جريدة المدن –
بدأت قيمة الليرة السورية تنحدر مجدداً، منذ مطلع أيار، وسجلت رقماً قياسياً جديداً عندما وصل سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 610 ليرات، في الأيام الأخيرة. في حين يستمر “المصرف المركزي” بتثبيت سعر صرف الدولار عند 438 ليرة، في فارق كبير لم تشهده السوق السورية من قبل.
التصريحات الرسمية لمسؤولي النظام لم تتجاوز اتهام المضاربين و”المؤامرة الكونية” على سوريا، لتبرير هذا الإنهيار الأخير، حتى أنها طورت نظريات حول خسائر “الإرهابيين” في ادلب، والحرب الاقتصادية التي يشنونها بعد خسارتهم الحرب العسكرية.
أحد تجار السوق السوداء، أشار إلى أن الدولار مفقود من السوق، وسعره مستمر بالارتفاع. إلا أنه، وللمرة الأولى، لم يؤثر هبوط الليرة إلى هذا الحد القياسي، على أسعار السلع الغذائية والتموينية في السوق.
الفرق الكبير بين سعري الصرف بين السوداء والمركزي، أثر بشكل مباشر على سوق تحويل الأموال الرسمية، فامتنعت بعض الشركات المحلية عن التصريف بسعر المركزي.
وقال محاسب في إحدى شركات التحويل، لـ”المدن”، إن الشركات اعتمدت سعر صرف 575 ليرة للدولار، لتجنب خسارة الزبائن الذين يحولون الأموال من خارج سوريا. وتعمل الشركات على تسلم المبالغ المالية خارج سوريا، وتقوم باجراء حوالات داخلية منفصلة بالمبالغ المطلوبة في الداخل، بحسب سعر الصرف الذي اعتمدته، تجنباً للمسائلة القانونية والأمنية.
وأكد المحاسب إن إدارة الشركة أبلغت الحكومة بعدم استعدادها لخسارة الزبائن، من أجل ما اسمته “انفصام المصرف المركزي عن السوق” وعدم رفعه لسعر الصرف منذ أشهر طويلة، رغم الفارق الكبير مع السوداء.
ويُعتقد أن العقوبات الغربية على رجال الأعمال المقربين من النظام وبعض القطاعات الاقتصادية السورية، والأزمة الإيرانية الحالية، والحرب المتعثرة في إدلب، قد ساهمت بخفض قيمة الليرة، إلا أن أنهيارها الأخير، يعود إلى سبب آخر: فضيحة “اتحاد المصدرين السوريين”.
النظام باع الوهم لذاته؟
وبعد تجاوز الدولار الأميركي عتبة الـ600 ليرة، خلال الأيام الماضية، ومع عجز المركزي عن القيام بأي عملية لخفض سعر الصرف، بدأت الخلافات تظهر بين تجار نافذين في السوق السوداء من جهة، والمصرف المركزي من جهة أخرى.
وفجأة اكتشفت اللجان المالية التابعة للمصرف المركزي، عمليات تصدير “وهمية” وفواتير وبيانات جمركية “مزورة”، كان يقدمها التجار والمُصدرون والصناعيون، للحصول على الدولار أصولاً من المركزي، بسعر أقل من السوق السوداء. وبعد الحصول على الدولار يتم بيعه في السوداء والحصول على الفرق، وأحياناً أخرى يجري تهريبه خارج سوريا.
مصادر “المدن” أشارت إلى أن الأصابع صوّبت على “اتحاد المصدرين السوريين”، وهو مؤسسة خاصة مرخصة رسمياً منذ 10 أعوام، متهمة إياه بأنه “لطالما أغرق الحكومة بالوهم عبر الادعاء بأن قطاع التصدير كان منتعشاً خلال فترة الحرب”، وقد استخدم الاتحاد لذلك، “بيانات جمركية مزورة، وفواتير وهمية”.
الأزمة في ذلك، بحسب مصادر “المدن”، أن “اتحاد المصدرين” كان يُنسِقُ مع وزراء ومسؤولين نافذين في النظام، “لبيع الحكومة الوهم، وسحب القطع الأجنبي من المصرف المركزي”.
محمد السواح
رئيس الاتحاد محمد السواح، تاجر دمشقي، وصناعي في قطاع النسيج، ومُصدّرٌ مهم. وفي تصريحات سابقة تعود إلى تموز 2018، قال إن “ما تنشره بعض الجهات الحكومية من أرقام تقدر الصادرات بـ700 مليون، هي أرقام مضلَلة”، مؤكداً أن “حجم الصادرات السورية للعام 2017، تجاوز 7 مليارات دولار بالأسعار الحقيقية”. وبيّن السواح، حينها أن الجهات الحكومية تعتمد على الأسعار التأشيرية للصادرات، فـ”السعر الاسترشادي لسيارة التفاح المصدرة إلى مصر 1800 دولار، بينما سعرها الحقيقي 25 ألف دولار”.
وأشار إلى “نية الحكومة اعتماد الأسعار الحقيقية”، لكن ذلك ينبغي أن تسبقه تطمينات بعدم “مطالبة مصرف سوريا المركزي بإعادة قطع التصدير بعد فترة من الزمن”.
في العام 2017، دعا السواح، إلى “إيقاف استيراد المواد غير الأساسية، بهدف تحسين الاقتصاد السوري”. موضحاً: “لا يمكن أن تستورد بفاتورة أعلى من فاتورة التصدير، وإن حدث ذلك فإنه محض جنون اقتصادي وتهوّر نتائجه كارثية”. وأكّد السواح أهمية “الاحتكار الإيجابي” كـ”حافز للتوسع بالمنتج”. واتهم السواح “أصحاب القرار” بتدمير الاقتصاد الوطني “بسبب استيراد بضائع كمالية لا يستهلكها سوى 5% من سكان سوريا، بينما تنافس 95% من المستوردات المنتجات الوطنية”.
من يسعى وراء الاتحاد؟
ويقول “الاتحاد” إنه صدّر خلال سنوات الحرب السورية بضائع محلية إلى اكثر من 110 دول، وشارك في عشرات المعارض خارج البلاد وداخلها، وساهم بدعم الاقتصاد الوطني.
مصادر “المدن” تؤكد أن ما فعله “اتحاد المصدرين” كان بعلم كبار مسؤولي النظام، واشرافهم، إذ لا يمكن أن تمر عليهم مسألة التصدير بهذه الكميات الكبيرة، في حين أن السوق المحلية تفتقر لعشرات الأصناف من مختلف البضائع الرئيسية، والإنتاج المحلي غير قادر على إيصال السوق إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، فما بالك بالتفكير بالتصدير.
إلا أن هناك جهة ما، لم تتضح من هي بعد، كانت وراء تسرّيب تسجيلات صوتية ومكالمات هاتفية منسوبة لكبار تجار “اتحاد المصدرين”، تداولوا فيها وجوب تقديم فواتير وهمية وبيانات جمركية بأحجام كبيرة، لإبرازها للمركزي، وإبدالها بالقطع الأجنبي. انفضاح الموضوع، وعدم قدرة وزراء الاقتصاد والمالية، ولجان المصرف المركزي، على “لفلفة” وضبط الموضوع، دفعت لتشكيل لجان تفتيش ومحاسبة، لـ”تكتشف” عدم وجود هذه الكميات من المواد المُصدرة خارج سوريا.
وزارة الاقتصاد تحابي اتحاد المصدرين العرب؟
وكان “مجلس الشعب” قد أحال مشروع قانون خاص بإلغاء الاتحاد إلى اللجنة الدستورية والتشريعية لدراسته، وتضمن تشكيل لجنة بقرار من وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية سامر الخليل، مهمتها إدارة شؤون الاتحاد من حل وتصفية وتحديد الحقوق والالتزامات المترتبة عليه.
مصادر “المدن” أشارت إلى أن أرقام التصدير بلغت قرابة 600 مليون دولار للعام 2017، و400 مليون دولار للعام 2018، بحسب بيانات حكومية، بينما تبين للجان المُشكلة أن المبالغ لم تتجاوز 200 مليون دولار للعامين 2017-2018.
وزير الاقتصاد كان قد بيّن الأسباب الموجبة لإلغاء الاتحاد بأن “مثل هذا الاتحاد غير موجود لدى دول العالم الأخرى باعتبار أن مثل هذه النشاطات تدار من جمعيات ونقابات ترعى مصالح المنتسبين وأن البنى المؤسساتية في سورية كفيلة بأداء الدور الذي يؤديه على النحو الأمثل تحت إشراف الوزارة كونه يشكل جزءا من اختصاصاتها المتعلقة بشكل مباشر بملف التجارة الخارجية وخصوصا مع وجود هيئة دعم الإنتاج المحلي والصادرات التي تتبع للوزارة”.
موقع “صاحبة الجلالة” تساءل: “ماذا استجد بعد 10 سنوات للإلغاء. الاتحاد مثّلهم وتابع أمورهم ووقف معهم عندما تخلى عنهم الجميع”، وأضاف أن “توقيت طرح مشروع القانون يتزامن مع انتخابات الاتحاد”، وأن مطالبة وزارة الاقتصاد بإلغاء الاتحاد تأتي في الوقت الذي تروج فيه لـ”اتحاد المصدرين العرب” ومكتبه الاقليمي.
الاتحاد قدم لمجلس الشعب كتاباً مطلع حزيران طالب باسم جموع المصدرين السوريين من أعضاء غرف التجارة والصناعة والزراعة والحرفيين والجمعيات الفلاحية نواب البرلمان برفع الظلم الواقع على الاتحاد. وكان رئيس الاتحاد قد قدّم استقالته، بشكل مفاجئ، معلناً عدم الترشح للانتخابات المقبلة، وأعلن أنه سيرشح نفسه لانتخابات غرفة تجارة دمشق.
المصدر: اضغط هنا