لطالما وسمت العلاقة بين تركيا وروسيا بالتنافس والصراع على النفوذ في عدد من المناطق الجغرافية مثل دول البلقان والبحر الأسود والقوقاز. وقد بلغ هذا التوتر أوجه عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية حين طلبت موسكو من أنقرة منحها مدينة قارص شرق الأناضول وإعادة النظر في اتفاقيات العبور بمضيقي البوسفور والدردنيل مما دفع تركيا، في عام 1952، للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) للاحتماء به من التهديدات السوفيتية.
ورغم الصراع الخفي بين الدولتين، والمستمر إلى اليوم، فإن مصالحهما الاقتصادية والأمنية المشتركة فرضت وضع الخلافات جانبا والتعاون بينهما على أساس مبدأ تدوير الزوايا.
تأثيرات التوتر على ملفاتهم المشتركة
وقال موقع “المونيتور” الأميركي في مقال حمل عنوان: “تحذير تركيا المتعلق بالبحر الأسود قد يؤثر على سوريا أكثر من أوكرانيا”، إن تركيا ستحدّ من مرور السفن الحربية الروسية عبر مضيقها الذي يربط بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، في خطوة من المرجح أن يكون لها تأثير أكبر على الجبهة السورية من الحرب في أوكرانيا.
ونقل الموقع عن سنان أولجن الدبلوماسي التركي السابق ورئيس مركز دراسات السياسة الاقتصادية والخارجية التركية، قوله تعليقاً على التصريحات التركية حول اغلاق المضائق، أن أنقرة لم تتلقَّ أي طلبات مرور عبر المضيق منذ بداية الحرب في أوكرانيا، لكنه أشار إلى أن موسكو تحاول قياس موقف أنقرة بشأن هذه المسألة.
وقال أولجان: “كان الروس يسألوننا عما إذا كنا سنطبق مونترو أم لا إذا لزم الأمر. وردا على ذلك أخبرناهم بأننا سنطبق المعاهدة بصرامة”.
ويلفت “المونيتور” إلى أن موقف تركيا أكسبها إشادة نادرة من واشنطن. حيث شكر وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكين نظيره التركي مولود تشاووش أوغلو على “تنفيذ أنقرة المستمر لاتفاقية مونترو”، والسبب الأهم بحسب المونتير أن القرار جاء بمثابة مفاجأة حيث كان من المتوقع على نطاق واسع أن تتجنب أنقرة اتخاذ موقف قد يثير غضب الكرملين نظرًا للتعاون المتعدد الأبعاد بين تركيا وروسيا وعمل الحكومة التركية المتوازن بين موسكو والعواصم الغربية.
ووفقاً لأولجن، لا تعكس هذه الخطوة “قراراً سياسياً” لأن تركيا “ملزمة بذلك بالاستناد إلى” أحكام اتفاقية مونترو في زمن الحرب “بعد أن قررت أن ما يحدث في أوكرانيا حرب”. ولا ينبغي أن يُنظر إلى هذا على أنه تصادم أو عقوبات ضد روسيا. فهذا هو التزام تركيا التعاقدي بموجب اتفاقية مونترو.
في غضون ذلك ، يبدو التأثير المحتمل للموقف على القدرات الحربية لروسيا محدوداً. لأنه من غير المحتمل وفقاً للموقع أن يكون لهذه الخطوة “تأثير عملي” على الأرض لأن “العناصر العسكرية الروسية في البحر الأسود قوية بالفعل بما فيه الكفاية”، حسبما قال محلل دفاعي ل”المونيتور”، وأضاف أن معظم السفن الحربية التابعة لأسطول البحر الأسود في الجيش الروسي موجودة بالفعل في البحر الأسود.
إجراءات أنقرة المسبقة
وفي الفترة التي سبقت الغزو ، نقلت روسيا ما لا يقل عن 12 سفينة حربية إلى البحر الأسود بما في ذلك ثلاث سفن إنزال برمائية تابعة للبحرية الروسية وسط توترات متصاعدة بين روسيا وأوكرانيا.
ولم ترد روسيا على البيان التركي بعد. ولكن إذا ما تحركت تركيا لإغلاق المضيق، فسيتم تقييد السفن الحربية التي تعبر الاتجاه الآخر – من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط.
وإذا طلبت روسيا من تركيا السماح بمرور سفنها الحربية من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط ، فقد يكون لخطوة أنقرة تداعيات على الوجود العسكري الروسي في سوريا. حيث تسيطر موسكو على قاعدة بحرية كبيرة في مدينة طرطوس شمال غرب سوريا. والقاعدة البحرية الروسية الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط، تعمل كمركز عملياتي رئيسي للأنشطة العسكرية الروسية في سوريا وفي البحر الأبيض المتوسط الأوسع.
وهنا يشير أولجن إلى أن “روسيا أقامت ممراً بحرياً بين البحر الأسود وسوريا كانت السفن والغواصات تبحر من خلاله بانتظام. الآن سيتم قطعها”. ويرى أولجن أن غياب مثل هذه الحرية قد يسبب بعض المشاكل للوجود العسكري الروسي في البحر الأبيض المتوسط مع تأثيرات فورية في الجغرافيا السورية.