بحث
بحث
انترنت

انسحاب ميليشيا فاغنر من البادية يترك جيش النظام السوري والميليشيات في مواجهة مع خلايا داعش

جيش النظام السوري والميليشيات الإيرانية لم يتمكنوا من صد هجمات داعش عقب غياب الطائرات الروسية والأسلحة النوعية التي تستخدمها فاغنر

كثّف تنظيم داعش من تحركاته في البادية الشامية خلال الأسابيع القليلة الماضية واستهدف في هجمات خاطفة مواقع لجيش النظام السوري والميليشيات المحلية والإيرانية وأوقع عشرات القتلى والجرحى، وفقاً لموقع تلفزيون سوريا.

وبلغت حصيلة المواجهات في منذ بداية تشرين الأول الفائت وحتى الجمعة 10 تشرين الثاني الجاري 22 مواجهة، 5 منها سُجّلت خلال الساعات الـ48 الماضية، أسفرت عن مقتل 21 عنصراً من قوات النظام و18 من ميليشيا فاطميون الإيرانية، وإصابة آخرين.

ارتفاع منحنى هجمات التنظيم وتحركاته على أكثر من جبهة تزامن مع اكتمال عمليات انسحاب عناصر مرتزقة فاغنر الروسية من البادية ودير الزور، ما أعطى عناصر داعش مساحة للتحرك في ظل عدم وجود بديل للتغطية سوى ميليشيات محلية وأخرى إيرانية لا تُسمن ولا تُغني من جو”، وفق وصف مطلعين.

المثلث الساخن
عادت تحركات داعش في المنطقة التي يُطلق عليها اسم المثلث الساخن إلى واجهة الأحداث بعد غياب دام أشهر إذ شهدت محاور الرصافة، السخنة، الشولا اشتباكات بدأت مطلع تشرين الأول وبلغت أشدها في الـ18 من الشهر نفسه حين هاجم عناصر التنظيم نقاطاً لقوات النظام قرب مدينة السخنة بريف حمص.

الصحفي المطلع على خريطة السيطرة في البادية زين العابدين العكيدي قال إن هجوم الـ 18 من تشرين جاء تمهيداً لآخر تبعه في اليوم التالي 19 تشرين الأول على وادي الظبيات القريب من السخنة، سيطر خلاله عناصر التنظيم على حقل غاز ودفع بعناصر النظام للانسحاب من المنطقة.

وأضاف أنه كان من الملاحظ خلال الشهر الماضي توسّع رقعة هجمات التنظيم، إذ أشعل محاور في عقيربات وأثريا وخناصر، وأخرى في باديتي دير الزور والرصافة، مشيراً إلى أن التركيز كان منصباً بشكل واضح على محور مدينة السخنة والكوم القريبة منها.

وذكر العكيدي أن هجمات داعش الأخيرة على نقاط النظام كانت منظمة إلى حد كبير على عكس الهجمات السابقة في البادية إذ كان هناك تنسيق عال من ناحية توقيت الهجمات وشدتها.

وهاجم التنظيم قوات النظام آنذاك من 3 محاور الأول شمالي الظبيات قرب السخنة، والثاني في محيط الكوم، والثالث جنوبي بلدة الرصافة في بادية الرقة، الأخيرة تمتد من جبل البشري وحتى مدينة الطبقة.

وربط الصحفي كل ما سبق من زيادة في وتيرة التحركات والمواجهات بانسحاب مرتزقة فاغنر من جميع المحاور في البادية إذ رأى أن المجموعة الروسية لعبت دوراً في الحد من تحركات التنظيم خلال السنوات الماضية، وبانسحابها خسر النظام “حائط الصد” الأول في وجه داعش.

وأرجع العكيدي قدرة فاغنر على إيقاف تقدم التنظيم في البادية إلى الأسلحة المتطورة التي كانت بحوزة عناصر المجموعة، من قناصات ليلية ومدافع ثقيلة قال إنها لعبت دوراً مهماً في معارك المساحات المفتوحة: “هم أفضل من ناحية القيادة والتسليح رغم أنهم مرتزقة لا جيش نظامي”.

انسحاب فاغنر
عقب الساعات الأولى من تمرد فاغنر ضد فلاديمير بوتين وقواته أواخر حزيران الماضي اجتمعت القيادة العسكرية الروسية في سوريا بقادة المجموعة في مدينة حمص ووضعتهم أمام خيارين إما البقاء في سوريا والخدمة تحت بنود العقد القديم لمدة شهر واحد فقط وضمهم فيما بعد إلى ملاك الجيش الروسي بعقود جديدة، أو الانسحاب الكامل وعليه غادر معظم العناصر.

وبحسب العكيدي فإن الروس أفرغوا نقاط البادية من عناصر فاغنر بشكل تدريجي على مدار شهر أيلول، إذ أُرسل القسم الأكبر الذي رفض الانضمام للجيش الروسي إلى موسكو عبر مطار حلب الدولي، في حين نُقل الباقون، وهم القلة، إلى نقاط في جنوبي حلب ومسكنة، وآخرون نقلوا إلى المقر الرئيسي في مدينة تدمر.

نقاط انتشار فاغنر في البادية السورية قبيل انسحابها
ومن بين أوائل المنسحبين كانت مجموعة روستوف التي وصفها العكيدي بالمجموعة “الدموية”، مبيناً أنها كانت تشرف على معظم قطاعات البادية خاصة في تدمر والسخنة والكوم وحقل آراك، وينحدر معظم عناصرها من الجنسيتين البيلاروسية والروسية.

وبلغ عدد عناصر فاغنر في حد الذروة بسوريا نحو 1500 معظمهم من جنسيات تتبع لدول الاتحاد السوفييتي سابقاً، إلى جانب مئات السوريين المجندين، بينهم موظفون مدنيون.

ملء الفراغ.. ميليشيات تحصيل حاصل
ومنذ الإعلان عن بدء الانسحاب، لهث النظام السوري لاحتواء الفراغ الذي ستتركه “فاغنر”، إذ عمل على نشر ميليشيات محلية، منها ما أعاد تنشيطها بعد أن كان قد حلّها، في حقول وآبار النفط “جزل، آراك، الشاعر”، إضافة إلى تعزيز وجود الميليشيات الإيرانية وميليشيات الدفاع الوطني في نقاط البادية.

ووفق العكيدي فإن الميليشيات البديلة تضم عدة مجموعات هي على الشكل الآتي: درع الأمن العسكري، أو ما يطلق عليها اسم “درع الأسد” يقودها وسيم الأسد ومعظم عناصرها من الساحل السوري، انتشرت عناصر هذه الميليشيا في المنطقة المحيطة بالظبيات وآراك، إضافة إلى محيط تدمر.

الفيلق الخامس الذي شكلته روسيا في تشرين الثاني عام 2016 وضم في البداية مجموعات من ميليشيات الدفاع الوطني واللجان الشعبية في حين انضم إليه لاحقاً عقب اتفاقيات المصالحة مقاتلو بعض فصائل المعارضة.

الفرقة 25 قوات خاصة التابعة لسهيل الحسن، نُشرت عناصرها بشكل رئيسي في محيط الظبيات.

ميليشيات إيرانية “فاطميون وزينبيون” يغطون المساحة الكبرى من محاور البادية.

وكان معهد دراسات الحرب الأميركي قد نشر تقريراً في وقت سابق قال فيه إن “الحرس الثوري” الإيراني أعاد ملء مواقع في البادية السورية كانت تسيطر عليها مجموعات فاغنر.

وذكر التقرير آنذاك أن روسيا والنظام السوري ساعدا في إعادة ملء بعض تلك المواقع، ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من المواقع، التي تضم حقول غاز ونفط، لم يقم النظام السوري ولا إيران بملئها حتى الآن.

من جانبه وافق رأي العكيدي ما جاء في تقرير المعهد إذ شدد على أن الميليشيات الداعمة للنظام، الإيرانية والمحلية، “لن تتمكن من تغطية الفراغ الذي خلفه انسحاب فاغنر”، واصفاً إياها بـ “البديل الفاشل”، متوقعاً أن ترتفع معدلات هجمات داعش أكثر وأكثر خلال الأيام والأسابيع المقبلة.

وتابع: “الطيران غائب بشكل شبه كلي عن سماء البادية، شارك يوم أمس لأول مرة بقصف نقطة جنوبي الرصافة وحول بئر رحوم، وفي ظل هذا الغياب وكثافة الألغام التي يزرعها التنظيم، فإن أي منطقة سيتقدم إليها الأخير ستشكل كارثة بالنسبة للنظام”.

وأشار إلى أنه ليس بمقدور التنظيم الثبات في موقع اليوم، مجمل تحركاته تظهر أنه يسعى لحرب استنزاف واغتنام، وفي سيناريو مختلف قد يتبع سياسة سيطرة وتلغيم ثم انسحاب كما فعل في منطقة الكوم نهاية العام الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 عنصراً للنظام خلال عمليات تمشيطها.

خريطة.. 5 قطاعات
ويتوزع التنظيم في البادية الشامية على 5 قطاعات ويتحرك عناصره في مجموعات صغيرة على رأس كل منها قائد أو ما يطلق عليه اسم أمير، والقطاعات هي:

– قطاع الكوم والسخنة بريف حمص
– قطاع الرصافة في ريف الرقة
– قطاع ثريا وبادية حماة
– قطاع خناصر جنوبي حلب
– قطاع جبل البشري غربي دير الزور والذي يضم المجموعة الرئيسية – ويعتبر المعقل الأم للتنظيم في البادية.

من هي مجموعة فاغنر؟
 تأسست عام 2014 بقرابة ألف عنصر وتزايد عددها مع الوقت ليصل إلى نحو 20 ألفاً، وبرز دورها في القتال إلى جانب القوات الروسية مبكراً في سوريا ولاحقاً في أوكرانيا.

وانتشر عناصر المجموعة في سوريا عام 2015 إذ قاتلت إلى جانب قوات النظام وتمركز وجودها بداية حول حقول النفط والغاز في مدينة دير الزور في حين توسع انتشارها لاحقاً وظهرت في القتال ضد تنظيم داعش بمدينة تدمر خلال معارك 2016 و2017.

شكّلت فاغنر في سوريا 3 سرايا استطلاع وسرية دبابات ومجموعة مدفعية مشتركة ووحدات استخبارات وأعمال لوجستية.

وتلقت المجموعة خلال سنوات وجودها في سوريا خسائر بشرية كبيرة، إذ وثّق مقتل العشرات، يذكر منهم 32 عنصراً قتلوا خلال معارك تدمر، إضافة إلى مقتل العشرات بقصف أميركي استهدف رتلاً للمجموعة في منطقة خشام بريف دير الزور عام 2018.