بحث
بحث

حكومة النظام خارج السوق المحلية، والمستوردون ينفردون

ألكسندر حداد- أحمد عبيد

انتهجت حكومة النظام عدة تجارب في سياستها الاقتصادية لضبط أسعار السلع المستوردة ومطابقتها مع أسعار الأسواق العالمية، عبر فرض نسب على المستوردين لبيعها للقطاع الحكومي ومؤسسات الدولة، إلا أن خطتها بضبط الأسواق باءت بالفشل، وقراراتها الاقتصادية عادت على المستوردين بالفائدة المطلقة، ما أدى لإخراج الحكومة من السوق المحلية وتسلط المستوردين عليها بشكل شبه كامل، ولا سيما قرار تمويل المستوردات بالعملة الأجنبية وبقيمة الصرف المركزي الرسمي، الذي فتح باب التجارة بها في السوق السوداء من قبل المستوردين، وفتح باب كسب مليارات الليرات شهرياً.

أصدر مصرف سورية المركزي مطلع شهر أيار الفائت، قراراً ألزم فيه المصارف المسموح لها التعامل بالعملة الأجنبية، بتمويل قائمة من السلع الأساسية وفق سعر صرف الدولار الصادر عن البنك المركزي، متضمنة نسبة كبيرة من السلع المستوردة.

وجاء التعميم بعد قرار صادر عن مجلس الوزراء في حكومة النظام، يقضي بتوسيع حزمة المستوردات من المواد الأساسية، لتأمين الاحتياجات المطلوبة في الأسواق المحلية، عن طريق مؤسسة التجارة الخارجية.

وتضمن قرار مجلس الوزراء توسيع الاستيراد المباشر دون وسطاء، على أن تقدم وزارة المالية والمصارف العامة القروض اللازمة لمؤسستي التجارة الخارجية والمؤسسة السورية للتجارة، ما يسهم بخفض الأسعار وتحقيق التنافسية وكسر الاحتكار.

وكان الهدف من الخطة الموضوعة والقرارات الصادرة الوصول إلى نتيجة إيجابية في الأسواق، وإجبار التجار على تخفيض الأسعار، لكنها بقيت مقيدة دون تنفيذ، ما أدى لتلاعب التجار وارتفاع الأسعار تدريجياً لتعادل أسعار المستوردة منها، ومثيلتها في الأسواق العالمية لبعض السلع.


القرارات الحكومية تضخم ثروة المستوردين

تقدم حكومة النظام الحصة الأكبر من دعمها المادي المخصص للاستيراد الجميع المستوردين، وتخص منهم مستوردي المواد الغذائية، ومن المعروف أن هذا الدعم محصور بالدولار الأمريكي، وبسعر الصرف المخصص في المصرف المركزي البالغ 438 ليرة سورية تقريباً، في خطوة منها لدعم الأسواق المحلية والمساهمة في تخفيض أسعار السلع المستهلكة، ومطابقتها مع الأسعار العالمية، لكنها لم تحرك ساكناً بالأسواق المحلية، ولم تعود بالفائدة سوى على ثروات المستوردين، حيث يمتلكون جميعاً أرصدة ضخمة في بنوك مختلف الدول الأوروبية، تمكنهم من عمليات الشراء وتحويل الأموال، وبالتالي باتت عملية الدعم وسيلة لترميم أرصدة المستوردين من العملة الأجنبية واستبدالها بمثيلتها وبقيمة أقل، يصل الفارق بينها لنحو 150 ليرة سورية للدولار الواحد، وقيمة المستوردات بالتأكيد تقدر بملايين الدولارات، ولا سيما بعد قرار توسيع الاستيراد الصادر عن مجلس الوزراء مؤخراً.


مقارنات في الأسواق العالمية والمحلية
ما زالت حكومة النظام حتى اليوم عاجزة عن معالجة آفات السوق المحلية ومطابقتها مع الأسعار العالمية، وأثبتت فشلها في جميع الخطوات المتّبعة، وهوما يظهر عند البحث في أسعار معظم السلع الغذائية داخلياً، التي تزيد بنسبة 100% عن مثيلتها في الأسواق العالمية، فلو تناولنا سعر الكيلو غرام الواحد من السكر بالأسواق العالمية نجده 0.30 دولار أمريكي، (أي ما يقارب 125 ليرة سورية) بحسب سعر الصرف المركزي، بينما يبلغ سعره 350 ليرة سورية في السوق المحلية، (أي ما يقارب 0.80 دولار أمريكي).

وعند تناول السعر العالمي للأرز نجده 0.45 دولار للكيلوغرام الواحد، (ما يقارب 175 ليرة سورية)، بينما تباع أسوء الأنواع محلياً بسعر 300 ليرة سورية، علماً أنها مقدمة كمساعدات إغاثية أممية، في حين يبلغ سعر الكيلوغرام للأرز المصري في الأسواق المحلية 800 ليرة سورية، (ما يقارب 1.80 دولار أمريكي) بحسب سعر المصرف المركزي.

ولو تناولنا سعر الكيلوغرام للشاي عالمياً نجده 2.50 دولار أمريكي (ما يقارب 900 ليرة سورية)، بينما يتجاوز سعره محلياً 3 آلاف ليرة سورية (ما يقارب 6.85 دولار أمريكي) في حين يبلغ سعر أنواع مستوردة أخرى 5 آلاف ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، وتشمل هذه المقارنات مختلف المواد المستوردة من غير الغذائيات، كالأدوية والمواد الطبية والمحارم والمنظفات والأسمدة والأخشاب.

وخلال المقارنات، علينا وضع الأصناف المتردية المفروضة على السوريين في الأسواق المحلية بعين الاعتبار، والتي يحصل عليها المستوردون من بلاد المنشأ بأسعار أقل من مثيلتها، دون مطابقة للمواصفات العالمية بناءً على طلبهم.

وتبقى العقوبات الاقتصادية المفروضة، ومتاعب تأمين البضائع وارتفاع أجور الشحن ومخاطره الذريعة الرئيسية للمستوردين لتبرير رفع أسعار هذه السلع.


نظرة محلية
يعتبر اتهام وزارة التموين ولجان حماية المستهلك بالتقصير سيد الموقف المحلي، منذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمواد الأولية التي تدخل في صناعتها بشكل كبير قبل أشهر، كأسعار السكر والأرز والبرغل والحليب ومشتقاته، بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية أمام الليرة السورية، ما أثر على أسعار الأطعمة المصنعة، كالحلويات التي ارتفعت أسعارها بنسبة 25% كونها تعتمد على الكثير من تلك المواد في صناعتها، ولا شك أن هذه الاتهامات وليدة معرفة معظم السوريين بأن سعر المستوردات مرتبط بسعر صرف الدولار في المصرف المركزي، ولا علاقة لها بسعر صرف السوق السوداء.

وأجمع التجار المحليون على أن الخطوة الأولى لحكومة النظام في كسر الاحتكار ومعالجة الاقتصاد الداخلي هي الاعتراف بسرقة المستوردين للمال العام، واعتبار استيرادهم طريقة كسب غير شرعية، كون أرباحهم تتضاعف مرة عند تمويل المصرف المركزي لهم، وأخرى عند ربط أسعار المبيع بصرف الدولار بالسوق السوداء، متسائلين إن كانت اللجان المختصة في حكومة النظام قادرة على مصادرة أموال المستوردين، وأن تشغل دور اللاعب الأساسي في الأسواق عن طريق الاستيراد الحكومي المباشر، وتخفيض نسبة الأرباح عن طريق وسطاء آخرين، وبطرق شحن وخطوط تجارية جديدة.


نظرة اقتصادية
حاولت حكومة النظام فرض تعديلات على قوانين الاستيراد لإنقاذ السوق المحلية، فألزمت المستوردين ببيع 15% من سلعهم للمؤسسات الحكومية وصالات البيع، ومن ثم رفعت النسبة لـ 25% لكن محاولتها باءت بالفشل، نتيجة احتجاج التجار والمستوردين عليها، ما دفعهم لإصدار قرار آخر يوم أمس أعادت فيه النسبة لـ 15%، لكن هذه النسب لن تعود بالفائدة على الأسواق المحلية، كونها ضئيلة جداً، ولا تمنع المستوردين من فرض أرباحهم التي تبلغ 100% في معظم المواد المستوردة.

وباتت الحكومة الآن خارج الأسواق، بعد إصدار القرارات التي تفرض على المصرف المركزي والمصارف التجارية تمويل المستوردات بسعر الصرف المركزي لأكثر من 60 % من احتياجات القطاع الخاص بعد أن كانت 30 % فقط، وتطبيق مثل هذا الاجراء يتطلب بيع كمية كبيرة من العملة الأجنبية للمستوردين، وهي غير موجودة في المصارف أساساً، ما أدى لانتعاش السوق السوداء، وخاصة في ظل انخفاض كمية الحوالات القادمة إلى سوريا، إضافة لنسبة البضائع المستوردة التي يمولها المصرف المركزي، والتي تجاوزت 57% من قائمة البضائع المسموح استيرادها في سوريا، وهذا الانتقال من تمويل المستوردات لصالح القطاع العام إلى تمويلها عبر مستوردين معينين هو السبب الرئيس لإخراج الحكومة من الأسواق، والعامل الأول لتحكم التجار بالحالة الاقتصادية في البلاد.

ويرى خبراء اقتصاديون أن الحكومة لا تستطيع إيقاف هؤلاء المستوردين لأنهم المسيطر الفعلي على أكثر من 80% من المواد المستوردة، وأن الخطة الاقتصادية في سوريا ترسم بما يضمن مصالح المستوردين ومناصريهم داخل أورقة الحكومة، لافتين أن هؤلاء الأثرياء يعملون على تبييض أموالهم عبر شراء العقارات وتأسيس الشركات الوهمية، ما يخلق تضارب بالأسعار للقيم الثابتة.

وأكد الخبراء أن هذه السياسة الاقتصادية ستمضي بالليرة السورية إلى فقدان قيمتها أكثر مما هي عليه الآن، وبالتالي فإن ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية سيقابله ارتفاع بأسعار العقارات والموجودات الثابتة، وسحب الأموال من الادخار العام وضخها لصالح مشاريع وهمية.

اقتراحات حكومية منفصلة عن الواقع
قررت جمعية حماية المستهلك التدخل بعد سنوات من الفلتان الذي فرض هيمنته على الأسواق، واقترحت إنشاء هيئة أسعار تعمل بشكل مشابه للبورصة، معتقدةً بأنها ستعطي كلاً من المستهلك والتاجر حقه، إلا أنها قوبلت بالهزل والسخرية، فلا يعقل جعل السكر والأرز بورصة للتعامل اليومي، ولا شك أنها ستتيح للتجار التلاعب بأسعار المواد الغذائية والمستلزمات الأسرية اليومية كما يتلاعبون بأسعار صرف العملة الأجنبية والذهب.

وقال أحد أعضاء جمعية حماية المستهلك في تصريح له إن الجمعية تراقب عن كثب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الذي تجاوز نسبة 7%، وخاصة مادة الأرز بأنواعه، الذي قال إن سعره ارتفع نحو 50 ليرة سورية، “في حين ارتفاعه بلغ 80 ليرة للمستهلك”، لافتاً أن انخفاض القوى الشرائية المحلية أمر طبيعي كون الأسعار العالمية في تغيير متكرر، إلا أننا وبالعودة إلى قوائم الأسعار العالمية لم نشهد أي تغير في أسعار المواد الغذائية منذ شهرين.

وتابع عضو الجمعية حديثه فيما يخص الأدوات الكهربائية أن الأسعار متفاوتة نتيجة تلاعب التجار، مرجعاً ذلك لافتقاد وجود هيئة تسعير تتبع للجمعية، وعدم تجاوب مديرية التموين مع الأمر.

اترك تعليقاً