عندما اجتمع قادة روسيا وتركيا وإيران في طهران في 19 تموز، في ظل اهتمام وتوقعات دولية كبيرة، وفي حين أن الحرب في أوكرانيا ربما تكون قد شكلت الخلفية العامة لقمة طهران، فإن أحد الموضوعات التي جرى التركيز عليها بشدة هو موضوع سوريا. ومع ذلك، فإنه بعد يوم من الاجتماعات الثنائية والمتعددة الأطراف، انتهى الاجتماع الأخير لما يسمى “مجموعة أستانا” من دون أي جديد.
وبدلاً من ذلك، قدّم المشاركون للعالم إعادة تأكيد على نقاط الحوار الأساسية التي كانت قد نوقشت في تركيا وروسيا وإيران منذ سنوات. وحتى فيما يتعلق بالمسألة الخلافية المرتبطة بالتوغل التركي المحتمل في شمال حلب، لم تكن المعارضة الروسية والإيرانية العلنية بالأمر الجديد، وهي معارضة لم تفلح في إيقاف تركيا من قبل.
وعلى الرغم من أن “مجموعة أستانا” أثبتت دونما شك أنها المحرك الأساسي المسؤول عن التحول الذي طرأ على الأزمة السورية منذ عام 2015، فإن فاعليتها تتضاءل الآن، على ما يبدو.
في الواقع، بناءً على نتائج قمة طهران، تعمل دول “مجموعة أستانا” الآن على إطالة أمد سياسة المماطلة، بنفس الطريقة التي اتُّهمت بها الدول الغربية على مدار سنوات عدة.
وبالتالي، فإن المجتمع الدولي، بتأييده أو قبوله الوضع الراهن، يبدو راضياً عن سوريا التي أضعفتها الصراعات المستمرة والكامنة، التي يعد فيها التدهور الاقتصادي والفساد ونماذج الحكم المتنافسة، والعملية السياسية المحتضرة، بمثابة تقسيم فعلي للبلاد، لكن ليس رسمياً. ومع أن السوريين من جميع الأطياف لا يزالون يعارضون تقسيم البلاد، فإن هذا بالضبط الوضع الذي تواجهه بلادهم الآن.
وفي حين لن تعترف أي حكومة، على أي جانب من جوانب الأزمة، بهذا الواقع المثير للجدل، فإن معظمها تفعل ذلك بعيداً عن العلن. ومع بروز هذه العقلية الآن على ما يبدو، جرى تقليص أهمية هدف “حل النزاع” في سوريا لدرجة عدم الجدوى تماماً تقريباً، في حين أن “إدارة الصراع” – أو “احتواء الصراع” – هي الآن النهج الذي يرسم ملامح السياسة الخارجية بشأن سوريا. بلغة واضحة، هذا يعني أن الصراع – أو الصراعات – أصبح الآن حقيقة مقبولة داخل سوريا. أكثر من ذلك، قد يكون الصراع الكامن حقيقة مفضلة، بشرط ألا يتفاقم إلى مستوى من شأنه أن يشكل تحدياً خطيراً للوضع الراهن.
في الأسبوع الذي تلا قمة طهران، شهدت سوريا سلسلة من حوادث الصراع المميتة التي شارك فيها عدد كبير من الجهات الفاعلة المختلفة في كل ركن من أركان البلاد.
tفي 20 تموز، جرى إسقاط طائرتين من دون طيار أطلقتهما جهة غير معروفة فوق قاعدة حميميم الجوية الروسية، على ساحل البحر المتوسط السوري، لأول مرة منذ ما يقرب من عام. وفي 22 تموز، قُتل ما لا يقل عن خمسة جنود سوريين في سلسلة غارات جوية إسرائيلية عنيفة، استهدفت أنظمة أسلحة إيرانية مخزنة داخل معقل شيعي بضاحية السيدة زينب في دمشق، وقُتل أحد كبار القادة في “قوات سوريا الديمقراطية”، إلى جانب اثنين آخرين من قادة هذه القوات، في غارة تركية بطائرة مسيّرة في القامشلي، إضافة إلى سبعة مدنيين، بينهم أربعة أطفال، قتلوا في غارات جوية روسية خارج جسر الشغور في ريف إدلب. وفي 24 تموز، قُتل شخصان في غارة غامضة استهدفت احتفالية شاركت فيها قوات سورية وروسية لتدشين نسخة طبق الأصل من آيا صوفيا في السقيلبية في حماة.
ولا تمثل هذه الحوادث سوى النقاط البارزة؛ فقد وقعت العشرات من حوادث العنف في جميع أنحاء سوريا على مدار الأسبوع نفسه. ومع ذلك، فإن حالة عدم الاستقرار العنيف هذه ليست استثنائية. في الواقع، إنها أصبحت أمراً طبيعياً. والأسوأ من ذلك أن الوضع الراهن يضمن كذلك استمرار انتشار دائرة العنف ودوافعه إلى داخل العديد من الدول المجاورة لسوريا.
في الأسبوع الماضي، صودرت في الخليج كميات من مادة الكبتاغون تقدر قيمتها بأكثر من 150 مليون دولار التي تنتجها دولة المخدرات التابعة لنظام الأسد. وأطلقت مجموعة من جبهة “الحرس الثوري” الإيراني، تُعرف باسم “سرايا الدم”، ذخائر ضد مواقع عسكرية تركية شمال العراق، في الوقت الذي استهدفت فيه ضربات القصف المدفعي التركي منطقة سياحية في شمال العراق، ما أسفر عن مقتل العديد من المدنيين. وفي لبنان، تصعّد السلطات ضغوطها على اللاجئين السوريين للعودة إلى سوريا، الأمر الذي يمسُّ حقوقهم الإنسانية، كما أحبط الأردن محاولات عدة لتهريب مخدرات على صلة بنظام الأسد.
وعلى الرغم من التكاليف الواضحة لمثل هذا العنف وتمدده الإقليمي، لا توجد إرادة دولية واضحة لأي نوع من الدفع للمضي قدماً نحو تأمين نوع من التغيير والعدالة اللازمين لتحقيق المصالحة بين السوريين وتحقيق الاستقرار في البلاد.
لذلك، فإن البلاد مقدر لها أن تظل ساحة معركة للصراع الداخلي والخارجي.
من جانبها، ليست لدى الولايات المتحدة نية واضحة لفك الارتباط، وكذلك روسيا، على الرغم من صراعها في أوكرانيا. ولطالما كان من الشائع إلقاء اللوم بشأن سياسات تركيا في سوريا على الرئيس إردوغان، لكن الحقيقة أنه لن يتغير شيء يذكر إذا جرى استبدال آخر به. وفيما يخص إيران، لا تزال سوريا جزءاً لا يتجزأ من أجندتها الإقليمية الثورية. وفي الأسابيع الأخيرة، أظهرت إيران سلوكاً عدوانياً بشكل متزايد.
ولا يزال حل الأزمة السورية هدفاً بعيد المنال، ولن يؤدي الترحيب بعودة الأسد إلى المجتمع الدولي إلا إلى تفاقم كل دافع يؤجج النزاع وعدم الاستقرار. لذلك، في هذا المنعطف، يواجه المجتمع الدولي ضرورة الاختيار بين الجلوس وقبول حالة عدم الاستقرار هذه وتركه دونما رادع، أو العمل على تحقيق الاستقرار تدريجياً في مختلف المناطق المعارضة داخل سوريا، وخلق وضع قائم أكثر استدامة. وعلى الرغم من أن ذلك سيكون في مصلحة الجميع، فإنه لا يوجد احتمال واضح للتحول نحو نهج الاستقرار.
المصدر: الشرق الأوسط