بحث
بحث

كراجات السيارات مخيمات النازحين بدمشق


عنب بلدي – 

“شعب الخيم” مصطلح أطلقته الدول المجاورة على السوريين اللاجئين في بلادها، بعد إنشاء مخيمات فاق عدد ساكينها نصف مليون في الدول المجاورة لسوريا.

إلا أن هذه المخيمات لم تقتصر على النقاط الحدودية للدول والمناطق الصحراوية الخالية، بل تعدت ذلك إلى كراجات السيارت في العاصمة دمشق، لتنقل صورة مصغرة عن مخيمات الحدود الكبرى.
مع اشتداد المعارك بين عامي 2013 و2014، برزت ظاهرة إقامة النازحين في الحدائق العامة بدمشق، إلا أنها اختفت ظاهريًا عام 2015، لتُستبدل بخيم داخل أماكن مغلقة.

بناء سكني في منطقة كفرسوسة، حُوّل كراج السيارات فيه إلى مخيم صغير يقطنه عشرات النازحين من الأرياف المحيطة بالعاصمة.
تحدثت عنب بلدي إلى السيدة سناء (45 عامًا) ، وهي ناشطةٌ في المجال الإغاثي ومطّلعة عن قرب على وضع ساكني الكراج، بسبب زيارتها المتكررة لإحدى قريباتها هناك.

سناء أشارت إلى أن مالكة البناء وضعت خيمًا في الكراج عوضًا عن السيارات، كـ “عملٍ خيري” بهدف تأمين مأوىً للعائلات النازحة وغير القادرة على استئجار بيت وسط العاصمة.
وقالت إن معظم ساكني الكراج هم بالأصل من منطقة كفرسوسة، إلا أنهم كانوا يعيشون في داريا والمعضمية في الريف، ونزحوا منها بعد اشتداد المعارك.

ويتراوح إيجار البيت في العاصمة من 50 إلى 100 ألف ليرة سورية، بينما يقدّر متوسط راتب الموظف الحكومي بـ 35 ألفًا (الدولار يعادل نحو 500 ليرة).
وشهد الريف الدمشقي معارك بين قوات النظام والمعارضة أدت إلى نزوح الأهالي نحو العاصمة، خاصة في بلدات الغوطتين الشرقية والغربية لدمشق، مثل دوما وداريا والمعضمية.
وتحظى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري بأمانٍ نسبي، ويندر قصفها، ما جعلها وجهة النازحين من مناطق المعارضة.

علاقات ودّ وزواج
يضم الكراج، الذي تستعرض عنب بلدي قصته، 38 خيمة وحمامين مشتركين، واحد للنساء وآخر للرجال، ويوجد في كل خيمة فرن مخصص للطبخ، إذ تطبخ كل امرأة في خيمتها، وتغسل الملابس في الحمام.
وبحسب سناء، تسير الأمور وفق نظام محدد، تلافيًا لأي مشاكل بين الساكنين، إذ تخصص صاحبة البناء أيامًا وساعات محددة لكل عائلة لغسيل الملابس والاستحمام وأعمال التنظيف، وتشرف بنفسها على ذلك.

وقالت سناء إن “ساكني الكراج تجمعهم علاقة ودّ ومحبة، وأصبحوا عائلة واحدة”، ولفتت إلى أنهم يخطبون لشبابهم من البنات المقيمات في الخيم المجاورة. إذ خطب أحد الشباب فتاة من ساكني الكراج، وتزوجها بعد أن نصبت صاحبة البناء خيمة لهما بجوار عائلتيهما، ما فتح المجال أمام باقي الشباب للتفكير بالزواج من فتيات الكراج تجنبًا لشروط الأهالي بضرورة وجود منزل لدى العريس.

الموافقة الأمنية شرط السكن
كحال البيوت المستأجرة في مناطق سيطرة النظام، تحتاج العائلة الراغبة بالسكن في الكراج إلى ما يُعرف بـ “الموافقة الأمنية”.
وذلك وفقًا للقرار الصادر منتصف العام 2014 عن إدارة المخابرات العامة، والذي يُلزم كل شخص يريد استئجار بيت في دمشق، بالذهاب إلى مكتب خاص باستقبال الطلبات يتبع إلى فرع أمن المنطقة المراد السكن فيها.

وتُعطى الموافقة بعد إجراء دراسة شاملة عن أفراد العائلة ووضعهم القانوني، والأماكن التي نزحوا منها، وعلاقتهم بما تصفهم الرواية الرسمية بـ “الإرهابيين”.
ومن الشروط الأساسية للحصول على الموافقة، تسجيل أسماء الذين سيسكنون المنزل بالتفصيل، ولا يحق للمستأجر استقبال آخرين إلا بقصد الزيارة، وإلا سيكون مصيرهم الإخلاء المؤكد في حال كُشف أمرهم.
ويطبق هذا القانون على الراغبين بالسكن في الخيم، بحسب مصادر متقاطعة، كما ترفض صاحبة كراج كفرسوسة أن تُسكن أحدًا في خيمة قبل حصوله على “موافقة أمنية”.

وأشارت سناء إلى أن عناصر من الأمن يأتون كل فترة إلى الكراج للتأكد من حصول الجميع على موافقات أمنية، والتأكد من عدد سكان كل خيمة.
ولفتت إلى رفض الأمن إعطاء الكثيرين موافقات للسكن في الخيم، كما أن عناصره أخلوا بعض الخيم من ساكينها بعد حصولهم على موافقة أمنية، دون معرفة السبب.

تعقيدات الحصول على موافقة
تحدثت عنب بلدي إلى محامية في دمشق، فضلت عدم ذكر اسمها، وقالت إن الموافقة الأمنية شرط أساسي للسكن في أي مكان، سواء كان منزلًا أو محلًا تجاريًا أو خيمة.
وأشارت إلى أن الموافقة تُرفض في حال وجود “شبهات” أمنية حول المستأجرين، إذ يرفض النظام منحها للأشخاص القادمين من المناطق الخارجة عن سيطرته أو التي كانت كذلك.

كما يرفض منحها للعائلة في حال كان أحد أفرادها معتقلًا أو مطلوبًا للتجنيد، أو لديها أقرباء من الدرجة الأولى مطلوبون لأجهزة النظام.
وعند سؤالها عن الحل الذي تلجأ إليه العائلة في هذه الحالة، قالت المحامية إن بعض العائلات تضطر لاستئجار بيوت في مناطق بعيدة عن العاصمة، والتي يكون الحصول على الموافقة السكنية فيها “أقل تعقيدًا”.
وأضافت “في حال الرفض تدفع بعض العائلات مبالغ مالية كبيرة إلى قسم الموافقات لقاء تغاضيه عن وجود مشاكل أمنية حولها”.

جمعيات إغاثية مسؤولة
مع ازدياد موجة النزوح والظروف الإنسانية القاسية التي عانى منها المُهجّرون، نشط عمل الجمعيات والمنظمات الإغاثية داخل سوريا وخارجها.
وكان لسكان كراج كفرسوسة نصيب من هذه المساعدات، وبحسب سناء، فإن جمعيات “خيرية” تزور الكراج باستمرار وتقدم إعانات للعائلات فيها.
كما تشرف منظمة الهلال الأحمر السوري على أمور الطبابة وتوزيع الأدوية، إذ يزور الأطباء الكراج يوم الاثنين من كل أسبوع، ويفحصون الأطفال والنساء ومن هو بحاجة إلى علاج، ويعطونهم الأدوية بالمجان.

كما توزع المنظمات ما يُعرف بـ “السلة الغذائية” والتي تحوي مواد غذائية أساسية، من رز وبرغل وعدس وزيت وغيرها.
وأشارت سناء إلى مساهمات فردية لبعض الأشخاص الذين يزورون الكراج ويقدمون المال للأطفال، وقالت “هناك إعانات مالية كل ثلاثة أشهر، يحصل عليها النازحون دون معرفة مصدرها”.

وتحرص المنظمات الداعمة على تلقي “أطفال الكراج” تعليمًا دراسيًا، إذ تتابع باستمرار تسجيلهم في المدارس الحكومية وتؤمن لهم ما يحتاجونه من قرطاسية.
إلا أنه وبالإضافة إلى المساعدات المُقدّمة، يحرص سكان الكراج على العمل وعدم الاتكال على ما تقدمه المنظمات الإغاثية.

وأشارت سناء إلى أن الرجال والنساء يعملون على حد سواء لتأمين متطلبات العيش، وسط الغلاء وتدني الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها العاصمة دمشق.
وبالإضافة إلى هذا الكراج، يوجد في زقاق الطويل بمنطقة كفرسوسة ثلاثة كراجات تحوّلت إلى خيم للنازحين، بحسب ما ذكر لنا المصدر.

وتشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن عدد النازحين السوريين الذي تركوا أماكن إقاماتهم الأصلية، بلغ 7.2 مليون نسمة، هاجر معظمهم إلى طرطوس واللاذقية ودمشق والأحياء الغربية لمدينة حلب.

المصدر: اضغط هنا