“الحصول على قبر في داخل مدينة دمشق أصبح حلما لأهالي المتوفى، وإن توفر فيجب أن تكون العائلة ميسورة الحال لتستطيع تحمل نفقات الدفن وشراء القبر”، عبارة قالها “أحمد” نجل أحد المتوفين في العاصمة، واصفاً رحلته في البحث عن قبر لوالده في مقابر دمشق.
سماسرة للقبور داخل أسوار العاصمة:
ظهرت مؤخراً في دمشق، مجموعة أطلق عليها اسم “سماسرة القبور”، وهي مجموعة من التجار التي تلجأ إلى وسائل “غير قانونية” لشراء عدد من القبور داخل أسوار العاصمة، ومن ثم يعملون على بيعها “بالخفاء”.
واعتمدت مجموعة “سماسرة القبور” على طريقتين للحصول على القبور والإتجار بها، تمثّلت الأولى بالسعي للحصول على حكم قضائي بملكية القبر بعد تنازل أصحابه عنه، والثاني عبر التنسيق مع “حراس المقابر” لرصد القبور التي انقطعت عنها الزيارات منذ فترة طويلة.
ويعمل السماسرة بالتعاون مع حراس المقابر، على طمس معالم الشواهد وإزاحة رفات الميت، لبيع القبر على أنه مدفن جديد لأسرة جديدة، وفقاً لما نقله موقع “الجزيرة نت“.
سبل الحصول على ملكية القبور جاءت للالتفاف على القوانين التي تمنع عمليات البيع والشراء للقبور، وتمنع دفن شخص غريب عن الأسرة ومن غير الورثة الشرعيين فيه، كون ملكية القبور تعود لوزارة الأوقاف في حكومة النظام، كما أن القوانين تسمح بالتنازل عن القبور بين الورثة الشرعيين فقط، دون أي مقابل مادي.
وعلى الرغم من أن قانون العقوبات ينص على سجن منتهك حرمة القبور، ومن أقدم “قصداً” على هدمها أو تحطيمها أو تشويهها لمدة تصل إلى عامين، إلا أن “سماسرة القبور” يمررون صفقاتهم بسهولة عبر دفع الرشاوى من المبالغ التي يتقاضونها كثمن للقبر.
القبر بـ 15 مليون ليرة.. والأرياف آخر الحلول!
قرّرت “أحمد” وعائلته، التوجه نحو أرض في مزرعة أحد أقاربهم بضواحي العاصمة لدفن والده، بعد بحث استمر لأكثر من ثلاث ساعات، عجزوا خلالها عن العثور على قبر داخل دمشق، رغم البحث والسؤال عن قبور شاغرة في 5 مقابر.
وقال أحمد إن أسرته كانت تنوي دفن والده داخل قبر أخيه المتوفى منذ 5 أعوام، لكن أولاده رفضوا فتح قبر أبيهم وفضلوا المحافظة على حرمته، ما دفعه للبحث عن قبر في مكان آخر.
وأضاف أحمد أنه تواصل مع مكتب دفن الموتى للحصول على قبر داخل دمشق، لكن المكتب أبلغه بأن جميع المقابر في المدينة ممتلئة، وأن سعره لدى “سماسرة القبور” يزيد عن 15 مليون ليرة سورية، وهو ما عجزت العائلة عن دفعه.
وتضم العاصمة دمشق، نحو 150 ألف قبر ضمن 28 مقبرة، أكبرها مقابر “الشيخ رسلان” و”باب الصغير” و”الدحداح” وفقاً لتصريحات سابقة لمدير مكتب دفن الموتى بدمشق.
وبدأت محافظة دمشق عام 2017 بمنح ترخيص لإنشاء قبور طابقية لدفن 3 أشخاص لحل مشكلة توفر القبور وارتفاع أعداد الموتى، إلا أن مفتي دمشق اعتبرها اعتداء على حرمة الميت، لعدم جواز فتح القبور إلا لضرورة شرعية، في حين برّرت المحافظة قرارها بأن “شرعيته” تأتي من ندرة القبور وغلاء أسعارها.