نشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية، دراسة تناولت فيها آلية فرض “الحجز الاحتياطي” القضائي والإداري على ممتلكات السوريين، بموجب قوانين أصدرتها حكومة النظام، وأتاحت من خلالها لوزارة المالية فرض الحجز بموجب قوانين “مخالفة للدستور”.
أصدرت وزارة المالية في حكومة النظام، أواخر العام الفائت، بياناً وضّحت فيه “الأساس القانوني” الذي يُفوض وزير المالية بإلقاء “الحجز الاحتياطي- الإداري” على حسابات المودعين لدى المؤسسات المالية كالبنوك والمصارف، مبرّرة إجراءاتها بأنها تعمل بموجب القوانين والأنظمة بهدف “حماية المال العام أو مكافحة غسيل الأموال ومكافحة الإرهاب”.
وقالت الوزارة في بيانها إن القانون “ألغى” المادة الخامسة من القانون رقم 29 لعام 2001، الخاص بالسرية المصرفية، والتي نصت على عدم إمكانية وزارة المالية القاء الحجز الاحتياطي على الأموال والموجودات المودعة لدى المصارف، إلا بأذن خطي من أصحابها، أو عند صدور أحكام قضائية قطعية ترتب حقوقاً بذمة المودعين لصالح الجهات العامة والخاصة.
ولفتت الوزارة في بيانها إلى إلغاء العمل بأحكام المرسوم التشريعي رقم 34 لعام 2005، “المتعلق أيضاً بالسرية المصرفية”، لتكون المالية قد برّرت حالات إلقاء الحجز الاحتياطي والإداري على حسابات وموجودات المودعين لدى المؤسسات المالية، خارج إطار الإجراءات القضائية وخلافاً للدستور.
توقيت إصدار “البيان التوضيحي” من قبل وزارة المالية يوحي بنيّة حكومة النظام البدء بالحجز على ممتلكات السوريين خارج إطار القضاء في مخالفة صريحة للدستور النافذ لعام 2012.
الفرق بين الحجز الاحتياطي “القضائي” و”الإداري”:
يُعرف الحجز الاحتياطي بأنه إجراء قانوني احترازي يتيح للجهات القضائية المخولة بموجب القوانين النافذة من وضع الأموال والموجودات المنقولة وغير المنقولة للمحجوز عليه، كـ “الأموال والعقارات والسيارات وأسهم في شركات وغيرها”، تحت سلطة القضاء “مؤقتاً” وذلك لمنع المحجوز عليه من تهريب أمواله لحين صدور حكم قضائي قطعي.
ويكون غالباً هذا الإجراء نتيجة نزاع قضائي ما، أو ضماناً لتحصيل الديون المترتبة بذمته لصالح الأفراد “دين أو حقّ شخصي” أو مؤسسات الدولة “أموال عامة”، فالأصل أنّ يصدر قرار الحجز الاحتياطي من قبل المحاكم المختصة بموجب أحكام قضائية مسبّبة.
خلافاً لقانون أصول المحاكمات عام 1953، والذي تمّ تعديله عام 2016، أعطى المرسوم التشريعي رقم 177 لعام 1969، لوزير المالية هذه الصلاحية بإلقاء الحجز الاحتياطي الإداري بحق المحاسبين والموظفين وكل ما يلحق الضرر الأموال العامة، كما وسع المرسوم 177 من صلاحية وزير المالية ليشمل الحجز على أموال زوجات المطلوب الحجز عليهم، وذلك بخلاف الحجز القضائي الذي يشمل فقط الذمة المالية للمحجوز عليه دون غيره.
“إنّ منح السلطة التنفيذية ممثلة بوزير المالية والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، سلطة الحجز الاحتياطي الإداري على أملاك الأشخاص المطلوب الحجز على أموالهم وزوجاتهم، هو انتهاك لمفهوم “الذمة المالية المستقلة” لكل من الزوجين، وكذلك خرق لمبدأ فصل السلطات المنصوص عليه في الدستور السوري النافذ لعام 2012، وهو تعدّي على أعمال السلطة القضائية”.
خيارات قضائية معدومة أمام المتضررين من قرارات الحجز الاحتياطي الإداري:
الفقرة “د” في المادة 323 من قانون أصول المحاكمات المدنية السوري المعدّل برقم 1 لعام 2016، أتاحت إقامة دعوى إزالة حجز احتياطي، خلال ثمانية أيام تبدأ من تاريخ انتهاء التحقيق أو التفتيش أو الإحالة من مجلس التأديب الى القضاء، في الحالات التي كلف وزير المالية بالحجز استناداً اليها وليس من تاريخ تنفيذ الحجز، حيث تكون إجراءات رفع الحجز أو قصره مقدمة أمام قاضي الأمور المستعجلة من أجل تأكيد أو إزالة أو وإلغاء أو قصر الحجز الاحتياطي الصادر من قبل وزير المالية.
غالباً: لا يتسنّ للمتضررين من الحجز الاحتياطي الإداري من معرفة يوم انتهاء التحقيق، لكون التحقيق إجراء يتمّ بشكل غير علني داخل وزارة المالية أو فروعها. وهو ما يعني فقدان المحجوز عليهم الحق في الوصول إلى المحاكم لمراجعة القرار.
ومن الناحية العملية لدى المحاكم، فإن أغلب دعاوى إلغاء الحجوز الاحتياطية الإدارية الواقعة من قبل وزير المالية أو الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، التي يقوم المتضرر برفعها أمام القضاء تُرد ولا تُسمع لعدّة أسباب أبرزها:
تبرير قرار الحجز الصادر من وزير المالية، من قبل المحاكم على أنّه سياسة لمكافحة الفساد، وبالتالي لا تحاول مؤسسة القضاء المساهمة في تمكين “المشتبه بهم” من تهريب أموالهم. علما أنه تبرير خارج عن المألوف، لأنّ مهمة القضاء هي النظر في مدى أحقية أو عدم أحقية القرار الصادر من وزير المالية، دون التحيّز وافتراض صحّة فرضية السلطة التنفيذية.
سلطة وزير العدل وهو ممثل السلطة التنفيذية الموجودة على القضاة من الناحية الوظيفية والإدارية بموجب قانون السلطة القضائية “المادة 65″، والذي يسند مهمّة تعيين القضاة ونقلهم وعزلهم، وهو ما يخلق مخاوف لدى القضاة من انتقام وزير العدل، في حال قبول الغاء الحجز الاحتياطي، ومخالفة قرارات الحجز الإداري الصادرة من وزير المالية.
نظرياً، يسمح القانون السوري للمتضررين من رفع دعاوى لإزالة الحجز الاحتياطي الإداري المفروض من قبل وزير المالية، ولكن تفشل الدعوى في الواقع العملي بسبب تغوّل/تعدي السلطة التنفيذية على السلطة القضائية في سوريا.
ما هي استثناءات المرسوم التشريعي المعتمد في تبرير القاء الحجز الاحتياطي؟
يحمي المرسوم المعروف باسم “قانون السرية المصرفية”، الصارد برقم 30 لعام 2010، هوية العملاء وحساباتهم وموجوداتهم ومعاملاتهم مع المؤسسات المالية كالبنوك، ويحظر إفشاء هذه المعلومات لأي جهة، حكومية كانت أو غير حكومية، إلاّ أن القانون نفسه قام بتفريغ مفهوم “السرية المصرفية” من محتواها، عندما وضع استثناءات على حق السرية المصرفية في المادة 7 من القانون نفسه التي نصّت على “لا يجوز في أي حال من الأحوال إلقاء الحجز الاحتياطي على حسابات وموجودات المودعين لدى المؤسسات المالية باستثناء قرارات الحجز الاحتياطي الصادرة وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة حمايةً للمال العام أو القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”.
المادة المذكورة تفوّض وزير المالية بإلقاء الحجز الاحتياطي الإداري على أموال الأشخاص، دون الرجوع الى القضاء المختص، في حال كانت خطوة الحجز متعلقة بـ “الخزينة العامة وبمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، وهي مصطلحات فضفاضة يمكن استخدامات لغايات سياسية بكل سهولة، وبالتالي فإنه حال توفر عنصر “الاشتباه” في “غسيل الأموال” أو “تمويل الإرهاب”، يحق لهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رفع السرية المصرفية عن الحسابات وتجميد الأموال والموجودات بواسطة كتاب ترسله لوزير المالية تطلب منه إيقاع الحجز الاحتياطي الإداري.
تبعات الحجز الاحتياطي الإداري على المتضررين منه:
تكمن خطورة إمكانية فرض الحجز الاحتياطي الإداري من قبل وزارة المالية، في حالات الاستناد فقط إلى قانون مكافحة غسيل الأموال، بـ “الاعتماد فقط على حالة الشبهة” في الشخص ودون وجود دليل قوي يقيني يمكن الاعتماد عليه، ودون وجود حكم قضائي، مما يضع الشخص المتضرر تحت رحمة هذه الهيئات التنفيذية الغير قضائية.
ويمكن استخدام هذه الاستثناءات إما كوسيلة للانتقام من السوريين، المعارضين منهم والمختلفين سياسياً مع الحكومة السورية، خارج نطاق القضاء أو بغية ابتزاز الأشخاص المحجوز عليهم مالياً، من أجل رفع أسماءهم عن قائمة “المشتبه بهم” لدى هيئة مكافحة الأموال ووزارة المالية مقابل منافع مادية، وبالتالي يمكن استخدام ذلك الحجز كأداة ضغط على السوريين خاصة ان هذه الإجراءات تتم خارج إطار المراجع القضائية المختصة.
وإذا تمكن المتضرر من سلوك الطريق القانوني وإقامة دعوى خلال فترة ثمانية أيام بحسب قانون أصول المحاكمات أمام المرجع القضائي المختص، نجد أن أغلب المتضررين المحتملين من حالات الحجز الاحتياطي الإداري على أموالهم وموجوداتهم هم سوريون موجودون في الخارج، أو في مناطق خارجة عن سيطرة النظام، وليس لديهم القدرة على الوصول إلى المحاكم في الوقت المحدد وضمن المدد القانونية الممنوحة لهم، وذلك لتعذر توكيل محامين كونها تحتاج لموافقات أمنية مسبقة.
الموافقة الأمنية تأتي بالرفض مما يفقدهم حقهم بحماية أموالهم الخاصة ويعرضهم الى خسارة املاكهم و”بقوة القانون”.
واعتبرت الدراسة أن الإجراءات المتعلقة بالمصادرة، تخالف نصوص الدستور السوري النافذ لعام 2012، وتحديداً في المادة الخامسة عشرة منه، حين نصت على أن الملكية الخاصة من جماعية وفردية مصانة والمصادرة العامة في الأموال ممنوعة بحيث لا تنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون ولا تفرض المصادرة الخاصة إلا بحكم قضائي مبرم.