تولي أوروبا قيمة كبيرة لتعدد اللغات والتنوع اللغوي فيها، بيد أن التركيز لايزال منصبا أكثر على اللغات الأوروبية، وينظر إلى استخدام اللغات الأخرى أنه عائق أمام الاندماج. غير أن هناك أدلة تثبت أهمية اللغات الأصلية للمجتمع.
اللغة هي المفتاح لكل شيء”، تقول اينغرليز سالتر، وهي معلمة في مدرسة غريمس تاسكولن، بالقرب من العاصمة السويدية ستوكهولم. وتتابع “إنها وسيله للتواصل مع الأصدقاء، لتكون جزءا من مجتمع جديد”.
من جهتها تتفهم ديما البالغة من العمر ست سنوات هذا الأمر تماما، ففي أيلول/ سبتمبر الماضي، كانت بداية أول يوم لها في المدرسة الابتدائية في مدينه كولونيا بألمانيا. وفي الوقت نفسه، يحتفل أيضا آلاف الأطفال الآخرين بهذه المناسبة السعيدة مع أهاليهم.
واحدة من الأشياء الجميلة الخاصة ببداية الدراسة هي إعطاء كل طفل نفس البداية، بغض النظر عن خلفيتهم الثقافية. ولكن عندما وصلت ديما إلى مدرستها، كانت لديها ميزه سريه: إذ أنها كانت تجيد بالفعل اللغتين الألمانية والعربية.
ولدت ديما في تركيا لوالدين سوريين، ثم كبرت وترعرعت في ألمانيا. وقد نشأت هي وشقيقها الأصغر محمد، في أوروبا التي تقدر وتدعم التنوع اللغوي.
ميزة أم مشكلة؟
لقد مضي أكثر من عقد على اتفاق دول الإتحاد الأوروبي على أنه ينبغي تعليم جميع التلاميذ لغتين أجنبيتين في المدرسة، وأن تعلم اللغة ينبغي أن يبدأ في سن مبكرة جدا. وتتحدث المفوضية الأوروبية عن “تنوع رأس المال اللغوي وقيمه التراث الثقافي”، لذلك واستنادا على ذلك كله يجب أن تكون خلفيه ديما الثقافية مصدر إضافة لها.
ومع ذلك، ففي ألمانيا وفي جميع أنحاء أوروبا، كثيرا ما ينظر إلى استخدام لغات أخرى غير اللغات الرئيسية في البلد المضيف ولا سيما في المدارس، على أنه مشكلة، ويشكل عائقا أمام الاندماج.
تتساءل مجلة “دير شبيغل” الألمانية في مقال لها بعنوان: “حيث تشكل اللغة الألمانية لغة أجنبية”، عن كيفية الاندماج داخل المجتمع. وبحث المقال في داخل بعض المدارس الابتدائية بالقرب من فرانكفورت، والتي تضم في الغالب أطفالا من أصول مهاجرة، ولا يتم التحدث بالألمانية بين الأطفال الا بقدر يسير. وتسأل المجلة: كيف سينجح الاندماج داخل المجتمع إذا استخدم الاطفال المهاجرون لغتهم الأم للتواصل داخل وخارج أسوار المدرسة؟
ويتعين على المهاجرين واللاجئين تعلم لغة البلد المضيف. ومعظم الحكومات الأوروبية، إن لم يكن جميعها ، تؤكد هذا قبل كل شيء، كخطوه أولى ضرورية ليصبح المهاجرون مندمجين ويتمكنون من بناء حياة في وطنهم الجديد.
ولكن هل يعني ذلك أنه إذا استمر الأطفال المهاجرون في التحدث بلغتهم الام، فانهم لن يتعلموا لغة البلد المضيف، وفي حال كان من الواجب التركيز فقط على لغة واحدة، فأي لغة يجب أن تنال الاهتمام الرئيسي.
اللغة الأم أم اللغة الجديدة؟
وقد طرح موقع مهاجر نيوز مؤخرا السؤال في استطلاع للرأي حول ما إذا كان الناس يعتقدون أن اللغة الام أو لغة البلد المضيف الأوروبية الجديدة أكثر أهمية. وأظهر الاستطلاع تباينا في الآراء، ولكن كان هناك توافق من المستطلعة آرائهم أنه ينبغي للأطفال أن يتعلموا كلا اللغتين.
أحد المستطلعة آرائهم من العرب قال “تعلم لغة البلد المضيف أكثر أهمية، لأن الأطفال سيستخدمونها أكثر من لغتهم الأم”. وتابع “لغة الوالدين غير مجديه للتواصل”. في حين أجاب شخص آخر باللغة الإنجليزية رأيا مغايرا، حيث أوضح أن تعلم اللغة الام هو “ضرورة لجميع الناس الذين يريدون معرفه جذورهم”. آخرون قالوا إن اللاجئين بحاجة إلى تعلم لغتهم الأم وذلك في حالة عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.
بيد أن معظم المستطلعة آرائهم أكدوا على أن معرفه كلا اللغتين يعد أمرا مفيدا. وقال أحد الأشخاص: “العالم يتغير بسرعة، ومن يعرف العديد من اللغات بحسب هذا لصالحه. “فقد تكون قادرا على الحصول على وظيفة كمترجم إذا كنت تعرف أكثر من لغة”.
لا يتم تقييم جميع اللغات بالتساوي
وفي حين أن تعدد اللغات، وبخاصه تعليم اللغة الأم يتم الترويج لها على المستوي الأوروبي الرسمي، فإن الواقع في العديد من المدارس الأوروبية هو أمر مختلف. وتظهر غالبيه المدارس التي تمولها المؤسسات العامة في أوروبا نهجا أحادي اللغة في الفصول الدراسية، وفقا لما جاء في تقرير نشرته شبكه المعلومات التعليمية الخاصة بالمفوضية الأوروبية في يناير/ كانون الثاني من العام 2019.
ولا تقدم سوى عددا قليلا من البلدان (ستة بلدان فقط، طبقا لإحصائية تعود إلى العام 2017) التعليم بلغات المهاجرين الوافدين حديثا أو على الأقل تقدم شكلا من أشكال التعليم الثنائي اللغة في الصف.
ومن البلدان التي حاولت تقديم الدعم للغات الام في المدارس السويد، حيث ينظم القانون الحق في التعليم باللغة الأم. والهدف من ذلك هو تقديم الدعم للأطفال لتطوير لغتهم السويدية ولغتهم الأم من مرحله ما قبل المدرسة فصاعدا.
ولكن هناك أيضا فجوه بين السياسات والممارسات. وتقول الوكالة الوطنية السويدية للتعليم إنه “ليست جميع اللغات ذات قيمه متساوية في أوروبا”. وتحتل اللغة الإنكليزية المرتبة الأعلى بين اللغات الأجنبية، تليها الفرنسية والإسبانية وألمانية. ومع ذلك، لا ينظر إلى اللغة العربية أو الدارية أو التيغرينيا (اللغة القومية في أرتيريا) على أنها مزية أو إضافة.
في المملكة البريطانية، يتم إضفاء الطابع المؤسسي على التسلسل الهرمي للغات، بحسب دانا ميهميد بيجوفيك من كليه لندن الجامعية. وتقول ان تقسيم اللغات إلى “لغات المجتمع”، مثل اللغات العربية والبنغالية والأردية و “اللغات الأجنبية الحديثة (الأوروبية)”، يؤدي إلى “التمييز ويخفض من مستوى اللغات التي تتحدثها الأقليات”.
فوائد دعم اللغات المنزلية
في السويد، هناك بعض الذين لا يزالون يعارضون بشده تعليم اللغة الأم للمهاجرين. ويقول ستيفان بورغ، زعيم حزب الديمقراطيين السويديين في بلديه Hörby بالقرب من مالمو، إن تحسين مستوى الطلاب في لغات مثل “العربية والدارية والصومالية” لا ينبغي أن يكون أولوية. وصرح لوسائل اعلام محلية”: “المشاكل التي نواجهها في السويد لا تتعلق بالقدرة على التحدث بالعربية أو اي لغة أخرى، بل هي مرتبطة بعدم القدرة على الكلام أو الكتابة باللغة السويدية”، وأضاف “هذا هو اهتمامنا الرئيسي. يجب أن نتأكد من أن السويدية تدرس بكفاءة في المدارس”.
ولكن دعم اللغات الأصلية هو أمر تدعمه القيم الأوروبية المشتركة. ووفقا للمادة 22 من الميثاق الأوروبي للحقوق الأساسية، “يحترم الإتحاد التنوع الثقافي والديني واللغوي”. وتؤكد اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل أيضا أن تعليم الطفل ينبغي أن يهدف إلى تنميه احترام الهوية الثقافية للطفل ولغته وقيمه الخاصة به.
” الحق في الهوية “
وتقول ميهميد بيجوفيك إن فوائد تعلم اللغات الأخرى هامة للغاية وتصفه بأنه “حتمية أخلاقية”. ووفقا لوكالة التعليم السويدية،. “لكل طفل الحق في الهوية التي تساعده على الشعور بالراحة، وأن ينظر اليه ويعامل على أنه الشخص الذي يريده حقا. إن الشعور الإيجابي بالاعتداد بالنفس هو الأساس الذي يمكن الوقوف عليه والذي يمكن أن يتطور منه”. (الوكالة الوطنية السويدية للتعليم).
وقد أظهرت العديد من الدراسات أن ثنائية اللغة أو التعددية اللغوية بشكل عام، بغض النظر عن ماهية هذه اللغات تعزز من القدرة المعرفية، وتحسن من التركيز وتقوي الذاكرة.
وأظهرت البحوث أيضا أن دعم الأطفال بلغتهم الأم يحسن نتائجهم في مواضيع أخرى. وعلى الرغم من أن البعض لا يزال يصر على نهج “اما- أو”، فأن الأدلة تبين أن التعليم باللغة الأم يجعل من الأسهل، وليس من الأصعب، تعلم لغة البلد المضيف.
“لا أعتقد أن هناك تضاربا بين تعلم اللغة الأم وتعلم اللغة الألمانية”، كما تقول نورا فون ديوتس، أستاذة تعليم وتعددية اللغويات في معهد مركاتور لمحو الأمية وتعليم اللغة في كولونيا.
وتضيف فون ديوتس. “سيكون من المفيد معاملة كل طالب مع كل ما لديه من لغات، مما يعني أنه “حتى لو لم بكن لديك إتقان عالٍ باللغة الألمانية حتى الآن، فهذا لا يعني أنك لا تتحدث لغة. أنت تفعل ذلك بالطبع”.
المصدر: مهاجر نيوز