بحث
بحث

من يجرؤ على اعتقال أبرز المخلّصين الجمركيين في سوريا؟

نفذت جهة أمنية تتبع لـ”القصر الجمهوري” موالية لروسيا، خلال الأسبوع الأول من نيسان/ابريل، حملة اعتقالات استهدفت أكثر من 25 مخلّصاً جمركياً، ومن يتبعهم من رجال نافذين على صلة وثيقة بالحلقة المقربة من الأسرة الحاكمة وكبار رجال الأعمال.

مصادر خاصة كشفت لـ”المدن” تفاصيل الاعتقالات والمفاوضات الجارية بين قيادة النظام والمخلّصين الجمركيين المعتقلين، وأكدت أن أوامر الاعتقال صدرت من القيادة المحيطة بالرئيس بشار الأسد، بطلب من الجانب الروسي والتنسيق معه.

وشملت الحملة إغلاق جميع مكاتب المخلّصين الجمركيين المُستهدفين، ووضع حجز احتياطي فوري على كافة املاكهم في سوريا، من منازل ومكاتب وسيارات، وتجميد كافة الأرصدة البنكية الخاصة بهم، وإصدار تعليمات واضحة للمنافذ الحدودية بعدم التعامل مع أي شخص يتبع لهؤلاء الأشخاص ومكاتبهم.

ووصفت مصادر “المدن” تلك الحملة بأنها الأعنف في تاريخ سوريا منذ عهد الأسد الأب، إذ لم يجرؤ أحد سابقاً على المس بهؤلاء المُخلّصين العاملين لصالح مقربين من آل الأسد ومن رجال أعمال مقربين من دائرة النظام الضيقة.

وطالت الحملة مخلّصين جمركيين مُقربين من شقيق الرئيس ماهر الأسد، وأيهم كمال الأسد، ورئيس “الهلال الأحمر” خالد حبوباتي، ورجل الأعمال محمد حمشو، المقرب من ماهر الأسد، وآخرين من العاملين في مجال التخليص الجمركي لمختلف أنواع البضائع من غذائيات وكهربائيات والالكترونيات والمواد الأولية للمصانع.

وبحسب مصادر “المدن”، فإن عدداً من المستهدفين استطاعوا الهروب خارج سوريا عبر الحدود السورية–اللبنانية قبيل انطلاق الحملة، لكن ذلك لم يوقف عملية الحجز الاحتياطي على أملاكهم داخل سوريا، فضلاً عن إيقاف مكاتبهم عن العمل.

ووفقاً لمصادر “المدن”، فإن المخلّص الجمركي م.ط، المُقرب من ماهر الأسد، تمّ اعتقاله النظام برفقة شقيقه، وهما يحاولان حالياً التفاوض لحل المشكلة.

واشترطت الجهة المنفذة للحملة على الأخوين تسليم 70% من أموالهم داخل وخارج سوريا، وتسليم أرصدتهما في البنوك الخارجية، فضلاً عن مصادرة معظم سياراتهما. ومقابل ذلك، سيتم إطلاق سراحهما والسماح لهما بمزاولة العمل كمخلّصين جمركيين ضمن قيود معينة.

المُخلّص الجمركي ص.ح، المقرب من محمد حمشو وخالد حبوباتي، وهو الأبرز في سوق التخليص الجمركي في سوريا، رفض بشكل قاطع التفاوض، على أمل أن يتدخل حمشو وحبوباتي لتخلصيه من الورطة، التي ربما ستسبب له ولهم بخسارة كبيرة جداً.

وأكدت مصادر “المدن” أن الجهة المُنفّذة، فتحت ملفات هؤلاء الأشخاص خلال التحقيق معهم، واجبرتهم على الاعتراف عن اسماء المتعاونين معهم، بغض النظر عن الثقل الاقتصادي والسياسي والعسكري لداعميهم، والاعتراف بكافة المستودعات غير المعروفة. وقد جرت مداهمات لعشرات المستودعات التابعة لهؤلاء المخلّصين، ومصادرة ما فيها من بضائع، بغرض التفاوض المباشر مع أصحابها والتحقيق معهم.

ومن بين الملفات التي تم فتحها لهؤلاء المخلّصين الجمركيين؛ إدخال البضائع لصالح شخصيات وهمية لا أثر لها في السجلات المدينة، وتسجيل أسماء غير حقيقية، بطلب من أصحاب البضائع الأصليين ليكونوا بعيدين عن الشبهات تماماً.

وفتح النظام ايضاً ملف السيارات غير المُسجلة رسمياً في سوريا، والتي دخلت إلى البلاد عبر هؤلاء الأشخاص لصالح شخصيات مقربة من النظام، وأعطيت مهمات أمنية وعسكرية.

ووفقاً لمصادر “المدن” فإن عدداً من الشخصيات النافذة والضباط الكبار وبعض المخلّصين الجمركيين، الذين هم على صلة بالمعتقلين، قاموا بتجميد معظم نشاطاتهم في مجالات التجارة والتخليص الجمركي، وافرغوا كافة المستودعات خوفاً من ورود أسماءهم ضمن التحقيقات الجارية.

وأشارت مصادر “المدن” إلى استمرار الحملة، لتشمل مجالات أخرى، وهي موجهة لمصادرة أكبر كمية ممكنة من الموارد المالية التي جناها تجار الحرب خلال السنوات الماضية، أو على الأقل مشاركتهم أرباحهم.

ولا يبدو أن هدف هذه الحملة هو مكافحة الفساد بأي شكل من الأشكال، بل اجبار كبار المتنفذين، ومنهم بعض الذين أثروا خلال سنوات الحرب بممارسات غير شرعية، على التنازل عن جزء من ممالكهم المالية. ويبدو أن مجموعة جديدة من الضباط والمسؤولين، مقربة من روسيا، تريد تثبيت موقعها في قمة هرم سلطة النظام، هي من تسعى لمقاسمة هؤلاء المخلّصين الجمركيين ثرواتهم، باعتبارهم حلقة ضعيفة نسبياً، من دون المس بداعميهم.

وقد تفتتح هذه الحملة سلسلة جديدة من الحروب بين مراكز القوة في النظام، سعياً لمراكمة الثروة، وحماية المواقع، وإضعاف المنافسين. ولا تعتقد مصادر “المدن” أن الممتلكات والأموال المصادرة ستجد طريقها إلى خزينة الدولة، بل قد تستثمر في تمويل مليشيات مسلحة سيتم اللجوء إليها لاحقاً في المعارك البينية المقبلة.

المصدر: جريدة المدن 

اترك تعليقاً