بحث
بحث
دراسة تحلل موازنة 2021 وتكشف عمق المصائب في اقتصاد سوريا
انترنت

دراسة تحلل موازنة 2021 وتكشف “عمق المصائب” في اقتصاد سوريا

أظهرت الدراسة خطورة الأزمة الاقتصادية على المواطن السوري، الذي انخفضت حصة الإنفاق عليه بنسبة 70% في العام 2021 مقارنة بالعام 2010.

نشر المجلس الأطلسي دراسة للباحث الاقتصادي السوري الدكتور كرم شعار والصحفي ويليام كريستو، بعنوان ” موازنة 2021 تكشف عمق المصائب التي يعاني منها اقتصاد سوريا”، والتي تستعرض حقيقة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها حكومة النظام، مقارنة بالسنوات السابقة حتى عام 2010، الذي يعتبر العام الأساس في الدراسة وهو العام الذي سبق انطلاقة الثورة السورية.

وأظهرت الدراسة التي اعتمدت على الأرقام الصادرة عن مركز الشرق للسياسات، خطورة الأزمة الاقتصادية على المواطن السوري، الذي انخفضت حصة الإنفاق عليه بنسبة 70% في العام 2021 مقارنة بالعام 2010. وكذلك تكشف انخفاض إجمالي الإيرادات بنسبة 83%، وأن محاولة تحديد مديونية حكومة النظام بدقة أمر مستحيل بسبب الصفقات الغامضة، وأن إيران أقرضت النظام مبلغاً يفوق موازنة سوريا لعام 2021 بعشرة أضعاف على أقل تقدير، وفقاً لما ترجم “تلفزيون سوريا”.

موازنة 2021 الأصغر منذ 2011

في الـ 28 من أيلول الفائت عرضت حكومة النظام مقترح موازنة 2021 بقيمة 8.5 تريليونات ليرة سورية (ما يعادل 2.7 مليار دولار أميركي). وأشارت الدراسة إلى أن مخصصات تلك الموازنة وتصنيفاتها ما تزال قيد النقاش والجدل في “مجلس الشعب”. وتعتبر هذه الموازنة الأصغر منذ بداية الثورة في عام 2011، وذلك بسبب الانخفاض الحاد في قيمة الليرة السورية والتباطؤ المطرد في النشاط الاقتصادي خلال السنة الحالية.

وانخفضت قيمة الموازنة لعام 2021 بنسبة 27% عما كانت عليه في السنة الماضية، وذلك بعد الأخذ بالاعتبار قيمة الدولار الأميركي واحتساب التضخم (التضخم يقصد به أن سعر السلعة اليوم إذا كانت دولاراً أميركياً على سبيل المثال فإنها ستكون بعد 10 أعوام 1.5 دولار تقريبا، وبحسب الدراسة فإن الدولار في عام 2010 أقل قيمة بـ 13% من العام 2021). وبهذه المعادلة يمكن احتساب الرقم بالأسعار الحقيقية.

وبناء على ما سبق، كانت موازنة عام 2010 (16 مليارا و93 مليون دولار)

وفي عام 2011 (17 مليارا و243 مليون دولار)

وفي العام 2012 (23 مليارا و288 مليون دولار)

وفي العام 2013 (14 مليارا و812 مليون دولار)

وفي العام 2014 (8 مليارات و628 مليون دولار)

وفي العام 2015 (6 مليارات و977 مليون دولار)

وفي العام 2016 (4 مليارات و545 مليون ودولار)

وفي العام 2017 (4 مليارات و693 مليون دولار)

وفي العام 2018 (5 مليارات و972 مليون دولار)

وفي العام 2019 (6 مليارات و556 مليون دولار)

وفي العام 2020 (3 مليارات و678 مليون دولار)

الإنفاق على الفرد انخفض بنسبة 70%

بالنظر إلى الميزانيات المعلنة رسمياً من قبل النظام، يظهر أن حصة الإنفاق على الفرد قد انخفضت بنسبة 70%، مقارنة بالعام 2010. وهذه النسبة تعكس مدى خطورة الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

وفي هذا السياق أشار الباحث كرم شعار في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى نقطة إضافية مهمة وتزيد من توضيح خطورة الأزمة، وهي أن النظام ينفق حالياً على 11.7 مليون نسمة يعيشون في مناطق سيطرته، في حين كان العدد عام 2010 (21.4 مليون نسمة)، وهذا يعني أن انخفاض نسبة الإنفاق أكبر بكثير من 70%.

ويلغ الإنفاق في العام 2012 (2382 دولاراً) للفرد، وهو ارتفاع كبير مقارنة بما قبله وبعده. وأوضح شعار بأن السبب يعود إلى أن النظام حاول حينها في بداية الثورة السورية امتصاص حالة الغضب الشعبي وزاد من حجم الموازنة ليزيد من حجم الإنفاق على الفرد.

انكماش في الإيرادات بنسبة 83% 

إن انخفاض الموازنة سببه الانكماش في الإيرادات، ففي عام 2021 انخفض إجمالي الإيرادات بنسبة 83% عما كانت عليه الموازنة في عام 2010. كما تغيرت تركيبة إجمالي الإيرادات.

فبحسب تقرير نشره المركز السوري لبحوث السياسات، فإن الدخل الذي ليس له علاقة بالضرائب، يمثل فقط ثلث الإيرادات العامة السنوية في عام 2019، ويعود أحد أسباب ذلك إلى هبوط إنتاج النفط بنسبة 90% في المناطق التي يسيطر عليها النظام منذ عام 2011 (حيث كان يتم إنتاج 368 ألف برميل يومياً، مقارنة بـ22 ألف برميل باليوم في عام 2020). وبالمقارنة نجد بأن الإيرادات التي ليست لها أي علاقة بالضرائب تمثل ثلثي إيرادات حكومة النظام في موازنة 2010.

وتقول الدراسة “ولذلك لم يبق لنا سوى أن ندرس كيف يمكن لحكومة النظام أن تضيق على الناس بالضرائب دون أن تثير المظالم الموجودة بالأصل. إذ قبل الأزمة الاقتصادية الحالية، كان ما يزيد عن 80% من السكان يعيشون في فقر مدقع بحسب ما ذكرته هيئة الأمم المتحدة في شهر آذار من عام 2019”.

ومع انخفاض المدخول بشكل كبير منذ عام 2011، لم تعد الضرائب تكفي لتمويل نفقات حكومة النظام، ما أدى إلى ظهور حالات عجز دائمة وكبيرة. وحالياً تقف العوائد المتوقعة لموازنة 2021 اليوم عند حدود 6 تريليونات ليرة سورية (ما يعادل 2.1 مليار دولار)، الأمر الذي لابد وأن يشكل عجزاً في الموازنة يعادل 2.5 تريليون ليرة سورية (ما يعادل 902 مليون دولار أميركي). وبالرغم من احتمال قيام حكومة النظام باقتراض مبالغ كبيرة من عناصر فاعلة محلية وأجنبية منذ عام 2011، إلا أن محاولة تحديد مديونية حكومة النظام بدقة أمر مستحيل، وذلك بسبب الصفقات المالية الغامضة التي تقوم بها حكومة النظام.

إلا أن العجز في الموازنة الذي يصنف بمعظمه تحت بند: “الأموال المأخوذة من الاحتياطي”، لا يكشف إذا كان ذلك المبلغ هو عبارة عن طباعة أوراق نقدية جديدة، أو إصدار سندات، أو أموال تم تقديمها على شكل قروض من المصرف المركزي.

وتوحي الزيادة الكبيرة في الأسعار، لاسيما منذ حالة التدهور الأخيرة التي حدثت في أواخر عام 2019، بأن معظم تلك المبالغ المأخوذة من الاحتياطي، هي نقود طبعت حديثاً. وعلى أية حال، وسواء أكان ما تم تداوله على أنه مأخوذ من الاحتياطي والعوائد قد تحول إلى عملة سورية جديدة أو إلى قروض، فليس ثمة أي حافز حقيقي يدفع الحكومة لإعادة الأموال التي تم اقتراضها من مصارف الدولة. وفي الوقت الذي يعتبر فيه الاقتراض من القطاع الخاص على شكل سندات بديلاً أفضل من طباعة العملة النقدية، كونه لا يزيد التضخم، إلا أن الرغبة بإقراض حكومة النظام قد ضعفت وتضاءلت، مما أجبر الحكومة للبحث عن طرق أخرى للاقتراض.

متوسط العجز في الموازنة الرسمية لسوريا يقترب من 32% منذ عام 2011

تقول الدراسة “وإلى جانب الدين في الداخل، قامت حكومة النظام باقتراض مبالغ طائلة من الأموال من حكومات دول أجنبية، وعلى رأسها إيران”.

وبالرغم من عدم وجود أرقام موثوقة تتصل بتلك المبالغ، إلا أن بعض المحللين أشاروا إلى أن إيران قامت بإقراض سوريا مبلغاً يتراوح ما بين 30-105 مليارات دولار أميركي طيلة فترة الحرب، أي أنها أقرضتها مبلغاً يفوق موازنة سوريا لعام 2021 بعشرة أضعاف على أقل تقدير. وقد قدمت إيران تلك الأموال لسوريا تحت ستار غامض يعرف بالخط الائتماني.

أما دعم روسيا للنظام، فقد كان بمعظمه على المستوى السياسي والعسكري، بحسب الدراسة.


وأضافت الدراسة “لذلك من المستحيل بالنسبة للنظام أن يفكر أصلاً بتسديد ما عليه للدائنين الأجانب في ظل الظروف الحالية، أما بخصوص الديون الداخلية من القطاع الخاص، فسيتم على الغالب طباعة المزيد من النقود لتسديدها، مما لابد وأن يفاقم معدلات ونسب التضخم الشديد الذي تعاني منه بشكل متسارع العملة السورية ابتداء من هذا العام”.

أعلى نسبة للنفقات “الجارية” في عام 2021 منذ بداية الثورة

على الرغم من أن “مجلس الشعب” مايزال يناقش تفاصيل موازنة 2021، إلا أن 82% من النفقات، هي “نفقات جارية”، إذ تخدم النفقات “الجارية” مشاريع الدعم الاجتماعي مثل مخصصات الوقود والأغذية التي تدعمها الحكومة، فضلاً عن أجور العاملين في القطاع العام، وهؤلاء يمثلون ثلث القوى العاملة في مناطق سيطرة النظام تقريباً (أي ما يعادل 1.6 مليون نسمة).

أكد الباحث كرم شعار لموقع تلفزيون سوريا، أن سياسة النظام في الإنفاق بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة، تغيرت وباتت تركز على كبح حالة الغضب الشعبي وتأمين المتطلبات الأساسية، “ما يقضي على آخر أمل للنظام بالحصول على الأموال السائلة من أجل مشاريع إعادة الإعمار في المستقبل القريب”.

وبالتالي أظهرت الدراسة أن النسبة المخصصة لـ “الإنفاق الجاري” من موازنة هذه السنة هي الأعلى خلال العقد الماضي، حيث كانت حصة “الإنفاق الجاري” تتناقص بشكل تدريجي بين العامين 2018 و 2020، غير أن هذا التوجه تغير في موازنة 2021، وازداد “الإنفاق الجاري”، وهو أمر طبيعي وبالنظر إلى عمق الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سوريا.

ففي التقييم الذي نشرته صحيفة “قاسيون” السورية مؤخراً، ورد بأن متوسط نفقات وتكاليف المعيشة قد ارتفع بنسبة 74% منذ بداية عام 2020. إذ حتى تعيش الأسرة السورية بمستوى مريح، يجب أن تحصل 700 ألف ليرة سورية شهرياً (ما يعادل 304 دولارات)، إلا أن متوسط الرواتب في القطاع العام لا يتجاوز 55 ألف ليرة سورية (ما يعادل 24 دولاراً)، مما يجعل أغلب الأسر السورية عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية.

وأوضح شعار أن الإنفاق في الموازنة السنوية ينقسم إلى نوعين، الأول إنفاق استثماري، أما الثاني فيسمى “إنفاقا جاريا”، ويعني المصاريف غير الاستثمارية، وإنما المصاريف الجارية التي تكون الحكومة ملزمة بها وتُشكل غالبيتها رواتب الموظفين ومخصصات الدعم للسلع الأساسية وكذلك الخدمات العامة والمحروقات وغيرها.

وأشار شعار إلى أنه وبحسب المخطط البياني التالي، فإن نسبة الإنفاق الجاري في موازنة عام 2021 بلغ 82%، وهو الأكبر منذ عام 2010 على أقل تقدير، وكان ذلك على حساب الإنفاق الاستثماري الذي سجّل أقل نسبة منذ العام 2010 (18% فقط).

ويفسر الباحث ذلك بتغير استراتيجية النظام التي تحاول تدارك الوضع المعيشي المنهار في سوريا.

قولوا وداعاً لإعادة الإعمار فالأولوية لمنع حدوث مجاعة

وبالتالي، ولمنع وقوع مجاعة بشكل واضح وصريح، تركز حكومة النظام على الاحتياجات الفورية للسكان عبر برامجها ومعوناتها الاجتماعية. بيد أن الزيادة المفاجئة في النفقات الحالية تشير أيضاً إلى القضاء على آخر أمل للنظام بالحصول على الأموال السائلة من أجل مشاريع إعادة الإعمار في المستقبل القريب على أقل تقدير.

ففي عام 2018، بدأت حكومة النظام بالتركيز على مشاريع إعادة الإعمار للمرة الأولى بعد استعادتها للسيطرة على مناطق شاسعة في جنوبي سوريا، وكذلك بعد قيامها بشن غارات على المعقل الأخير المتبقي بيد المعارضة في شمال غربي البلاد. وهكذا بدا أمر “انتصار بشار الأسد” في تلك المعركة مسألة وقت فقط، ولهذا بدأ المستثمرون الأجانب يبحثون بهدوء فيما بينهم من سيكون قادراً على تقديم الأموال ضمن عقود ضخمة لابد من توقيعها لإعادة تعمير البلاد.

وبالرغم من أن دمشق قد ادخرت بعض الأموال لتمويل عمليات إعادة الإعمار على مدار السنوات القليلة الماضية، إلا أنها كانت تعول بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية لتمويل القسم الأكبر من تلك المشاريع. وذلك لأن كلفة إعادة بناء الموجودات والأصول التي تدمرت خلال الحرب تعادل 117 مليار دولار على أقل تقدير بحسب ما ذكرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في عام 2020، ما يعني أن سوريا قد تحتاج إلى أكثر من 1700 سنة حتى تسدد تلك المبالغ بالاعتماد على الأموال التي استثمرتها في عملية إعادة الإعمار في عام 2020 (والتي تعادل 66 مليون دولار أميركي).

إلا أن حزمة عقوبات قانون قيصر التي فرضتها الولايات المتحدة في كانون الأول من عام 2019 أحبطت تلك الآمال المتوقفة على التمويل الأجنبي، فقد منع الخوف من احتمال فرض عقوبات ثانوية المستثمرين الأجانب من استثمار أموالهم في عملية إعادة الإعمار بسوريا، ويستثنى من ذلك بعض الشركات الروسية والإيرانية.

فمن دون الأموال التي ستصله للنظام من الخارج، لن يكون بمقدوره أن يشرع بعملية إعادة إعمار على نطاق واسع، وذلك لأن الوضع الاقتصادي في سوريا مايزال يتدهور، مما لابد وأن يدفع الحكومة للبحث عن وسائل أخرى لتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان الذين يعيشون تحت سيطرتها.

ولهذا تشير موازنة 2021 إلى أن حكومة النظام ستنشغل بتأمين أدنى مستويات المعيشة لمواطنيها، وهذه ليست بالمهمة اليسيرة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تخنق البلاد. كما أن مشاريع إعادة الإعمار المتوسطة والكبيرة سيتم تجميدها. وإذا لم يتم التوصل لتسوية سياسية، ورفع العقوبات من أجل تمكين عملية إعادة الإعمار، فلابد وأن يواصل اقتصاد سوريا ترنحه وتدهوره في المناطق التي يسيطر عليها النظام.