نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريراً أشارت فيه إلى التفاصيل الحقيقية وراء الصفقة الأمريكية- الروسية التي تخفف الضغط عن بشار الأسد.
وقال معدو التقرير إن الولايات المتحدة توصلت بهدوء إلى صفقة مع روسيا لتخفيف الضغط السياسي على سوريا في الأمم المتحدة. ولو وافقت الدول الـ 15، الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، على الصفقة فلن تعقد الأمم المتحدة الكثير من الجلسات لمناقشة الوضع الإنساني في سوريا أو جلسات منفصلة عن الأسلحة الكيماوية ولا عملية الانتقال السياسي التي لم تحقق الكثير من التقدم خلال السنوات الماضية.
وتبيّن المجلة أن المقترح لا يزال محلا للنقاش في المجلس ولكنه يعكس حالة التعب من جلسات لا نهاية لها والتي يضطر فيها الدبلوماسيون لإعادة نفس الأمور التي تتفاقم بسبب شجار الدول الكبرى وتنتهي بدون أي نتائج ملموسة. ولكنها تمثل بشكل آخر التنازلات الأخيرة التي تقدمها الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى روسيا التي ستتولى رئاسة المجلس هذا الشهر. وتنبع هذه التنازلات من أهداف السياسة الخارجية الأمريكية الرئيسية ومنها تجنب الصدام مع روسيا والتأكد من بقاء الممر الإنساني الذي ينقل المواد الإنسانية من تركيا إلى شمال – غرب سوريا والذي تريد روسيا إغلاقه، وفقاً لما ترجمته صحيفة “القدس العربي“.
وتعلق المجلة أن الصفقة الأخيرة أدت إلى تنفس الدبلوماسيين في مجلس الأمن الصعداء، حيث تعبوا من الحرب الكلامية المتكررة بين القوى العظمى حول مصير سوريا وبدون أي شيء لإظهاره من أجل حل النزاع الذي مضى عليه عقد من الزمان. وقال دبلوماسي في المجلس “أنا في المجلس منذ عام ويمكنني كتابة كل تصريح صدر عن كل دولة” و”نحن نكرر نفس الشيء مرة بعد الأخرى وثلاث مرات في الشهر، مع أن ذلك الوقت كان يمكن للمجلس استخدامه بطريقة إنتاجية أكثر”.
إلا أن المتخصصين في سوريا انتقدوا الصفقة وقالوا إن جلسات مجلس الأمن تعمل على مواصلة الضغط على النظام السوري الذي يتحدى القوانين الدولية. وقالوا إن قرار التوصل إلى صفقة يشير إلى الجهود التي مضى عليها عقد من أجل حل الأزمة وبناء نظام سياسي شامل، فقدت زخمها وتعكس استعدادا للتعايش مع نظام استمر في خرقه لمواثيق مجلس الأمن. وقالت جمانة قدور من المجلس الأطلنطي “بصراحة هذا ما تريده روسيا، إيران وسوريا” و”يريدون تخفيف الضغط عن أي دليل كشف عنه بشكل علني حول ما يفعله النظام السوري لأبنائه وإخراجهم من المقعد الساخن”.
وقدم البلدان المقترح إلى مجلس الأمن في 31 كانون الثاني/يناير عندما تبادلت المبعوثة الأمريكية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفولد والروسي فاسيلي نيبنزيا كلمات حادة بشأن الوضع في أوكرانيا. وطلب بعض الأعضاء وقتا لدراسة ما في الخطة، ومن المتوقع أن يتم تمريرها في النهاية من المجلس. ونقلت المجلة عن ثاني دبلوماسي روسي في بعثة الأمم المتحدة ديمتري بوليانسكي قوله إن الناس “يبالغون” في تقدير أثر التبادل على قدرة الولايات المتحدة وروسيا للعمل بشكل مثمر. وقال “نحن دبلوماسيون” و”نفهم أننا جميعا نتلقى تعليمات، والأمريكيون يواجهون ضغوطا داخلية ضخمة على هذا الجنون الذي يحاولون الترويج له، ولهذا لا نتعامل معها (المواجهات الكلامية) بشكل شخصي”.
وبموجب الاتفاق فسيقوم مجلس الأمن بتخفيض عدد اللقاءات بشأن الأسلحة الكيماوية من شهرية إلى ربعية، هذا رغم محاولات منظمة الحد من انتشار الأسلحة الكيماوية، التابعة للأمم المتحدة، الحصول على إذن من الحكومة السورية لزيارة المواقع.
وقال غريغوري كوبلينتز، مدير برنامج الخريجين للدفاع البيولوجي بجامعة جورج ميسون “هذا ليس هو الوقت لتخفيف جهود محاسبة سوريا على استخدامها السابق للسلاح الكيماوي ورفضها السماح (للمفتشين الدوليين) التأكد من تدمير سوريا ما تبقى لديها من أسلحة كيماوية”. وقال إن عرقلة جهود المنظمة الدولية زاد في السنوات الماضية بما في ذلك رفض منح تأشيرات لخبرائها وتدمير الأدلة السابقة عن الهجمات الكيماوية الأخيرة. واستخدمت سوريا السلاح الكيماوي في أيار/مايو 2019 عندما ضربت موقعا باللاذقية بغاز الكلور.
ويرى كوبلينتز أن على مجلس الأمن مسؤولية تنفيذ معاهدة الحد من انتشار السلاح الكيماوي باعتباره المؤسسة الموكل إليها الحفاظ على السلام والأمن العالميين ومعالجة الانتهاكات الكيماوية. وفي الوقت نفسه، حاولت روسيا إضعاف شرعية منظمة الحد من السلاح الكيماوي من خلال عقد جلسات غير رسمية في مجلس الأمن، وبالصيغة المعروفة باسم “صيغة أريا” التي تقوم على دعوة ضيوف لانتقاد أو تقديم أدلة بديلة عن تلك التي تقدمها المنظمة. وهي صيغة منسوبة إلى دييغو أريا، الدبلوماسي الفنزويلي في مجلس الأمن أثناء فترة التسعينات والذي كان يدعو الناس العاديين في النزاعات لتقديم إيجازات بدون موافقة المجلس. وسيؤدي الاتفاق الأمريكي- الروسي إلى تخفيض عدد اللقاءات بشأن عملية الانتقال السياسي من لقاء كل شهر إلى واحد كل شهرين. وهو ما يعكس حسب المراقبين تراجع اهتمام المجلس ببناء عملية سياسية تشاركية بات من الصعب تحويلها إلى واقع.
ومنذ عام 2012 جندت الأمم المتحدة عددا من أهم الدبلوماسيين من كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وكلهم فشلوا في بناء صيغة سياسية لوقف النزاع. وليس لدى الدبلوماسي النرويجي غير بدرسون الذي عين مبعوثا إلى سوريا منذ 2018 الكثير لكي يقدمه. واستطاع بشار الأسد تعزيز سلطته بدعم من روسيا وإيران بحيث لم يترك مجالا للتشارك في السلطة. وعندما واجه المقترح الأمريكي- الروسي اعتراضات في المجلس قرر البلدان عقد نقاش، ولم يكن الرفض الأولي للخطة متعلقا بمحتوياتها ولكن بطريقة تقديمها على أنها صفقة جاهزة بدون أن يكون للأعضاء الآخرين أي فرصة لمناقشة ما فيها، ومنها فرنسا وبريطانيا. وليست هذه هي المرة الأولى التي قدمت فيها أمريكا تنازلات متعلقة بسوريا في مجلس الأمن، منها الموافقة على الطلب الروسي لتغيير لغة اتفاق تموز/يوليو ليتضمن دعما لمشاريع البنية التحتية بما فيها المياه الصحية والصحة والتعليم. وطالما عارضت واشنطن مشاريع تعاف مبكرة إلا حالة وافقت دمشق على تبني خطة التسوية السياسية التي تدعمها الأمم المتحدة.
وتظل التنازلات الأمريكية أقل من توقعات روسيا بإعادة سوريا إلى الحظيرة الدولية وفتح المجال أمام تدفق أموال الإعمار. ولم تكن روسيا ناجحة كل المرات في جهود حماية النظام السوري من الملاحقة الدولية، ففي كانون الأول/ديسمبر 2021 قادت جهودا فاشلة في لجنة الميزانية بالأمم المتحدة بهدف تخفيض الأموال المخصصة للآلية الدولية المحايدة المستقلة لسوريا والتي تهدف لمساعدة الدول التي تلاحق أو تحاكم سوريين ارتكبوا جرائم خطيرة. ونقلت المجلة عن سفير لينختنشتاين، كريستيان ويناوسر قوله إن هناك “موجة تطبيع” وبخاصة بين الدول العربية وتحاول روسيا ترجمتها في الأمم المتحدة.
وعارضت سوريا إنشاء الآلية الدولية المحايدة المستقلة منذ إنشائها عام 2016 وقتل ميزانية 20 مليون دولار خصصت لها بحجة أن الجمعية العامة لا سلطة لها لكي تشكل لجنة كهذه. وأضاف ويناوسر الذي لعب دورا في تشكيلها أن الروس “لم يتخلوا عن جهودهم ولكنهم لم ينجحوا”. وتقول قدور من المجلس الأطلنطي إن الأمم المتحدة مهمة في توثيق جرائم النظام السابقة وتقديم أدلة في المحاكمات ضد رموزه، كما في محاكمة المسؤول الأمني السابق في ألمانيا، حيث حكم عليه بالمؤبد.
ويرى خبراء آخرون أن مداولات مجلس الأمن تعكس حقيقة أن الولايات المتحدة وبقية العالم تتحرك نحو أزمات جديدة. ففي المنطقة نفسها بدأت سوريا بإعادة فتح العلاقات التجارية مع دول مثل الأردن والبحرين والإمارات. وتقول ديما موسى، عضو اللجنة الدستورية السورية “يبدو أن سوريا أصبحت في أدنى قائمة (واشنطن) المهمة، حيث تركز الولايات المتحدة على المفاوضات مع إيران والموضوع الأوكراني”، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تزال تقول إن السياسة حول سوريا هي “قيد المراجعة”، ولم تعين بعد مسؤولا مهما لتولي ملف سوريا. وقالت إن ميل مجلس الأمن الدولي لتخفيض عدد اللقاءات المتعلقة بسوريا يعكس الواقع والمأزق الذي وصل إليه على المستوى الدولي والذي أسهم في توقف العملية السياسية السورية بكاملها. ومع ذلك فتخفيض اللقاءات “ليس جيدا ويعني وضع سوريا على الرف بشكل سيطيل من معاناة السوريين”.
ويقول آخرون إن الأمم المتحدة تركز على المجالات التي يمكن أن تحدث أثرا. وتقول منى يعقوبيان، المستشارة البارزة لسوريا في معهد السلام الأمريكي “هذا يعكس الوضع على الأرض، وهناك وضع إنساني خطير لم يحدث مثله في تاريخ النزاع”، مشيرة إلى أن محادثات التسوية السياسية التي دعمتها الأمم المتحدة لم تقدم الكثير. ويركز صناع السياسة الأمريكيون طاقتهم على المشكلة الحقيقية وفرص النجاح. وهناك أمل ضئيل بأن يتم تحقيق تقدم عن طريق المجال الإنساني “لنواجه الواقع، محادثات جنيف متوقفة” ولماذا نضيع الوقت على شيء فاشل؟
ومنذ تولي جوي بايدن السلطة وضع سوريا على الرف واستثمر في تحسين العلاقات مع دول الخليج والعودة إلى الاتفاقية النووية مع إيران. وأثار موقف بايدن حيرة الحلفاء والمشرعين، ووقع في الشهر الماضي عدد من المشرعين على رسالة للرئيس طالبوا فيها باهتمام الرئيس بالمسألة السورية. ووبخت الرسالة التي وقع عليها رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الإدارة وجاء فيها أنها “تعالج الأعراض للنزاع وفشلت بسبب غياب الإستراتيجية لحل الحرب الأهلية بشكل عام”. وليس لدى الإدارة خطة لتعيين مبعوث إلى سوريا، بشكل يترك بريت ماكغيرك، الذي أوكل بمهمة متابعة ملف ملاحقة تنظيم الدولة الإسلامية.