بحث
بحث

حين استخدم النظام الحرب لهدم القابون



باشر النظام عمليات الهدم والتفجير لمناطق كانت تحت سيطرة المعارضة شرقي العاصمة دمشق، منذ كانون الثاني/يناير 2018، رغم أن الإعلام الرسمي يقول إنها عمليات تفجير لأنفاق وذخائر من مُخلفات المعارك.

ورشات تابعة لرجل الأعمال محمد حمشو، المُقرّب من ماهر الأسد، كانت قد بدأت عمليات الهدم والتفجير، قبل أن تتم إزاحته بذريعة “المساس بأبنية لا تزال صالحة للسكن”. النظام مع ذلك، لم يسمح حتى اللحظة، بعودة أي مدني إلى أحياء تشرين والقابون وغربي حرستا، شرقي دمشق، باستثناء بعض الفلاحين الذين تمكنوا من دخول أراضيهم الزراعية.

مصدر مُطلع في محافظة دمشق، أكد لـ”المدن”، أن إزاحة حمشو لم تأتِ لأنه اقترب من أبنية صالحة للسكن، فالورشات التي جاءت بعد خروج مهندسي حمشو، لم تترك منزلاً أو بناءً إلا وهدمته مُحدثة تغييراً شاملاً في المنطقة، تماما كما حدث في مشروع “مدينة ماروتا” خلف بساتين الرازي والسفارة الإيرانية في منطقة المزة.

ووفقاً لمصادر “المدن”، فإن اللواء رياض شاليش، ابن عمّة الرئيس بشار، المدير الأسبق لـ”مؤسسة الانشاءات العسكرية”، هو أحد المسؤولين عن عمليات تفخيخ وتفجير الأبنية السكنية في القابون ومحيطها، فيما تتسلم “الفرقة الرابعة” و”الحرس الجمهوري”، مهمة إزالة الألغام وتفجير الأنفاق التي كانت تربط المنطقة بمُدن وبلدات الغوطة الشرقية خلال فترة سيطرة المُعارضة المُسلحة.

وتناوب على عمليات ترحيل الأنقاض وفرزها لإعادة تدويرها، عشرات المقاولين بصفقات مع النظام، من محمد حمشو، إلى سامر فوز، مروراً بمُتعهدين حديثي النعمة. وامتدت أعمال الهدم والترحيل إلى طريق مشفى تشرين العسكري، إذ عملت الورشات على إزالة عشرات الأبنية خلال الشهور الماضية، ووضع النظام يده على المنطقة، بموجب القانون رقم 10، وفقاً لمصادر “المدن”، بُغية توسيع الطريق من الجانبين وإلغاء السكن العشوائي.

ويقول مصدر من محافظة دمشق لـ”المدن”، وفقاً لمعلومات مُتداولة، إن الروس وضعوا يدهم على منطقة القابون، وهو ما يُفسر سُرعة العمل الكبيرة وإنجاز الهدم والترحيل من دون توقف، على أن يتم عرض المنطقة لـ”إعادة الإعمار” ضمن مناقصة دولية. ويُضيف المصدر: “الحديث يجري عن وجود شركات أجنبية، من الممكن أن تتنافس لإعادة إعمار المنطقة التي تُعتبر مدخل العاصمة الرئيسي للعاصمة من جهة الشمال، والتي ستضم أيضاً المنطقة الصناعية في القابون والتي تم تدميرها منذ العام 2012 بالكامل، وإجبار أصحاب الورشات على نقل أعمالهم ومستودعاتهم إلى المنطقة الصناعية في مدينة عدرا”. وأكد المصدر أن رجل الأعمال السوري سامر فوز، سيكون أحد المُشاركين في “إعادة إعمار” المنطقة.

المخططات التنظيمية الأولية التي وُضعت لمنطقة القابون تتضمن أبراجاً سكنية وحدائق ومدينة ألعاب مائية، ومدينة ملاهي، وسكة قطار قد تربط دمشق بالمحافظات الأخرى مروراً بالقلمون الشرقي.

ووثقت “المدن” عمليات بيع لمزارع وأبنية سكنية في محيط القابون، مسجلة أصولاً، أي لأملاك لها “طابو أخضر” وليست ضمن العشوائيات. وتتم عمليات البيع عبر تُجار عقارات مُقيمين في دمشق وبرزة، لصالح مجهولين حتى اللحظة، وبأسعار تُقارب أسعار السوق، أي من دون التقليل من قيمة العقارات المُباعة.

مصدر أهلي يملك منزلاً في عشوائيات القابون، قال لـ”المدن”: “حاولت جاهداً تسجيل منزلي وفق ما أذاع النظام، كي لا يتم استملاكه بموجب القانون رقم 10، لكن، يبدو أن الأوامر واضحة في ما يخص القابون، إذ تم رفض تسجيل طلبي لتثبيت مُلكية عقاري ولم تحضر لجنة كشف الأضرار، بحجة أن المنطقة بالمجمل ستخضع للتنظيم ولن يكون هناك أي عودة في الوقت الحالي”.

مشروع القابون ومحطيها، ومدخل دمشق الشمالي، قائم منذ العام 2006 تقريباً، وسط إشاعات متداولة منذ ذلك الوقت عن مشاريع ضخمة تعهد تنفيذها ذو الهمة شاليش، ابن عمة بشار الأسد، ورئيس أمنه الرئاسي. قسم من منطقة غربي حرستا المُطلة على الاوتستراد الدولي تُعرف باسم “مشروع أبراج شاليش”. وتمكن ذو الهمة، المشمول كما أخيه في قائمة العقوبات الغربية على النظام، من شراء عقارات ومزارع كبيرة في المنطقة، لكن إخلاء السُكان من العشوائيات واندلاع الثورة حالا دون إكمال المُخطط. المعارك شرقي دمشق جاءت لتُنهي ما بدأه شاليش قبل أعوام، من تبرير لهدم المنطقة. إلا أن الحرب وصعود أمراء جدد لها، ربما أزاحت شاليش من خريطة الإعمار والاستثمار شرقي دمشق، بحسب مصادر “المدن”.

مليشيات النظام كانت قد استخدمت في حربها على المعارضة في أحياء القابون وتشرين صواريخ شديدة الانفجار وخراطيم مُتفجرة مُخصصة لإحداث دمار كبير، بقصد هدم أكبر مساحة مُمكنة وتهجير السُكان من دون عودة. عدم عودة الأهالي كان أحد شروط اتفاق إخلاء القابون من المعارضة. بضع عائلات كانت قد قررت البقاء في الحي، فتعرضت لضغوط أمنية كبيرة أدت لإخلائها.

المنطقة الصناعية في القابون، والقريبة نسبياً من الاتوستراد الدولي، وصولاً إلى منطقة نهر تورا وكراجات العباسيين وكراج البولمان، هي منطقة خاضعة أيضاً للتنظيم، منذ ما قبل الثورة، على أن يتم نقل كافة الورشات والمستودعات فيها إلى المدينة الصناعية في عدرا. اندلاع الثورة أوقف العمل بالقرار، وسارع النظام بعد بدء المعارك في القابون على تفجير عشرات الورشات الصناعية والمستودعات وإزالتها تماماً لتجنب عودة أي صناعي حال انتهاء العمليات العسكرية.

المصدر: جريدة المُدن الالكترونية. 

اترك تعليقاً