بحث
بحث

كنيس جوبر: من سرق التوراة؟

لم يكن مفاجئاً لأهالي الغوطة الشرقية خبر اعتقال أجهزة الأمن التركية في ولاية بله جيك اخمسة أشخاص بينهم أربعة سوريين، بحوزتهم نسختين قديمتين من التوراة وقطع آثار، تعود ملكيتها لكنيس “آلياهو هالامي” اليهودي في حي جوبر الدمشقي. المتورطون كانوا قد حصلوا على الآثار بعد تهريبها من الغوطة الشرقية إلى الشمال السوري، بطريقة مجهولة.

نسخ التوراة المنقوشة بالذهب على جلد غزال، والمرصعة بالزمرد والياقوت، ومعها ثريات ذهبية ومخطوطات أثرية وعشرات الكتب القديمة المكتوبة بالعبرية، كانت سبب تدهور العلاقة بين مجلس جوبر المحلي و”فيلق الرحمن” المسؤول الأول عن حماية هذه الآثار ومعرفة مصيرها عندما كان القوة العسكرية الوحيدة المسيطرة على جوبر. مجلس جوبر المحلي كان قد أودع تلك الآثار لدى “فيلق الرحمن”، في العام 2015، ضمن اتفاقية “غامضة” بحسب ناشط من جوبر.

ثلاثة من الذين اعتقلتهم السلطات التركية يرتبطون بـ”فيلق الرحمن”، ما يعني وجود صلة مباشرة لـ”الفيلق” في القضية، أو على الأقل معرفة بآلية وصول الآثار إلى حوزة المتورطين. قيادات في “فيلق الرحمن” نفت علاقتها بالقضية، وادعت أن تلك النسختين من التوراة لم تكونا في عهدة “الفيلق” سابقاً، وقالت إن  قضية آثار الكنيس متشعبة، ويوجد فيها يدٌ لأطراف متعددة، ولا يتحمل “الفيلق” وحده كامل المسؤولية.

مصادر خاصة أكدت لـ”المدن” أنه في 30 آذار/مارس، أثناء خروج الدفعات الأخيرة من مُهجّري القطاع الأوسط في الغوطة إلى الشمال السوري، تلقى قائد “فيلق الرحمن” النقيب عبدالناصر شمير، بلاغاً يفيد بأن القائد السابق لـ”لواء هارون الرشيد” الملقب بـ”أبو هارون جوبر”، وبرفقة أخرين، يحملون أكياساً في داخلها قطع أثرية من ممتلكات الكنيس اليهودي، ويتوجهون من جوبر إلى زملكا عبر نفق الغاز، لإخفاء هذه الآثار في حافلات التهجير بغية ترحيلها إلى الشمال السوري. فأرسل شمير قائد “اللواء 55” في “الفيلق” الملقب بـ”أبو حسن فهد”، ومعه عناصر، إلى نفق الغاز. وبعد مشاجرات بين الطرفين تمكن “أبو حسن فهد” من مصادرة الأكياس، من دون أن تُعرف محتوياتها. ورجّح المصدر أن يكون “أبو هارون” قد تمكّن قبل ذلك من تهرّيب قطع أثار أخرى إلى الشمال السوري في حافلات التهجير. ويعتقد أن “أبو هارون” قد استحوذ على الآثار خلال فترة سيطرته على حي جوبر بين العامين 2012-2014، وأن تلك الآثار مختلفة عن التي أودعها المجلس المحلي لدى “فيلق الرحمن”.

مصادر أخرى قالت لـ”المدن” أن النقيب شمير أهدى مسدساً وسيارة لضابط روسي، عند خروجه من الغوطة الشرقية، ليتغاضى الضابط الروسي عن ثلاث حافلات قيل إنها تحتوي على أسلحة ثقيلة. ويبدو أن عناصر “الفيلق” قد أخفوا في تلك الحافلات، قطع أثار من ممتلكات الكنيس، وقطعاً ذهبية كانوا قد صادروها عند اعتقال عناصر “داعش” في الغوطة عام 2015 وأخرى تم العثور عليها في بلدة المحمدية لاحقاً. وفعلاً، تمكن شمير من تأمين خروج الباصات وبقي مضمون ومصير محتواها مجهولاً.

“جيش الإسلام”، وخلال فترة رباطه على جبهات جوبر قبل الاقتتال الداخلي في العام 2016، حفر أنفاقاً تحت الكنيس اليهودي، بحثاً عن آثار قد تكون مدفونة تحت الكنيس أو في مغارة الكنيس المقدسة، ما أثار نقمة واحتجاجات أهالي الحي، فإدعى حينها “جيش الإسلام” أنه يقوم بتجهيز عمل عسكري على جبهات دمشق ويجهز الأنفاق من هذه المنطقة، واتهم الأهالي بالوشاية عن العمل وإفشاله. ولا يوجد تأكيد إن كان “جيش الإسلام” قد عثر على قطع أثرية أو لا.

وبعد تهجير أهالي حي جوبر الدمشقي إلى الشمال السوري، قاموا بإعادة ترتيب أوراقهم، وانتخبوا مجلساً محلياً جديداً برئاسة القاضي أبو أشرف، الذي اعتبر أن معرفة مصير آثار الكنيس من أولوياته. وطلب أبو اشرف تبيان مصير الآثار من رئيس المجلس السابق الشيخ أبو حفص، الذي أجاب بأن محتويات الكنيس أودعت لدى “فيلق الرحمن” في الغوطة ويتوجب متابعتها مع قيادة “الفيلق” الذي يتحمل مسؤوليتها القانونية. قيادة “الفيلق” تنصلت من مسؤوليتها عن الآثار، ونفت الاتهامات الموجهة ضدها بخصوص تهريبها إلى تركيا، ووصول بعضها إلى الجزائر وإسرائيل. وحُمّلت المسؤولية مجدداً للمجلس المحلي السابق، وللجنة السداسية المنبثقة عنه والتي كانت مهمتها حماية محتويات الكنيس.

وكان المجلس المحلي لحي جوبر قد شكل لجنة من ستة أشخاص من فعاليات الحي في العام 2013 بعد تحرير الحي. وكانت وظيفة اللجنة جرد محتويات الكنيس المتبقية بعد سرقتها من قوات النظام عند اقتحامها الأخير للحي. وأفرغت اللجنة الكنيس حفاظاً على محتوياته من قصف قوات النظام ومن اللصوص الذين بدأوا يحفرون في محيطه خلسة، ووضعت الآثار في صناديق مغلقة، ونقلتها إلى مكان بعيد عن الأنظار.

ومن أعضاء اللجنة السداسية؛ رئيس المكتب التقني في المجلس عاهد بكورة، ورئيس محكمة جوبر القاضي أبو البراء فتينة، ورئيس المكتب الإغاثي في جوبر أبو عبدو أوبل. وقامت اللجنة بتأمين الصناديق بحماية المكتب الأمني التابع لحي جوبر، وبسرية تامة.

وفي مطلع العام 2017 فوجئ أهالي جوبر بمشاركة عاهد بكورة في ندوة حوارية في الولايات المتحدة بمناسبة إحياء الذكرى السنوية للمحرقة اليهودية، وشارك في الندوة الحاخام الإسرائيلي ذو الأصل السوري أفرام حمرا. وتحدث بكورة، في الندوة، عن قيام اللجنة بتأمين محتويات الكنيس المتبقية بعد سرقة عناصر النظام له أواخر العام 2012، وعن استهداف النظام للكنيس بالصواريخ لاحقاً بشكل متعمد. مشاركة بكورة في الندوة كانت تأكيداً واضحاً على التنسيق بين اللجنة السداسية وجهات خارجية في ما يخص الآثار اليهودية. وقد شاع الحديث بين أهالي جوبر حينها أن أعضاء اللجنة سلموا إسرائيل بطرق مجهولة قطعاً أثرية، بعدما طلبت إسرائيل بالصور، القطع الأكثر أهمية في التاريخ اليهودي، ومن بينها أقدم نسخة توراة في العالم. وتحدث الأهالي عن وعود إسرائيلية غامضة للجنة السداسية، رشح منها تعهد إسرائيل بإعادة إعمار جوبر عندما تكون الظروف ملائمة.

ويُعدُّ كنيس ألياهو هالامي، أقدم كنيس في العالم، ويقال إن من بناه هو النبي إلياس عام 720 قبل الميلاد، وفيه مقام الخضر، وكان يحتوي على أقدم نسخة توراة في العالم وعلى عشرات الكتب العبرية القديمة والقطع اليهودية الأثرية التي كانت محفوظة في مكاتب من فضة، وكان فيه لوحات قديمة وسجاد قديم تتخلله خيوط ذهبية. في العام 2014 عُثر فيه على مكتبة قديمة كانت مخفاة بين أربعة جدران، كشفها سقوط إحدى قذائف النظام على الكنيس. وكان حي جوبر الدمشقي يعد تجمعاً كبيراً لليهود السوريين، واستمر أبناء الطائفة الموسوية في سوريا بزيارة الكنيس، أيام السبت، حتى بداية الثورة. وتعذر بعد ذلك الوصول إليه، خاصة أن بطاقات هوية اليهود السوريين ممهورة باللون الأحمر، بكلمة “موسوي”، ما يشكل عليهم خطراً أمنياً. واكتفى القائم على الكنيس، بزيارته على الدراجة الهوائية، في أيام معينة من الأسبوع.

المصدر: جريدة المدن الالكترونية. 

اترك تعليقاً