سمحت أجهزة النظام الأمنية لمئات العائلات من أهالي الغوطة الشرقية، بمغادرة “مراكز الإيواء” التي أحدثتها مع بداية معارك السيطرة على الغوطة الشرقية في شباط/فبراير، والعودة إلى مدنهم على متن حافلات جماعية خُصصت لذلك.
ووصلت الأسبوع الماضي من “مراكز الإيواء” 5 حافلات إلى دوما، و5 إلى سقبا و3 إلى حمورية، و3 إلى كفربطنا، و2 إلى جسرين، وكذلك إلى النشابية وأوتايا ومسرابا. وأقلت تلك الحافلات عائلات من السكان الأصليين.
وذكر مصدر خاص من “مراكز إيواء”، لـ”المدن”، أن الأجهزة الأمنية أعدّت لوائح بالعائلات التي يسمح لها بالعودة إلى منازلها، في مختلف مدن الغوطة الشرقية، على أن تكون الأولوية بالعودة وفق الرقم التسلسلي. ولا تتضمن تلك اللوائح أسماء الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18-50 عاماً، إذ سيؤجل دورهم إلى أن تتم “تسوية أوضاعهم الأمنية” لاحقاً، وسيمنحون مهلة 6 أشهر قبل أن يلتحقوا بـ”الخدمة العسكرية الإلزامية” أو “الاحتياطية”.
ويُشترط على العائلات العائدة، الإقامة في المدن التي أدرجت أسماؤها فيها، وفق قوائم العودة. وهذا يعني المدن التي كانت العائلات تُقيم فيها قبل خروجها إلى “مراكز الإيواء”. وكان عدد كبير من العائلات قد نزح أكثر من مرة خلال حملة النظام العسكرية الأخيرة، وتنقل بين مدن مختلفة في الغوطة الشرقية بحثاً عن المناطق الأقل عرضة للقصف.
ويعاني المقيمون في “مراكز الإيواء” من ظروف معيشية سيئة، إذ لم تُجهّز المراكز أصلاً لهذا الغاية، بل هي عبارة عن مدارس ومعسكرات وهنكارات وغرف مسبقة الصنع لا تحتوي على حمامات، ومعظم دورات المياه داخلها مشتركة بين الرجال والنساء. كما أن غرف المراكز مزدحمة بساكنيها إذ يصل عدد العائلات التي تبيت في غرفة واحدة إلى 8 عائلات من دون الرجال، في حين ينام الرجال في الممرات وعلى أسطح الأبنية أو في الحدائق. الكثير من العائلات تنام في هنكارات جماعية تفصل بينها ستائر قماشية أو بطانيات.
وبحسب مصادر “المدن”، ستسمح الأجهزة الأمنية للعائلات، لاحقاً، بالعودة إلى بلداتهم الأصلية. محافظ ريف دمشق علاء إبراهيم، في اجتماع لمجلس المحافظة، كان قد وعد أهالي منطقة المرج والقطاع الجنوبي، بالعودة خلال شهر كحد أقصى. وقال إبراهيم، إنه قد تم التعاقد مع شركات خدمية لإعادة تأهيل البنى التحتية لمختلف بلدات الغوطة الشرقية، خاصة الكهرباء والاتصالات والخدمات البلدية.
وأُفرِغَ مركز إيواء النشابية بشكل كامل من المقيمين فيه، وسُمِحَ للعائلات بالسكن في منازل ضمن بلدتي النشابية وأوتايا، إلى أن يتم نقلها لاحقاً إلى مناطقها الأصلية.
وخضع المُقيمون في “مراكز الإيواء” لمسح أمني مفصل، من أجهزة أمنية متعددة، أهمها “المخابرات الجوية” و”أمن الدولة” و”الأمن العسكري” و”الأمن السياسي” رغم تبعية تلك المراكز إدارياً لـ”وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل”. ويتضمن المسح الأمني أسماء كافة أفراد العائلة، وأعمارهم، ومُعرفات التواصل الشخصية، وماهية العمل خلال الثورة، وصلة القرابة مع الفعاليات الثورية. وجرّدت الأجهزة الأمنية المقيمين من الهويات الشخصية والأوراق الثبوتية، وأبقت على هواتفهم الشخصية، فباتت المراكز أشبه بالمعتقلات الكبيرة.
وتسابقت الأجهزة الأمنية على سحب أشخاص كانت لهم أدوار بارزة في الحراك الثوري من “مراكز الإيواء”، كالأطباء والإعلاميين وعناصر الدفاع المدني، ووضعتهم في منازل خاصة تحت الإقامة الجبرية، بعيداً عن متناول الأجهزة الأمنية الأخرى. ووفرت لهم الطعام والشراب والخدمات المميزة، بشكل مريب، بل وأتاحت لهم أدوات الاتصالات مع الخارج. ولم يعد أي من أولئك إلى منازلهم مع قوافل الحافلات التي عادت الأسبوع الماضي. ولا تزال تلك الشخصيات ضمن أماكن الإقامة الجبرية، وسط تخوف من استخدامهم في شهادات مزورة، لنفي وقائع سابقة، كما حصل مع أطباء دوما في نيسان/أبريل.
وكانت الأجهزة الأمنية قد فتحت باب “الاستضافة” للعائلات التي لها أقارب في دمشق ومحيطها. و”الاستضافة” بالمصطلح الأمني هو استدعاء يُقدّمه “الكفيل” من أحد سكان دمشق ومحيطها، إلى الجهة الأمنية المسؤولة عن “مركز الإيواء”، ويتضمن طلباً لإخراج أقاربه من المركز لاستضافتهم لديه إلى أجل غير مسمى، على ألا يكون عمر الذكور بين 18–50 عاماً، أو أن يُستثنى رجال العائلة من الطلب. ويرفق مقدم الاستدعاء نسخة عن أوراقه الثبوتية، وعنوان إقامته، ويذكر صلة القربى، ويتعهد بالمساعدة الأمنية في حال طلب منه ذلك. وتوافق الجهة الأمنية المسؤولة بعد التأكد من عدم وجود أي تهمة أمنية ضد الأشخاص المطلوب استضافتهم.
ومع السماح بعودة الأهالي إلى منازلهم، بدأت أعداد العائلات الموجودة في “مراكز الإيواء” بالانخفاض، بعدما تجاوزت “مراكز الإيواء” طاقتها الاستيعابية. وتجاوز عدد الخارجين من الغوطة الشرقية، عبر الممرات الإنسانية، خلال الحملة العسكرية، 150 ألفاً وفق إحصائيات نشرتها وزارة الدفاع الروسية ووسائل إعلام النظام. وتم إيداع معظم هذه الأعداد في ثمانية “مراكز إيواء مؤقتة” هي: الحرجلة ونجها والدوير والنشابية والفيحاء ومراكز المدارس والكهرباء والنصر في عدرا. ويُعدُّ مركز الحرجلة من أكبرها، ووصل عدد المقيمين فيه إلى 20 ألف شخص. وكان قد تم إيداع أهالي داريا في مركز الحرجلة، في آب/أغسطس 2016، بعد سيطرة قوات النظام على مدينتهم.
وبلغ عدد المقيمين في مركز الدوير 18 ألفاً، وهو عبارة عن معسكر سابق لـ”طلائع البعث” يقع بالقرب من مخيم الوافدين شمالي الغوطة. ويضمُ مركز الدوير، حتى الآن، عائلات خرجت من الغوطة الشرقية في العام 2015 من معبر حوش الفارة، وبقيت فيه حتى معارك السيطرة على الغوطة، ومعظم هذه العائلات من ريف دوما.
وفي حديث سابق لـ”فرانس برس”، قال منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا علي الزعتري، في آذار/مارس، إن المراكز غير مهيأة لاستقبال المدنيين، ولا يوجد فيها أماكن للاستحمام، و”لو كنت مدنياً لما قبلت أن أبقى فيها خمس دقائق”. ووصف الزعتري، المعروف بعلاقاته الوثيقة بالنظام، وضع مراكز الإيواء بـ”المأساوي”.
وتقوم منظمات متعددة بتقديم المساعدات الإنسانية للعائلات المقيمة في “مراكز الإيواء”، وأبرزها الهلال الأحمر و”الأمانة السورية للتنمية” لصاحبتها أسماء الأسد. وتمنع الأجهزة الأمنية جميع المنظمات، عدا الهلال الأحمر، من التصوير داخل المراكز، مع السماح لها بالحصول على الاستبيانات، وتعبئة قوائم التوزيع.
المصدر: جرية المدن الالكترونية.