انتقدت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا، “استعداد الأطراف المتحاربة للتضحية بالحقوق الأساسية للناس مقابل مكاسب سياسية قصيرة الأجل أو بذريعة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك الانتقائية الواضحة من قبل داعمي الحكومة أو الأطراف المتنازعة المختلفة”، مشيرة في تقريرها الصادر اليوم الخميس 18 شباط، إلى أنها استذكرت أبشع الانتهاكات التي ارتكبت بحق المدنيين السوريين.
وجاء التقرير الذي يحمل عنوان: الحلول العسكرية في سوريا أدت إلى عقد من الموت والإنكار والدمار، عشية الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية التي انطلقت في آذار 2011.
“حكومة وحشية وتمويل انتهازي”
وقال رئيس اللجنة باولو بينيرو: “لقد استفادت أطراف هذا النزاع من التدخل الانتقائي والإهمال المؤسف للمجتمع الدولي، الأمر الذي لم يترك أي أسرة سورية سالمة”.
وأضاف أنّ “أطفال ونساء ورجال سوريا دفعوا الثمن عندما قامت حكومة استبدادية وحشية بإطلاق العنان لقمع المعارضة باستخدام عنف هائل”.
في المقابل، لفت بينيرو إلى أنّ “التمويل الأجنبي الانتهازي والأسلحة وغيرها من أشكال الدعم للأطراف المتحاربة صب الزيت على هذه النار، والتي وقف العالم راضياً بمشاهدتها تحترق”.
واختتم قائلاً: “لقد تأخر الوقت كثيراً من أجل وضع السوريين في المقام الأول – وبذل كل جهد ممكن لدعم حل سلمي و تفاوضي للصراع وكذلك المساعدة في وضع سوريا على الطريق نحو مستقبل مستقر ومزدهر وعادل لجميع شعبها”.
المخاطرة بالمدنيين
ولفتت اللجنة في تقريرها إلى أنّ “الأطراف المتحاربة بدءاً بالقوات الحكومية ومن ثم جميع الأطراف الأخرى”، استخدمت السلاح بطريقة قلّلت المخاطر على نفسها، وذلك على حساب المخاطرة بالمدنيين.
وأضافت أنّه “لقد سعوا باستمرار للسيطرة على الأراضي، على حساب حقوق السكان (وهذا موضح بشكل جزئي في الملاحق الخاصة بخرائط السيطرة والتي تتبعت تطورات الصراع منذ 2013)”.
ولفت التقرير إلى أنّه “بعد عشر سنوات، أصبح أكثر من نصف سكان ما قبل الصراع مهجّرين داخليا أو خارجيا، وتحولت المدن إلى ركام، ولا تزال مجموعات من العناصر المسلحة تواصل الاعتداء على السكان”.
كما استعرضت القصف الجوي والمدفعي الشرس الذي تعرض له السوريون في مراكز التجمعات، وللأسلحة الكيماوية، وأشكال حديثة من الحصار أدت إلى التجويع، مشيرة إلى القيود التي وصفتها بالمخزية على “المساعدات الإنسانية – سواء عبر خطوط التماس أو عبر الحدود، والذي تم حتى بموافقة مجلس الأمن”.
العدالة أساس السلام
وذكر التقرير أنه على الرغم من أن “جميع أطراف النزاع لا تزال غير راغبة إلى حد كبير في التحقيق بشفافية وعرض النتائج بشكل علني فيما يتعلق بسوء السلوك المزعوم لقواتها، ناهيك عن مقاضاة الجناة”، إلّا أنّ هناك تطورات إيجابية فيما يخص الملاحقات القضائية من خلال الولايات القضائية الوطنية لدول الطرف الثالث”.
ويشير التقرير إلى مساهمة اللجنة فيما يزيد عن أكثر من 60 تحقيقًا من هذا القبيل، بالاعتماد على ما يقرب من 8000 مقابلة ومعلومات أولية بشأن أكثر من 3200 شخص من الجناة المزعومين.
لكنّ المفوض هاني مجلي قال إنّ الوقت تأخر كثيرا لاتخاذ المزيد من المبادرات في مجالات إضافية للعدالة.
وزاد: “أظهر التاريخ الحديث أن التقاعس من قبل مجلس الأمن ينبغي أن لا يقف حائلا دون اتخاذ إجراءات على أصعدة أخرى”.
واختتم قائلاً: “إن مطالب الضحايا بالعدالة والمساءلة هي مرتكز أساسي في أي سلام دائم. وإن إجراءات العدالة التصالحية التي دعا إليها السوريون مرارا وتكرارا – بشأن المفقودين، والمختفين، والمحتجزين تعسفيا، ودعم العائلات، وتسريح المقاتلين من الأطفال، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي الشامل، ولا سيما للأطفال وضحايا العنف المبني عن النوع الإجتماعي، وكذلك حفظ وترميم الوثائق المدنية الحيوية، كلها من بين أمور أخرى، لا يمكن تركها حتى ينتهي الصراع “.
ودعا التقرير مجلس الأمن الدولي إلى وقف دائم وحقيقي لإطلاق النار، يقره المجلس، و”يفرضه الدول الأعضاء الرئيسية التي تدعم الحكومة والجماعات المسلحة في سوريا”.