من يتجوّل بين مطاعم دمشق ومقاهيها لايشعر بأن هنالك ضائقة مادية، أو استياء شعبي من الوضع المعيشي في البلد، وليس مستغرباً أن تشاهد شاباً يمسك الأركيلة في يد، والموبايل في يده الأخرى، ويكتب على صفحته في الفيسبوك “والله تعبنا وبعدين مع هالحالة”.
هذا التناقض قد تجده لدى أغلب السوريين خلال الحرب، فالملل أصاب الناس حتى من الملل ذاته، وأصبح الخروج إلى المطاعم ضرورة رغم صعوبته، أحد مرتادي مطاعم باب توما يقول لـ “آسيا” “لم يبق شيء رخيص فحتى تحضير الطعام في المنزل بات مكلفاً مع استمرار ارتفاع أسعار الخضروات، والغاز، ومشتقات الحليب، وأصبحت المطاعم توازي حمامات السوق قديماً، فهي متنفس لنا مع تقلص الخيارات وغياب المتنزهات، وتوفر الانترنت والكهرباء، والمياه فيها” .
إلا أن هذه الحالة لا تعكس رضا جميع أصحاب المطاعم في دمشق ولاسيما التي افتتحت خلال الأزمة ،واعتمدت على شريحة الشباب، ذلك أن أصحابها استغلوا إغلاق بعض المطاعم المعروفة، وقدموا ما يحتاجه الناس، ويصف صاحب مطعم “خمس نجوم” هذه المقاهي بالفاشلة “العديد من المقاهي التي انطلقت بعد اشتعال الأزمة في سورية فشل في الاستمرار لأنها غير مبنية على الجودة والإدارة الجيدة ولم يقدموا شيئاً جديداً”.
في المقابل لم يتأثر مابقي من المطاعم الكبرى بتداعيات الحرب، بل طوّرت من مستواها وخدماتها ما ساعدها في الحفاظ على زبائنها، واستقطاب مرتادين من الأغنياء الجدد.
مدير مطعم تابع لسلسلة مطاعم كبرى في دمشق القديمة يؤكد أن “محدثو النعمة” شكّلو الفارق في عمل المطاعم السياحيّة في الفترة الأخيرة، فهم غطّوا غياب السيّاح والمغتربين بشكل كامل، كما شكلوا مصدر دخل دائم وبديل عن الزبائن الأغنياء الذين غادروا البلد خلال الأزمة، وأحياناً فاتورة إحدى الطاولات تزيد عن 100 ألف ليرة سورية ولكنها بحساب بعض الزبائن تساوي 200 دولار فقط، ويتفق صاحب فندق ومطعم سياحي مع هذا الرأي فيقول: الفندق كان في طريقه للإغلاق منذ سنتين لولا الزبائن الجدد من ذوي الدخل العالي والذين لا يهمهم سوى الحصول على الخدمة العالية و”الطاولات العامرة”.
إلا أن أصحاب المطاعم السياحية لا يعترفون بهذه الأرقام لوزارة المالية، ويقول مصدر في الوزارة إن أغلب المنشآت السياحية لاتلتزم بتسعيرة وزارة السياحة، بل تخفي مبيعاتها عن وزارة المالية للتهرب من الضريبة، والتقارير المقدمة إلى الوزارة بعيدة كل البعد عن الواقع فمثلا المبيعات المقدمة عن شهر أيار من العام الماضي في مطعم الصحي بلغت : 1150000 ل.س أي 37000 ألف ل.س يومياً، و 305000 ل.س مبيعات مطعم الراعي على اوتستراد المزة، و 10 آلالاف يومياً 62000 ل.س مبيعات مطعم مروش بأبو رمانة أي 2760 ل.س يومياً، و 27000 ل.س مبيعات مطعك زيوس في منطقة مشروع دمر أي 930 ل.س يومياً.
وحسب المصدر فإن هذه التقارير لا تعكس الأرقام الحقيقة لمبيعات المنشأت السياحية والتي تتجاوز مبيعاتها 10 أضعاف المقدم للوزارة، مشيراً إلى أن هذه الأرقام لا تغطي تكلفة المطعم اليومية من أجور عمّال وكهرباء ومواد أساسية.
صاحب أحد البارات التي افتتحت خلال الأزمة في منطقة باب شرقي يؤكد لـ “آسيا” أن أغلب الزبائن الذين يقصدون مطعمه ينتمون “للطبقة الوسطى” رغم تراجعها، ومن خلال زياراتهم أصبح يعرف حجم ميزانياتهم، ذلك أن أغلب زبائنه من شريحة الشباب وأكثر من ٦٠ ٪ منهم يأتون بصورة منتظمة أو دورية منذ انطلاق الأزمة وحتى الآن .
” كل واحد بيدفع لحالو”
“كل شهر مرة” هي الجملة التي قالتها الطالبة الجامعية لمى التي ترتاد مقهى في ساروجة مع أصدقائها، وتشير إلى أن غلاء الأسعار الجنوني يمنعها من التفكير بزيارة المطاعم أو تناول الوجبات، لذلك تكتفي بزيارة واحدة في الشهر إلى أحد المقاهي الشعبية، التي تقدم المشروبات والأركيلة، “وكل واحد بيدفع عن حالو فحتى المقاهي أصبحت تعتمد الأسعار السياحية” حسب تعبيرها.
من جهته يقول عمار حمود إن أصحاب الدخل المحدود لم يعد يعنيهم التوجه إلى المطاعم والمقاهي بقدر ما يهتمون بوجهات جديدة وأكثر متعة مثل محلات “اللدات والبطاريات أو أفران الخبز ومحطات البنزين”.
مع استمرار الأزمة للسنة السادسة، يبقى سلوك السوريين في ارتياد المطاعم مرتبط بالشخص ورغبته، إلا أن الملاحظ اليوم هو عدم تراجع السوريين عن عاداتهم بالخروج بل ازداد عدد من تستقطبهم المقاهي بسبب غياب البدائل كما ازداد عدد قاصدي المطاعم السياحية من الأغنياء القديمين والجدد على حد سواء.