بحث
بحث

خطوط حمراء في سوريا قد تُدخل روسيا بحروب لا تنتهي

تزامن تراجع الوجود الأميركي في شمال شرق سوريا مع الاتفاق التركي الروسي الأخير الذي عقد سوتشي، والذي أفضى إلى تعزيز دور موسكو كأحد أبرز شركات الوساطة الحاسمة في سوريا، بالإضافة إلى امتداد وجود جيشها وجيش دمشق عبر شرق نهر الفرات، الأمر الذي يحدث للمرة الأولى منذ العام 2015، في ظل طموحات بوتين بإعادة إحياء أيام مجد الاتحاد السوفياتي.

وكان الجيش الروسي قد شارك في الحرب السورية في سبتمبر من العام 2015، بناء على طلب الرئيس السوري بشار الأسد، حيث استطاع الروس مساعدته باستعادة الأراضي المفقودة غرب نهر الفرات باستثناء مناطق عفرين وجرابلس والباب، وذلك من خلال القوة الروسية الجوية الساحقة التي قصفت معظم المدن التي سيطرت عليها فصائل المعارضة السورية بناء على سياسة الأرض المحروقة كالغوطة الشرقية، وريف حلب الشرقي، وتدمر، وحمص، وتم طمس هذه المدن بشكل عشوائي.

العمليات الجوية الروسية قدرت بحوالي 34 ألف طلعة جوية، دمرت أكثر من 96 ألف هدف بحلول نهاية العام 2017. الضربات الروسية الجوية التي استمرت لمدة عامين ترافقت مع مشاركة ضئيلة للمشاة الروسية، بالإضافة إلى دور استشاري خفيف المستوى.

اتفاق سوتشي الأخير قلب موازين المعادلة، وأعطى روسيا حصة الأسد لجهة التواجد على الأراضي السورية، حيث ستعقد دورات مشتركة روسية تركية، وروسية سورية على طول الحدود التركية وفقا للبند الخامس من الاتفاقية، كما سيبدأ الجنود الروس بالقيام لأول مرة بدوريات شرق الفرات، الأمر الذي من شأنه إثارة قلق موسكو، خاصة وأن المنطقة هناك تعتبر خارج نطاق راحة الجنود الروس.

ويتخوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من اندلاع تمرد استقلال إسلامي، لا سيما في الشيشان التي يسيطر عليها، ناهيك عن القوقاز التي لقتن روسيا درساً قاسياً في الماضي.

وادعى الرئيس الروسي في مسألة الغارات الجوية الروسية العشوائية عام 2015، بوجود أكثر من ألفي مقاتل من روسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة على الأراضي السورية، وبأفضلية بقائهم في سوريا بدل العودة إلى روسيا وتهديد أمنها. ويعتقد أن عدد المقاتلين من أصول روسية تضاعف في العام 2017 ليبلغ 4000 مقاتل.

ومن المتوقع تعرض المشاة الروسية إلى عدد أكبر من الهجمات لا سيما بعد زيادة عدد جنودها في مختلف أنحاء سوريا، خاصة بعد استنزاف الجيش السوري خلال سنوات الحرب الثماني، الذي جعل فرض سيطرة النظام السوري على مناطق المعارضة أمر صعب، ما سيدفع موسكو لإرسال جنودها إلى تلك المناطق، وهذا يعزز احتمالية تعرض أولئك الجنود لهجمات.

هجوم واحد فقط بعبوات محلية الصنع، وإصابات روسية عديدة لبوتين قد تعيدنا بالزمن إلى أفغانستان في الثمانينات والشيشان في التسعينيات فمثل هذا المأزق قد يؤدي إلى تمرد آخر في الوطن، لا سيما في منطقة القوقاز المضطربة التي تشكل كبرى نقاط الضغط الذي يراقبه أصدقاء بوتين مثل رمضان قديروف.

وتتألف المشاة الروسية، التي من شأنها القيام بدوريات مشتركة على الشريط الحدودي التركي، من 300 عنصر من الشرطة العسكرية الروسية، وينحدر هؤلاء من الشيشان، أكبر المناطق السنية في روسيا.

وتشكل المشاركة المتزايدة والمستمرة في الحرب السوريا استنزافاً للاقتصاد الروسي المتعثر أصلاً، لا سيما بعد سيطرة أميركا على حقول النفط في دير الزور، الأمر الذي يشير إلى أن بوتين لا يملك الكثير من “الغنائم في سوريا”، ولا يستطيع الاتكاء على حليفته إيران التي تنفق ما بين 6 و8 مليار سنوياً لضمان بقاء الأسد، وقد ظهرت تبعات هذه المسألة أثناء احتجاجات الإيرانيين الذين طالبوا دولتهم بالخروج من سوريا.

اضطرت موسكو لقطع مساعدات التعليم، والرعاية الصحية، والصناديق الاجتماعية، وغيرها من المساعدات التي تقدمها لشعبها بسبب الانخراط في الحرب السورية، ولم تقف عند هذا الحد، بل تدخلت عسكريا في جورجيا، وأوكرانيا، وشبه جزيرة القرم التي استثمر فيها الكرملين أكثر من 5 مليار دولار في مشاريع البنى التحتية، بما في ذلك الطرق، والمستشفيات، والمدارس، كما أهدر بوتين أموالاً طائلة في فنزويلا للحفاظ على بقاء نيكولاس مادورو في السلطة من أجل الإبقاء على الاستثمارات الروسية التي تقدر بحوالي 25 مليار دولار هناك.

ويرى المحللون في بلومبيرغ إيكونوميكس أن الأرقام الموجودة أعلاه إضافة إلى العقوبات الناجمة عن غزو شبه جزيرة القرم، والتي تسببت بتراجع الاقتصاد الروسي إلى حوالي 6%، أفقدت بوتين إرثه الداخلي، ما دفع المواطنين الروس إلى النزول للشارع، في ظل تدهور الاقتصاد، والفساد، والحقائق الديموغرافية الكئيبة، وارتفاع سن التقاعد، وقد انعكست الاحتجاجات على حزب روسيا المتحدة، حيث مني بوتين بخسائر كبيرة في الانتخابات البرلمانية لمدينة موسكو، وسط عمليات قمع للمعارضة الروسية، بحسب مجلة ناشونال إنترست الأمريكية.

ووفق استطلاع للرأي العام، أجراه مركز البحوث في الدولة الروسية، 33% فقط من الجمهور وضعوا ثقتهم ببوتين، وهذه النسبة هي الأدنى منذ العام 2006.

وعلى الرغم من اعتقاد البعض بأن بوتين هو “الشريف الجديد في سوريا، إلا أن انسحاب ترامب من شمال شرق سوريا، إضافة إلى طموحات بوتين في القوة العظمى، قد يكونا عنصرين أساسين في حصول حرب في الداخل الروسي عما قريب.