهمان على ذلك ولزوجها الدور الأساسي فيها، وتضيف: “زوجي إنسان متفهم للغاية وحنون ويحترم طريقتي في تربية أبنائي وله الدور الرئيسي في ذلك”.
وتحكي عهد عن أول أسلوب اتبعه زوجها مع الأبناء وهو عدم التحدث باللغة العربية أثناء تواجده بالبيت وتقول إنه كان تحديا بالنسبة لها لأن مستواها في اللغة الألمانية حينها كان ضعيفا، لكن باتباعها هذا الأسلوب استطاعت تعلم اللغة الألمانية في وقت قصير نسبيا.
بسبب حفاظها وزوجها على التوازن في تربية أبنائهما وحرصهما على اللجوء إلى الحوار مع بعضهما البعض، والاستفادة من ثقافتهما المختلفة لتحقيق أفضل النتائج في تنشئة طفليهما التنشئة السليمة، فإن ابنها خالد يتكلم أربع لغات، كما أن ابنتها الصغرى دينيز تتجاوب مع اللغتين العربية والألمانية وهي ولم تكمل عامها الأول بعد.
الصداقة مع الأبناء
بعد العادات والتقاليد الإيجابية من الثقافتين العربية والألمانية، التي تحرص عهد وزوجها على ترسيخها في نفوس أبنائهما، تأتي مسألة المعتقد والدين، التي تقول عهد إنها وزوجها لا يختلفان عليهما مطلقا ولم تواجه أي صعوبة من هذه الناحية، لأن زوجها مسلم ويحترم جميع الأديان. بل حتى أنه حريص على ذلك، وتقول لمهاجر نيوز “حتى ابني عندما ينسى موعد صلاة هو من يذكره به”.
ورغم رضى عهد وزوجها عن أسلوبهما في التربية، إلا أنهما يقرآن باستمرار الكثير عن طرق تربية الأطفال وعن احتياجاتهم ونفسيتهم. كما يفضلون اتباع أسلوب الصداقة مع الأبناء، لأنه حسب رأيهما الأسلوب الأنجع في الوقت الحالي. وتقول عن ذلك “كل أسبوعين على الأقل نصطحب الأطفال إلى أحد المطاعم أو المنتزهات وبالأخص ابني، ونحاول التحدث معه في كل شيء كأنه صديق لنا ونجعله يشعر أنه صديقنا بالفعل حتى لا يضطر لإخفاء أمر عنا في يوم من الأيام وأحيانا يتولى زوجي وحده مهمة مرافقته ومعاملته كصديق”.
الحوار الدائم بدل العقاب التقليدي
لا شك أن تربية الأبناء من أكثر التحديات التي تشكل ضغطا متزايدا على الآباء المهاجرين في ألمانيا وخاصة من الجاليات العربية المسلمة. فلماذا يواجه آباء صعوبات في تنشئة أبنائهم في مجتمع مختلف عنهم، بينما قد ينجح بعضهم مثل عهد في تحقيق التوازن؟ هشام عبيدي، مرشد ومدرب تربوي بمركز الشباب والأطفال في مدينة باد هونيف، يرى أن المفاهيم التربوية لا تختلف من بلد إلى آخر باختلاف المراجع الثقافية والدينية والمستوى التعليمي فحسب، وإنما قد تختلف طرق التربية من عائلة لأخرى، حسب ما عاشه الآباء من تجارب سابقة. وأن الاشكالية تكمن في اختلاف التربية الشرقية عن التربية الغربية، التي تعرف تدخلا أقل من طرف العائلة والجيران، وتأثيرا أكبر من المدرسة والجمعيات و النوادي التي ينخرط فيها الأطفال في سن مبكرة، ويقول لمهاجر نيوز “هذا ما يشكل في بعض الأحيان عائقا أمام الآباء الشرقيين المقيمين في الغرب، والذين يتشبثون بهويتهم وبمبادئهم التربوية ويحسون بخطر ضياعها وسط مجتمع غربي يختلف عنهم في المرجعية الدينية والأخلاقية”.
وهل هناك قوانين تمنح الآباء صلاحيات تربوية مثل تحديد ساعة توجه أبنائهم للنوم أو كيف يجب أن يكون شكل هندامهم أو مع من يقيمون علاقات صداقة؟ على ذلك يجيب يجيب عبيدي بأنه ليس هناك قوانين تتعلق بالهندام أو تحديد ساعة النوم أو نوعية الأصدقاء، وهناك أصوات تتعالى من أجل منع ارتداء الحجاب للفتيات في المرحلة الابتدائية. ويضيف المرشد الاجتماعي بأنه “للآباء والأمهات صلاحيات واسعة فيما يتعلق بتحديد أوقات الدخول إلى البيت أو نوعية الملابس التي يرتديها الأطفال. وهناك بعض القوانين الهدف الأساسي منها حماية اليافعين، تخص مثلا وقت ارتياد الملاهي الليلية، والسن القانوني لشراء وتناول المشروبات الكحولية والسجائر”.
ويرى عبيدي أن التربية على اختلاف مراجعها إرث إنساني اشتركت فيه أجيال وحضارات كثيرة، انبثقت عنه ما نسميه الآن بالتربية الحديثة التي “تتجاوز مفهوم العقاب التقليدي وتعوضه بالحوار الدائم والتفاعل الإيجابي والتشجيع المستمر الذي يساهم في بناء شخصية سوية”.
المصدر: مهاجر نيوز